|
مدير الإستخبارات العسكرية السابق يقول لا مفر الا بتشكيل حكومة أتفاق وطني
|
بقلم : لواء ركن «م» صلاح مصطفى الأغبش ..................................
لا مفر من حكومة إتفاق وطني مهما كان هناك تعثر في مجريات التفاوض القائمة الآن بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، ومهما كانت درجة الغموض المضروب حول ما يدور من تفاوض، ومهما طال الزمن لا اعتقد اننا سنعود مرة اخرى الى الحرب التي تجرعنا جميعاً مراراتها ومآسيها وعذاباتها، وافرازاتها التي اثرت على كل مناحي حياتنا سياسياً واقتصادياً وأمنياً ونفسياً.
لقد كانت فترة وقف العدائيات ذات تأثير واضح على استقرار المزاج السوداني الذي عاش خارج دائرة القلق والتوتر الذي كان سائداً لفترة طويلة..
ورغم بعض الضباب العالق حول تلك المفاوضات، إلا ان التفاؤل والأمل لايزال يسود الساحة السودانية بقرب توقيع اتفاق السلام الشامل ليطوي تلك الفترة السوداء من تاريخنا. إلا ان كل الشعب السوداني قد ينتابه الشعور بالخوف مرة اخرى من مرحلة ما بعد السلام ومدى القدرة والارادة على تنفيذه والوصول به إلى خواتيم سعيدة مهما كانت نتائج الاستفتاء المتوقع بعد انقضاء الفترة الانتقالية التي قد تقود الى وحدة السودان أو انفصال الجنوب.. واسباب ذلك الشعور بالقلق يعود الى وجود عوامل كثيرة سياسية كانت أم قبلية أم جهوية مع توقع اختلافات متعددة بين القوى السياسية والحزبية سواء أكان ذلك الاختلاف في ما بين الاحزاب من داخلها او بين بعضها البعض في الشمال او الجنوب..
لتفادي تلك المرحلة القادمة اي المرحلة الانتقالية وما قد ينطوي عليها من مشاكل تبدو شائكة ومعقدة، كان لابد على الكل ان يفهم ان نكون كفعاليات وقوى واحزاب سياسية مصرين على ضرورة تجاوز تلك المرحلة بالتوحد والوفاق على رؤى وطنية واضحة ومحددة المعالم وذلك لن يتأتي الا بحكومة قومية متفق عليها تكون قادرة على مواجهة كل تلك الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية مجتمعة. ولابد ان تكون تلك الحكومة سياسية بالمعنى المفهوم وليس حكومة تكنقراط لتكون ذات اختصاصات سياسية لتمتلك خبرات وامكانيات نحن احوج ما نكون إليها.
المرحلة القادمة التي تمر بها البلاد هي مرحلة سياسية بامتياز ومشاكلنا السياسية والامنية والاقتصادية هي في ذات الوقت سياسية بامتياز، فلا مفر من حكومة سياسية ذات مشاركة واسعة تهدف الى تصحيح الخلل السياسي في التمثيل الحكومي وبالتالي تصحيح الخلل في التوازن الوطني وهو الذي يحقق التفافاً شعبياً بالحكومة ويدفع الى المزيد من الاستقرار والتوحد لاصابة الهدف الوطني الجامع للمستقبل.
حكومة الاتفاق الوطني ترمي بالضرورة لازالة المظالم والحرمان الذي تعيشه بعض المناطق بالسودان، والحكومة الوطنية الشاملة تتمثل في تحقيق الانماء المتوازن، ولا انماء متوازن في غياب حكومة موحدة ممثلة للجميع.
لقد بات ملحّاً تحقيق الانماء المتوازن والمشاركة العادلة، المنصفة لكل الجهات والارياف والمناطق النائية في الشمال والجنوب وفي الشرق وفي الغرب لتحقق نهضتها في موازاة النهضة التي تشهدها العاصمة القومية وضواحيها.
ان تلك المناطق التي تشكو من التهميش تلزمنا بالالتفات إليها قبل ان تجاهر بذلك الحرمان الذي تراه، والمحروم بات الآن لا يتحمل اكثر من ذلك وباتت الشريحة الساحقة من السودانيين محرومة..؟؟!!
إن تشكيل الحكومة القومية في المرحلة القادمة من شأنها ان تعيد بناء الثقة بين الحكومة والشعب، ولا يتوقف هذا الأمر - اي امر الثقة - عند حدود ردم الهوة بين الحكومة والشعب بل بين الحكومة والقوى الخارجية ذات الوزن السياسي والاقتصادي وهي نفسها تلك الدول ذات اليد الطولي في الاستثمار الذي نحن في امس الحاجة إليه مستقبلاً. فتدفق رؤوس الأموال خاصة المستثمرين العرب الذين نرى حسن نواياهم في الاستثمار بالبلاد متى وجدوا ظروفاً سياسية وأمنية مستقرة.
إن المرحلة القادمة ورغم صعوبتها ومخاطرها بما تحمله من تهديدات متوقعة، يمكن ان تكون مرحلة فاصلة في تاريخنا ومرحلة فاصلة في اعادة دور السودان الى مكانته التي كان عليها في الكيان العربي وفي الكيان الافريقي وعلى مساحات الساحة العالمية.
نعم، لقد اخرّت الحرب الشريرة السودان عدة سنوات إلى الوراء، أخرته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وافرزت بصورة حادة مواجهات جهوية وقبلية ودينية، هزّت النسيج الاجتماعي بكامله واثرت على السلم الاهلي الذي تعايشنا عليه عقوداً طويلة كما يحدث الآن في دارفور ومن قبلها في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ومناطق اخرى في شرق البلاد...!! إزاء كل ذلك إما ان نستوعب ذلك الخلل الخطير ونعمل لمعالجته بوفاق والتزام وطني وإلاَّ ضاع السودان واصبح بؤرة لعدم الاستقرار والخراب وربما التقسيم الى دويلات ضعيفة ومتصارعة..! علينا ان نكون اليوم واكثر من اي يوم مضى موحدى الكلمة حول الثوابت الوطنية واهمها التعايش السلمي والوحدة المحاطة بالعدل والمساواة، وعلينا ان ندرك تماماً التهديدات الماثلة والمستقبلية التي قد تواجهنا.. وعلينا ان ندرك انه إذا صرنا على ما نحن عليه الآن موحدي الشكوى من الحالة وموحدى النظرة بقلق إلى المستقبل واذا كنا جامدين لانستفيد ولا نتعظ بما سببته الحرب من اضرار وكوارث فمصيرنا الاضمحلال والفناء..!! ولكنه، وفي ذات الوقت يمكن ان نتفادى تلك الظروف الاستثنائية والخطيرة باتفاقنا على حكومة وطنية شاملة تعيد الثقة الى جموع الشعب وتؤكد على تلك الثقة بينه وبين الحكام الذين يجب ان يتفقوا على مشروع وطني مستقبلي واحد والتجند لتنفيذه درءاً لتلك المخاطر والتي ستكون داهمة إذا لم نتحسب لها ونطوقها بوفاقنا ووحدتنا.
في ظل الظروف الراهنة وبعد اتفاق السلام والوصول إلى حلول مرضية وعادلة لمشكلة دارفور والمناطق الاخرى التي تشكو من الحرمان، قد لا تستطيع الانقاذ وحدها تجاوز تلك المرحلة الفاصلة بالسهولة التي قد يراها البعض وقد لا تستطيع لوحدها تحقيق السلم والأمن الاهلي ثم الأمن القومي، ولكن يمكن تحقيق الاستقرار المنشود بالنهوض بالسودان بمساعدة القوى الشعبية في بناء المستقبل ومواجهة التحديات المتوقعة وما اكثرها..!! تلك المساندة الشعبية المهمة لا تتوافر إلا باشراك ممثليها واحزابها في حكومة قومية تضمن ثقة الجميع بكل احزاب وجهويات وتكتلات السودان، وهذا بالطبع عامل مهم ومطلوب بالحاح شديد في المرحلة القادمة ليبقى الحاكم والمحكوم في اجواء ثقة متبادلة وادراكاً سليماً لطبيعة المرحلة التي تحتاج لجهود الجميع تعاضداً وعملاً جماعياً يقود باستقرار البلاد في جميع النواحي السياسية والأمنية.
إن الحكومة القومية الوفاقية من شأنها ان تزيل كل الترسبات والمرارات التي عايشناها حيث ترتقي حالة الحرية والديمقراطية والمساواة والعدل وعندما يدرك كل مواطن حقوقه وواجباته ومسؤولياته تجاه حكومته وتجاه وطنه، وعندما يدرك الجميع حكومة ومعارضة وقوى شعبية ان المنطلق لبناء الوطن هو الرؤية الواحدة لذلك الوطن.
علينا ان نتذكر ان التاريخ لا يمشى الى الوراء ودور الانسان ان يسرع او يؤخر التطور، لكن لايقدر ان يلغيه. وإني لواثق ان السودان مقبل على تطورات كبيرة واننا جميعاً باختلاف رؤانا السياسية ندرك تماماً اننا محتوم علينا ان نتطور وان نشمر سواعد الجد لنشترك كلنا في ذلك التطور الى مستقبل اكثر اشراقاً اولاً بوحدتنا الوطنية وتماسكنا الداخلي واتفاقنا على تحدى المرحلة القادمة مؤتلفين في حكومة قومية جامعة.
ü المدير السابق للاستخبارات العسكرية
|
|
|
|
|
|