تشكيل كيان أبناء الوسط (الجزيرة)...

Quote: سَلِمتْ من متاهة زعيم التنمية بمشروع الجزيرة روى المهندس الوزير صغيرون الزين عن تجربته بمشروع الجزيرة وكان وقتها مسؤولاً عن الري، انه وبينما هو في عمله في تخطيط امتداد لمشروع الجزيرة بمنطقة غرب الجزيرة : مرّ عليه الناظر دفع الله امام (ناظر الحلاوين)، وبعد السلام والمجاملة سأله عن قطعة ارض معينة، واشار اليها بيده ان كانت ادخلت في الامتداد الجديد ام لا؟ فلما اعلمه المهندس صغيرون بانها لم تدخل ، علق الناظر بكلمة واحدة فقط ولم يزد قال الناظر «سَلِمتْ» وذهب في حال سبيله بحماره السريع. نعود للمهندس صغيرون الزين وهو يعلق على التنمية التي انهارت وعن الادارة التي ضاعت تقاليدها - التنمية التي لاترتبط بالناس - ان التنمية التي لا يقتنع بها زعيم محلي، مثل الناظر دفع الله محمد امام «ناظر الحلاوين» او الناظر بابو نمر او حتى المواطن العادي، يجب ان تراجع جيدا. يجب مراجعة اهدافها ، برامجها وآثارها، هذا ما يعرف في مفهوم التنمية الحديثة بالمشاركة الشعبية. كان المهندس صغيرون يخطط لري مساحات اضافية بمشروع الجزيرة، وقد جرب الاهالي قبل ذلك الزراعة بالمشروع وخبروها وعاينوا التغير الذي حدث في حياتهم: لم يكن للافضل!! شهدوا هلاك قطعانهم من المواشي، الابل، والضأن والماعز،كما شهدوا تقلص انتاجهم من محصولهم الغذائي الرئيسي «الذرة» حيث لم تعد مطاميرهم ومخازنهم تمتليء بذلك المحصول، ولم تعد مواشيهم وفيرة. جاءت اليهم امراض كثيرة فهناك، مرض يملأ البطون ويهزل الاجساد وآخر يقعد عن الحركة - اعمار الرجال والنساء والاطفال انتقصت. الناظر دفع الله قصد من كلامه سَلِمتْ: ان تلك القطعة من الارض الغالية قد نجت من الدخول في دوامة انتاج لا يعرفون عنه شيئا- سلمت الجرة من الكسر، بلاغة في التعبير وايجاز يقابله من الناحية الاخرى فشل في التنمية واحلامها.. قطن يزرع وقد تتعب نساؤهم واطفالهم في حصاده وهم لا يجدون منه ما يحرك مناسجهم ولا ما يدير مغازل نسائهم وغوغايتهم «والغوغاية آلة تصنع من الخشب لازالة البذرة من الياف القطن» او حتى ما يشبع المنافج غير النهمة (المنفاج: آلة لنظافة القطن وهي عبارة عن قوس خشبي يشده وتر من الحبل المتين) ولا يجد المنتج وسائد تريح او ألحفة تقي من البرد. وتحرم حتى البهائم من التهام آخر اوراق خضراء. وتأتي حملات التفتيش لمصادرة المناسج والغوغايات واكياس القطن ومصادرة سيقان القطن او الحطب الذي يستخدم كوقود. ليحرق امام اعينهم.. ضياع للجهد وللزمن . يصادر كذلك غزل القطن الجاهز من سدي ولحمة في حمله الجميلة (الحملة خيط القطن الملفوف في كرات او اشكال مخروطية او بيضاوية) ويسمى احيانا «الكيفة». لقد انتهت الصناعة المحلية للقطن في الجزيرة ولم نستطع انشاء صناعات حديثة او متوسطة، واليوم يرتدي سكان الجزيرة من مغازل سويسرا او الصين والهند ودول اخرى وكانوا قبل ذلك يلبسون الدمور والقنجة والفردة. سَلِمتْ تلك الارض لتبقى لاجيال قادمة تستغل خيرها وغلتها. اجيال اكثر ذكاء وابداعا.. الم يكن ممكنا بقليل من الارشاد والتوجيه ان يستخدم القطن دون احداث ضرر بمحاصيل الموسم القادم؟! اختفت قطعان الضان والماعز واضحى سكان الجزيرة الذين كانوا يخجلون من بيع اللبن، يشترون حاجتهم من الالبان من سكان السرايا «السرايا تجمع مكاتب وسكن الانجليز من المشتغلين في مشروع الجزيرة التي آلت الى الادارة الوطنية بعد الاستقلال». ان العاملين بالشركة وبالمشروع حتى الآن ورغم افلاسه يعيشون حياة افضل من المنتجين واصحاب الارض (اصحاب الارض هؤلاء قصتهم اعجب، اذ ان اراضيهم ما زالت منذ اجيال تؤجر بواقع 10 قروش للفدان، بينما تعيد الدولة تأجيرها للمزارعين بآلاف الجنيهات).. ان قصة التنمية بمشروع الجزيرة تحتاج لاعادة نظر وهي مثال على فشل كبير. انتاج المزارعين من القطن يباع دون ان يعرف اشطر مزارع عنه شيئا، وعندما يكون السعر مجزياً والعائد كبيراً يضعون ضرائب لا حصر لها ومثلها من التبرعات ثم الزكاة. ان ما يدور في مشروع الجزيرة شيء لا يصدق- ويبقى الحديث عن علاقات الانتاج والحساب الفردي وغيره وهماً كبيراً. فشل التنمية في مشروع الجزيرة يحتاج من الصحافة، (السلطة الرابعة) الى جهد وعمل- (مشاكل الاطماء وكيفية علاجها ، مشاكل المبيدات وشركات الرش وطائراتها الرابضة كالصقور .. وتلوث البيئة .. والادارة التي توسعت في المكاتب والمنازل واساطيل العربات وتنافس في الامتيازات. الانتاج وعلاقاته .. والضرائب والرسوم واخذ الزكاة من مزارعين معسرين واساليب في الجباية اشبه بتلك التي اودت بروسيا الى الهلاك والانهيار) مزارعون يحرمون من رعي آخر اوراق خضراء في محصول القطن وحبس مواشيهم في زرائب خاصة وفرض غرامات كبيرة. ان موضوع الادارة يصلح للبحث، لمقارنة جيوش العاملين خلال مسيرة المشروع الطويلة وكمية الانتاج وعائدات المزارعين. وتبقى بعد ذلك ذكريات العم / صغيرون الزين وهو يسرد لي هذه الحادثة مع الناظر دفع الله وكنوز من الحكمة والخبرة وفهم عميق، وعمل متواصل في خدمة البلاد والعباد، نسأل الله ان يمد في عمره. ورجاء للصحافة ان تسعى لتوثيق هذه المعرفة والمعلومات وتستخرج منها دروساً وعبراً تفيد الناس. يعمل المهندس / صغيرون الزين حاليا بروفسير لكرسي اليونسكو للمياه بالخرطوم.. أملنا ان تستفيد الجامعات ومراكز الابحاث من خبرات العاملين سابقا بالدولة وغيرها. ان العبرة من هذا الخطاب مراجعة التنمية واصلاح ما يمكن اصلاحه.. والله المستعان. ولا يفوتني ان اذكر من ضمن المعلومات المهمة التي اخبر بها المهندس صغيرون الزين- وزير الري السابق- وجود نوع معين من الزيتون بجبل مرة فهل يثير انتباه الخبراء والباحثين الزراعيين هذا ما نأمله.. والله المعين وعليه قصد السبيل

(عدل بواسطة Ehab Eltayeb on 03-04-2005, 11:48 PM)