|
Re: في احتراق الدم والوقت لـ كمال عبدالحميد (Re: Ala Asanhory)
|
أستاذ علاء تحياتي
Quote: سأحاول أن أسأل عنه وآتيك بالمفيد |
لك الشكر على الإهتمام وأنا في انتظار المفيد
وهذا آخر ما كتبه كمال عبدالحميد في مجلة المرأة اليوم
نساء·· وأكاذيب قديمة
(1) بكتْ بلا رحمة، أكرهها وأحبها في آن واحد، أي حيلة تعوزني لأسافر بقلب فارغ؟ - سألتها: مَنْ منا صنيعة الآخر؟ - حررتْ صوتها من البكاء: دونكَ ناقصة· - غداً·· سيكون لدى كل منا ما يخجل من أن يبوح به للآخر· - متى تعود؟ تغير رجاؤها إلى أمل بعيد، أنا الذي لم يسافر بعد، كيف أجيبها؟ اكتفيتُ بالشرود فبدتْ عميقة في صمتها فيما اكتسى وجهها الصغير بظلين متقاطعين من الضوء· لأول وآخر مرة أراها تدخن· بعد قليل وبغضب ألقتْ بالسيجارة المشتعلة فاستقرتْ أسفل الباب، علّمتها الفوضى لأجد عذراً أمامها، صار لعطرها رائحة مختلطة بالتبغ، سألتها أن تختار له اسماً جديداً، عادت إلى رجائها الأول:"لا تذهب"·· عدتُ إلى هروبي وترجمت كلمتها اسماً تجارياً لرائحتها·
(2) الآن كل منا يفوز بظرف مكانه: أنت"هناك" وأنا"هنا"·· ملعونة هذه اللغة· نحن الآن بين تاريخين: ما قبل وما بعد· من شقة تطل على شارع لم يتغير اسمه منذ مائتي عام إلى قارتين بينهما الماء والجبال· هل تسقط الطائرة فتغلقين باب انتظارك وتستريحين لرجل آخر لا يحدّثك عن النغمة السوداء في اللحن، عن جنازة الوردة المهملة في أصيص الشرفة المجاورة·· أين أنت الآن؟ هناك·· تخرجين باكية من المطار ونقمتك لا تسعها المدينة الكبيرة·· ستقولين لنفسك قبل أن تبتعدي: انتظري قليلاً·· تقفين أمام الباب الزجاجي بانتظار مفاجأة أدخرها لك: أعود من صالة السفر صارخاً باسمك، وأقفز الحاجز الحديدي في مشهد سينمائي أثير· (3) أنتِ المتبوعةُ بالفكرةِ والرغبةِ، المأخوذةُ بأسمائها: الفيّاضة - المنّاعةُ - القليلةُ - الكثيرةُ - وحيدةُ زمانها - المطمئنة لباقات الوردِ، الجريئةُ في القولِ والفعلِ - المعطّرةُ بذاتها - المرصودةُ بالبلاغة والحيلة - الغارقةُ في شبرِ ماء - الواقفةُ على بوابة القلب - حارسةُ الروح من الوجد بغيرها· أنتِ البعيدةُ عن قصدٍ، المقربةُ عن عمدٍ، أنتِ حزنُ الغريبِ حين ينتابه الحنين لحكاية أمام موقد النارِ، أنتِ دعاء الأم لحظة تبكي في السرِ وجه من غاب، أنتِ تعويذة الجنوبي المخبوءة في الحقائب والأوراق، أنتِ غايةُ الذي لا غايةَ له قبلكِ، أنتِ تمام الشيء، اكتمالُ ما ينقصُ·· أنتِ خاتمة الهوى والنساء· (4) بالأمسِ كنتُ غامضاً على سجائري، أطفأتها واحدةً·· واحدة، ودبرتُ حيلةً لعناقها أمام حارس البناية· كنت غامضاً على صديقتي الجديدة, حدثتُها عن قراءةٍ أخرى لهامشِ الغرفة السوداء· كنتُ غامضاً على فضولِ جارتي أعطيتُها نميمةً للعشاءِ عن امرأةٍ بيضاءَ أعددتُ فراشها مرتين، وأغلقتُ بابها على أغنيةٍ في التاسعة والنصف· (5) وقفتُ في موقف الطيران·· ولم أستطع·· جهزتُ روحي وجسدي وقلتُ: أجرب أن أمضي بعيداً خلف الضوء واللون، وأتبع العطر حين يرج البدن، فما طارتْ الروح، وما ارتفع الجسد، قلتُ: ما الذي جرى؟ جناحاي ثقيلان، سقط الريش عنهما، لا يضربان الهواء كما كانا، ولا يصعدان بي إذا سرتْ في الدم فورة الوجد، أنا الطائر المسكون بالريح لا أستريح إذا تبدلتْ أحوالي وتسمّرتْ قدماي وسقط لساني·· وقفتُ في موقف الطيران·· ولم أستطع· (6) وردتان خرجتا للتو من شجرة في حديقة واستقرتا على مقعدين أمامي· سألت روحي: هل للورود صوت كما الرائحة· أيهما أخاطب أولاً·· وأيهما أرى وأستمع؟ حيرة الرغبة في اصطياد تفاصيل اللحظة وحفظ ملامح الوجه حين يصبح رد الفعل نافذة على الرضا والغضب، الدهشة والحذر، السعادة والملل· وردتان تجلسان في بهو الفندق، كأنهما عنوان طفولة قديمة، يقودني الجنون إلى تخيُّـل قدرتي على وضعهما في جيب قميصي، فهل تتركني المدينة أنتزع وردتين من بستانها؟ هل تأتيان معي؟ هل ينام الورد على ورق جواز السفر؟ وكيف يمر من أختام المطارات دون خدش؟ سأضع وردة على يسار الجسد، في القلب، والثانية مفتاحاً للروح، فكيف أمر من أجهزة الكشف في المطارات وأنا هارب بوردتين ناعمتين هما سر المدينة الساحرة؟ هكذا·· كنتُ أدبر في صمتي حيلة مبتكرة لسرقتهما، لكنهما اختارتا المدينة المراوغة، وتركتا خلفهما خيطاً من العطر، خيطاً من أريج الحدائق البعيدة (7) أعرفك لا تكفين عن ترقب غرائبي، خاب ظنك هذه المرة· أنا هنا على ارتفاع أربعة آلاف قدم، وأنت هناك على الأرض· شيء مات داخلي لحظة استدرتُ باتجاه الطائرة· لحظة اختفتْ ملامحك الدقيقة خسرتُ جرأتي على الجنون· ماذا تقولين الآن في صمتك وسائق التاكسي يراقبك في فضول·· اسألي المدينة التي جمعتنا سراً في لحظات مقتطعة من الفرح: ما الذي يتغير فينا عندما نخاف؟ أنا خائف على ارتفاع 5 آلاف قدم·· خائف مما سأرى على الأرض·· أتحسس قميصي لأطمئن: ابتسامتك في جيبي·· صورتك تعويذتي التي تنام على القلب·
|
|
|
|
|
|
|
|
|