الشاعر والاديب محمد جميل احمد في البورد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 03:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-22-2005, 12:24 PM

فتح العليم عبدالحي

تاريخ التسجيل: 08-07-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الشاعر والاديب محمد جميل احمد في البورد

    (قراءة في قصيدة (مقتل الكركدن) للشاعر السوداني محمد عبد الحي)

    بقلم محمد جميل أحمد
    (السودان/ السعودية)

    انسحب الشاعر العربي توفيق صايغ من الحياة ، تحت شراسة الأقلام التي وصفته بما لا يحتمل من صور التأويل، لمشروعه الأدبي الواعد، الذي أسس له من خلال مجلة "حوا ". وكانت نهايته المؤلمة في أمريكا(على مصعد جامعة بيركلي)، نهاية درامية لحلم عربي أسس للحداثة الأدبية والشعرية من منابر مغايرة لما عهدته أقلام الواقعية الاشتراكية .

    كانت الأصولية اليسارية العربية أكبر من أن تتحمل هوامش للتأويل خارج الزمن الأيدلوجي، إلا ضمن التخوين والعمالة. ولقد كان ذلك ضربا من طهورية طوباوية وصنيع صبياني، وفق عقلية (زريّة)، بحسب هاملتون جب، لا تفهم شرط الإبداع إلا عبر متون مغلقة وبعيدة عن استشراف معناه العابر للهويات، والاستقطاب الأيدلوجي .

    بيد أن هناك قلة من المثقفين العرب أدركوا قيمة توفيق صايغ في زمن محايث لمحنته . ولقد أعانهم في ذلك، خلوهم من أي شارة حزبية أو أيدلوجية . منهم، من المثقفين السودانيين، الروائي الكبير الطيب صالح. الذي وقف معه حين خذله الكثيرون. وعبـّر عن موقفه الشجاع بنشر روايته الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشمال)، للمرة الأولى على صفحات مجلة (حوار) في العام 1966. إدراكا منه لموقع توفيق صايغ ، الذي كان في ذلك الوقت في أشد الحاجة إلى المساندة والدعم . غير أن مثقفا سودانيا آخر، هو الشاعر والناقد السوداني المرحوم الدكتور محمد عبد الحي (1945ــ 1989)، كتب نصا شفافا في تقنيته وآفاقه الرؤيوية عن توفيق صايغ . ونحن نعتقد أن النص الشعري الذي كتبه صاحب (السمندل يغني)، كان رثاءً. فالنص منشور في ديوانه الأخير "زمن العنف" (الصادر ضمن الأعمال الشعرية الكاملة لعبد الحي، عن مركز الدراسات السودانية بالخرطوم في العام 1999) دون أي تاريخ، كعادته في نشر نصوصه. وأشار في القصيدة إلى مأساة توفيق صايغ ومحنته، وفرادته في كتابة متنه الشعري ، وتلك الغصة التي جرته إلى العدم ، وغير ذلك من تيمات النص التي تأولها الشاعر. كما أنه نشرها في الديوان ضمن سلسلة قصائد أشبه بمراث رؤيوية ،إن صح التعبير، للعديد من الشعراء (السياب،ابن الرومي، أبو نواس، كريستوفر أكيكبو). كتبها الشاعر برؤية تتماهى مع تجاربهم. وهي كتابة تتجاوز معنى الرثاء المباشر إلى ضرب من تناص معنوي حاور أعماقهم .

    وقصيدة (مقتل الكركدن) التي أردف الشاعر عنوانها بعنوان فرعي: (سونيت إلى توفيق صايغ). تأويل أنطلوجي لمحنة توفيق صايغ . كثف فيها عبد الحي قراءة برقية عميقة وشفافة لمأساته. مكن منها تدريب على كتابة نزعت معناها من ضغط الزمن الجاري إلى زمن إشاري مفتوح، و جمالية محايثة لشرط الإبداع .
    ورغم أن القصيدة كتبت فيما يشبه الرباعية ، إلا أنها تحيل إلى صدى روحي لشعرية توفيق صايغ، الغريبة غرابة شعرية عبد الحي في تلك الأيام (الصخـّابة)

    ( أجمل من في الغابة يصهلُ قرب النبع يغني
    ظل َ الشمس على أشجار التفاحْ
    جُرحَ ربيع الروح تلألأ أجمل من كل جراح
    الأيام النصف مضاءة تحت مصابيح الشارع والحزن )

    على هذا النحو يطلق النص إشاراته إلى مطارح بعيدة، حين يفتح علامات التأويل لمعنى البراءة التي تقترن بالجمال. فالإشارات الرمزية في النص لا تحيل إلى تيمات الطبيعة فحسب، بل تنسج تأويلا ً موازيا ً لحيثيات راهنة من خلال المشهد المرسوم يشفرها الشاعر عبر قناع استعاري. وهي حيثيات تشير بوضوح إلى محنة توفيق صايغ . لكن النص يتجاوز ذلك. فبراءة توفيق صايغ، ضمن هذا التأويل، ذهول جمالي يتحصن شعريا بالنبع والشمس والظلال . وهي تسجيل رمزي للدفاع عنه. فالنص أصلا يفترض في محنة الشاعر جراحا عميقة نابعة من معنى أن يكون المرء شاعرا ومحروما. لذلك فالغناء على جراح الروح، صيرورة لمأساة تشع جمالا وشعرا. في مشهد يحيل إلى ذلك الضباب الذي تبدو البراءة فيه شمسا حزينة تحجب هالتها (الأيامُ النصف مضاءة.) . وبالرغم من أن عنوان النص يشير صراحة إلى مأساة توفيق صايغ (مقتل الكركدن)، إلا أن العنوان هنا هو فقط المدخل التاريخي/الزمني للنص . فالخيط الرفيع بين العنوان ومناخ القصيدة الشفاف لايمكن التقاطه إلا بذلك التأويل الذي ذكرناه أنفا، أي اشتقاق الهامش الدلالي البعيد والمجزوء من المتن الجمالي وفق الإشارات المواربة ،التي تحتقب في ظلالها رؤية جمالية تنطوي على سخرية غير منظورة لكنها حاضرة . ذلك أن عبد الحي يوغل في هوامش شفافة لروح توفيق صايغ بوصفها كينونة متعالية تحوّم حول روح الطبيعة لتحل فيها

    (يصهل فوق جبال ٍ خضر تحت فضاءٍ أزرقَ منفتح ِ
    منتظرا أن يتقمص إبريق الفخارْ
    الحلم الناشب مثل حمامة نارْ
    عبر الوتر المشدود على قوس الجسد المنجرح ِ)

    هكذا يصبح الصهيل نزيف الروح الباحثة عن خلاصها عبر الغناء، حتى تتناسخ في ملاذها الأبدي بين الطبيعة. ذلك أن الغناء هنا مجاز للحلول والاتحاد. فهو غناء يرهن الجسد لفناء منذور. و النص يتحول إلى فضاء وجودي مغاير. حين ينتقل فجأة لهوية أخرى لأن الشاعر يرّحل إشارات المعنى إلى سياقات برزخية. وهي سياقات تنطوي على رؤية متجاوزة لحيثيات المأساة، موضوع النص، رؤية تحقق بالتفافها على موضوعها كشفا ما ورائيا لموت الشاعر حين يرحل بمأساته. وعبد الحي، كعادته في كتابة الآخرين شعريا، يعطف أهاويل المأساة على فضاء افتراضي لحياة أخرى تليق بشاعر يشبه أطيافه ولا يقوى على ذلك الحصار الذي لف أيامه الأخيرة. كما لو كانت تلك الروح المنسوخة في نص عبد الحي للشاعر، صورة طليقة لمواصلة الغناء تحت فضاء منفتح أي غناء خارج الزمن. فصورة الفنتازيا تحيل إلى كينونة شفافة ليست من هذا العالم

    (سونيتة حب ٍ أم حيوان ٌ يُجهشُ تحت النصل المسنون ِ ؟
    كوميديٌ يتقشر بعد العرض قناعا وقناعا ؟
    أم طفل غنى خلف الأرغن في وطن ضاعا ؟
    أم صوت البلبل في حقل الورد يغني / ينزف في ألم مفتون )

    ويتساءل الشاعر عبر سياقات جدلية في النص ليتأمل صور المأساة بين حدود تنقض تيماتها المتقابلة، وتجرد الإبداع لجهة من المحو والصفاء تنفي عنه علامات التعيين، بالرغم من أداته اللغوية التي بدت كلازمة . ففي النص استعادة تأويليه لأبي العلاء في قوله الشهير: (أبكت تلكم الحمامة أم غنت...). فالبكاء/الغناء تحت النصل المسنون هو معنى صاف لحقيقة الشعر الذي يزهر من المأساة. فطالما قال عبد الحي في إحدى قصائده

    (الشعر فقر
    والفقر إشراق .
    والإشراق معرفة لا تدرك
    إلا بين النطع والسيف )

    وهي حدود يشرق فيها المحو بصفاء التجربة والطبيعة في قناع واحد يختصر اللذة والألم. وفي ذروة العرض يتكشف النص على جانب من المحنة الزمنية للشاعر أي تلك الكوميديا السوداء التي تمحو حدود الغناء والبكاء في حد ملتبس، بين بكاء الطفل النابع من الطبيعة، وضحك الذات المثخنة بالجراح أمام المتفرجين (رغم الكواليس القاسية). وفي نهاية المقطع ينهي الشاعر لعبة النقائض المتقاطعة ليجمعها صوت البلبل الذي يغني وينزف في حقل الورد. باعتباره حيوان الألم والفتنة . ولا شك أن عبد الحي يستعيد هنا حالات توفيق صايغ الأخيرة فالإشارة إلى النزيف والألم هنا أيضا تتجاوز الإحالة المجازية إلى حالات معنوية عانى منها الشاعر في أيامه الأخيرة . كما سيشير إلى ذلك في المقطع الأخير من النص .

    (هل يجدي أن نعرفَ ؟
    لن يجرؤ َ أن يعشق أجمل من في الغابة
    ويتوجه بالأسماء ويرثيه
    غير ملاك من خارج هذي الأيام الصخابة)

    وفي الختام يعطف محمد عبد الحي دوال النص الرمزية على مأساة توفيق صايغ بإشارة واضحة وسؤال مفتوح، في ذلك الزمن الرهيب، والسؤال في حد ذاته يحيل إلى كوابيس أيدلوجية تنبذ من يخالفها ، مرة وإلى الأبد، خارج غابة الأيام الصخابة، بحسب عبد الحي. ولهذا لقد كان (توفيق صايغ) في حاجة إلى ملاك يرثيه ويطوبه بالأسماء من خارجها.

    وهكذا نرى أن عبد الحي كشف في نهاية النص، كما في بدايته، عن الموقع الذي كان يرى فيه توفيق صايغ، باعتباره (أجمل من في الغابة). كما كشف عن معنى الرثاء الذي هو موضوع النص (هل كان عبد الحي يقصد نفسه بهذا الرثاء " الملائكي؟"). دون أن يحيلنا إلى صراخ وندب وتأبين للمناقب. لقد كان توفيق صايغ في حاجة إلى نص شفاف يشبهه تماما في زمن أيدلوجي أعمى.
    وبالرغم من الإيقاع الهادي للنص ومقاربته الشفيفة للمأساة من تيمات مطلقة، إلا أن إحالاته الدلالية والجمالية تنطوي على كتابة تفتح آفاق التأويل لمعنى الإبداع والحرية، والكتابة التي تحّول تيماتها الراهنة إلى طيف في سماء الأزمنة، ومحاكمة رمزية لزمن أيدلوجي من خلال الدفاع عن ضحية كان يرى يرصد الشاعر عذاباتها بأسى .

    إن التأويل المزدوج للغابة في هذا النص ربما كان أليق تعبير عن تلك الأجواء التي راح ضحيتها توفيق صايغ . وبالرغم من أن حدود البراءة غير المتكافئة للتطويب الأيدلوجي في ذلك الزمن كانت أشبه بيقينيات قابلة للإطلاق والتصديق، بفعل ذلك الفهم الزري (لأن من علامات التخلف: العجز عن التجريد). إلا أن ما تكشفت عنه المدونات السرية لذلك الزمن، بعد مياه كثيرة جرت تحت الجسر، عزز بوضوح رؤية الشاعر الذي يحلق في فضاء مستقبلي. حين يكتب بنبوءة شعرية، دفاعا جماليا عن شاعر لم يفترض فيه استحقاق البراءة فحسب. بل التتويج بألقاب لامتناهية لدوره الريادي.


    *كاتب وشاعر سوداني مقيم بالسعوديه
    ينبع البحر
    16/آب أغسطس 2005

    [email protected]

    (عدل بواسطة فتح العليم عبدالحي on 09-23-2005, 01:13 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de