الكـــأس...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 09:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-25-2004, 12:13 PM

ميادة

تاريخ التسجيل: 05-13-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الكـــأس...

    في ساعة متأخرة من ليل ذلك الشتاء، وانا في غرفة تلفني جدرانها بالوحدة، استلقيت على السرير، وأنا أستمع إلى الموسيقى، وأعبث بأوراق قديمة تملا تلك الحقيبة الجلدية، كانت هدية من جدي الذي أحضرها معه من أمريكا، وقعت يداي على ورقة تفوح منها رائحة ذكرى ماضي جميل، وسرحت في تفكير بعيد، وكأن هذه الورقة الصغيرة استحالت إلى ثقل كبير يشدني إلى أعماق البحر، آه يا بحر......آه ما أحلا تلك الأيام...

    وفجأة سمعت صوت قطرات المطر تدق نافذتي تدعوني للاستمتاع، تدعوني أن أغسل همومي تحتها، لبست معطفي وخرجت من طوق الوحدة الذي كان يقيدني مشيت ومشيت في ذلك الجو القارص والمطر ينهمر بغزارة يغسل ما بداخلي فأحسست أنه يبعث في نفسي الحياة من جديد يقول لي أصرخ ما شئت فالشارع خال والناس في بيوتهم يلتفون حول مدافئهم، يقول لي اجر إن أحببت واهرب من قيود الحاضر إلى فسحة الماضي الجميل، وبينما أنا أهم بالجري تحت زخات المطر لمحت من بعيد رجلا تبدو علية آثار السنين الطويلة منحني الظهر أشيب الشعر ممسكاً بعصا، وهو جالس على صندوق من الخشب تحت عامود إنارة، وقطرات المطر تتلألأ خلال الضوء المنبعث منه، وهي تنهمر على ثيابه القديمة الرثة فيتقاطر منها على الرصيف، اقتربت منه ملقيا السلام فرد علي ثم قال لي تفضل بالجلوس، استغربت من تلك الدعوة!!!
    قلت: أين تريدني أن أجلس؟!
    قال: على هذا الرصيف...
    قلت: ولكن لماذا؟!
    قال: قد ينفعك ذلك، فأنت تبدو مهموماً، والمهموم يجب أن يكسر كل شئ اعتاده حتى يقهر الملل...
    قلت: وكيف عرفت أني مهموم؟!
    قال: يا بني ألا ترى شعري المشتعل شيبا، امً انك لا ترى ظهري المنحني و أخاديد الزمان على وجهي، لقد ربيت أولادي وأحفادي وقد دارت علي الدوائر حتى أصبحت متبصراً ذا فراسة بأحوال الناس...
    وبينما أنا أنصت إلى حديث هذا الشيخ، وجدتني أجلس على الرصيف وأقول له: وهل تستطيع أن تعلم ما مشكلتي؟!
    ابتسم الشيخ وهو يهز رأسه قائلاً: لا...لا او تظنني عرّافاً، يا بني لا يعلم الغيب إلا الله...
    قلت: إذن ماذا لو حكيت لك حكايتي، هل تستطيع فك رموزها؟؟؟
    قال: هات ما عندك واحكِ لي حكايتك وإن شاء الله سوف تجد ما يثلج صدر ويفك ضيقك...
    قلت: باختصار شديد يا عم كنت في الماضي القريب أعيش حياة سعيدة، سعيدة جداً، كنت سعيداً بين أهلي أنعم بدفء الأسرة ولمّة الأهل والأحباب، لا أذكر أنه كانت لدي هموم تشغل تفكيري، حين أذهب إلى ذلك التاريخ تتجلى في مخيلتي مناظر جميلة تحملنا معها إلى حلم أجمل هناك حيث مملكة السعادة حيث لا توجد تعاريف لكلمات مثل الحسد أو الكذب أو الغش أو التنكر، كنت إنسان محب للناس وكان لدي الكثير من المعارف والأصدقاء، كم كنت سعيدا بصحبتهم ولكن الآن لم يبق من تلك السعادة سوى ذكريات.وبعض الأوراق وبعض الصور التي كلما رأيتها ينتابني ضيق وحسرة، فأسأل نفسي لماذا هم الناس هكذا يتغيرون لماذا يتقلبون ويتلونون مع مرور الأيام، لماذا؟ إذا كنت قد أخطأت في اختيار الأصدقاء، فما بال الأهل الذين لم يكن لي دور البتة في اختيارهم!!! و ما هو الفرق بين الماضي الذي لم يكد يمر يوم فيه دون أن نتقابل ونقضي أوقات جميلة معاً وبين الحاضر الكئيب الذي أعيشه وحدي، ولماذا كل ذلك؟

    تنهد الشيخ تنهيدة طويلة وأخذ ينكت الأرض بعصاه ثم قال: إيه يا بني مشكلتك قديمة قدم الأزل وحلها يسير ولكنك قابلتني متأخراً نعم يا بني لقد كان لقاؤنا هذا متأخرا جداً يا بني، ثم التفت إلي وقال: ولكن أسمع مني يا بني وانقل عني هذه الوصية لأبنائك وأحبائك، يولد كل إمرا منا ومعه كأسان، كأس من السعادة وكأس من الحزن، فهناك من يشربون من هذا قليلاً ومن ذاك قليلاً بتناوب، فتكون أيا مهم يوم سعادة ويوم حزن وهكذا فالسعادة تمحو الحزن والحزن يجعل للسعادة معنى!! ولكني أخشى يا بني أن تكون قد شربت كأس السعادة وأسرفت في شربه ولا أعلم كم بقي لك فيها، وأنت الآن تتجرع كأسك الثانية كأس الحزن جزاء إسرافك وعدم كبحك جماح نفسك...

    استدار الشيخ على يمينه ليفتح حقيبة جلدية مهترءة كانت ملقاة بجانبه على الرصيف فأخرج منها كأسا ثم اتكأ على عصاه قائما وقال لي:أجلس مكاني هنا تحت هذا المطر وضع كأسك الفارغة بجوارك ثم فكر ملياً فيما حدثتك به وحين تنتهي من التفكير ستجدها قد امتلأت اشربها وتذكر أنه لا إفراط ولا تفريط وأقتصد في كل شيء ولا تندفع وكن واقعياً فبذلك تغدو الحياة أجمل...









                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de