كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 05:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-02-2004, 05:52 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى (Re: sultan)



    كمال الجزولى يختتم مناقشته للصادق المهدى

    القَوْسُ المُوَشَّى (3ـ3)





    ـ سكرتير الأمَّة سلم السلطة لعبود ، وراعيه سمَّى ذلك "يوم الخلاص" ، ورئيسه اشترط فقط تقصير الفترة .. فأين سوء التفاهم هنا؟!

    ـ باسم الديموقراطيَّة عدَّلت القوى التقليديَّة الدستور وانقضت على الحزب الشيوعى خوفاً من تزايد نفوذه الجماهيرى بعد أكتوبر!

    ـ التراجع عن خطة سوكومارسن كرَّس الشكلانيَّة طابعاً للممارسة البرلمانيَّة تحت سطوة القطاع التقليدى!

    ـ نميرى (اتهم) الشيوعيين (بتحريض) الأحزاب على استعادة الديموقراطيَّة الليبراليَّة .. فأصاب من حيث أخطأ وأنصف من حيث تجنى!

    ـ حسناً فعل السيِّد الصادق باقتراحه إعادة فتح ملف الانقلابات فى السودان .. علَّ ذلك يرتب لدروس أكثر نفعاً!



    فى سياق مناقشتنا لورقة السيِّد الصادق المهدى ، أمام الندوة التى أقامها مركز السلام بجامعة جوبا ومركز طيبة بالتعاون مع مؤسَّسة فريدريش آيبرت بقاعة الشارقة ، ورأيه بأن الشيوعيين لم يدعموا الديموقراطية المعيارية ، كونها لم تتح لهم فرصة فخططوا للاطاحة بها ، أشرنا إلى أننا ، برغم تقديرنا لجهوده الفقهوفكرية فى توطين (الديموقراطية المعيارية) فى تربة الاسلام ، لا نغفل أيضاً سعيه ، كرئيس حزب ، لدعم مقوِّمات (الديموقراطية العملية). ولكن هنا بالتحديد "يختلط القوس المُوَشى"! فالورقة تنحو لتبسيط قضيَّة شديدة التعقيد بطبيعتها ، فتصادم جملة معطيات يصعب بدونها تحليل سيرورة الحزب الشيوعى التاريخيَّة والفكريَّة ، كنزوعه الباكر (للديموقراطية الليبرالية) ، ورأيه بأن الفساد لا يُجتث إلا بالديموقراطيَّة ، ومقاومته لمفاهيم (الديموقراطيات الاشتراكية) ، ودعوته لحكومة (الاتحاد الوطنى الديمقراطى) ، ومناهضته لاعتداء القوى التقليديَّة على الحريات والحقوق ، وخرقها لأسس الممارسة الديموقراطية ، ورفضه تعطيل حزب الأمة للبرلمان ، ثم تدبيره لانقلاب عبود فى نوفمبر 1958م. وتساءلنا عمَّا تعنيه بالنسبة للامام مقاومة الحزب لذلك الانقلاب ، رغم أنه لم يسلبه سلطة من الناحية الشكلية! وفى هذه الحلقة الأخيرة نواصل المناقشة بذات المنهج القائم فى إضاءة المعطيات الموضوعيَّة فحسب:

    (12) وبإزاء قول السيد الصادق إن الانقلاب وقع نتيجة (سوء تفاهم) بين سكرتير حزب الأمة وبين رئيسه وراعيه (الصحافة ، 10/4/2001م) ، فثمة حقيقتان أساسيَّتان تلوِّحان هنا بأكثر من إصبع:

    الحقيقة الأولى: أن سكرتير الحزب السيد عبد الله بك خليل سلم السلطة للجيش. وأن رئيس الحزب السيد الصديق المهدى لم يعارض إستيلاء العسكريين على السلطة (من حيث المبدأ) ، إلا أنه كان يرى أن يكون ذلك مرتبطاً بفترة زمنية قصيرة (ت. نبلوك ، 1990م). أما راعى الحزب الامام عبد الرحمن المهدى عليه رحمة الله ورضوانه فقد أصدر بياناً بعد يومين فقط من الانقلاب دمغ فيه كل الأحزاب بالفشل: ".. فشلوا جميعاً ، ولم تنجح أى من الحكومات .. وأصيب الشعب بالاحباط ، وهاهو يوم الخلاص ، فقد هب رجال الجيش وأمسكوا بمقاليد الأمور ، ولن يسمحوا للتردد والفوضى والفساد بالعبث فى هذه البلاد ، ولقد منَّ الله علينا برجل يقود الحكومة بالحق والصرامة ، فابشروا بهذه الثورة المباركة ، واذهبوا إلى أعمالكم بهدوء وثقة لتأييد رجال الثورة" (ضمن المصدر). والسؤال للسيِّد الصادق: أين سوء التفاهم فى كل هذه المواقف السياسيَّة الصريحة ، الواضحة ، القاطعة ، والمنسجمة؟!

    الحقيقة الثانية: وحتى بافتراض قبول تبرير السيد الصادق هذا ، فإنه لا يعدو كونه مجرَّد (توضيحات) للصراعات التى كانت تعتمل فى حزب الأمة مع نهاية الخمسينات ، وتداخلها فى ملابسات تسليم السلطة لعبود ، تماماً كالإطناب فى شرح انقسامات الحزب الشيوعى أواخر الستينات وتداخلها فى ملابسات انقلاب النميرى! فإذا وافق السيد الصادق على أن تكون الأولى مبرراً لموقف حزب الأمة من 17 نوفمبر 1958م ، فسوف يتعيَّن عليه ، منطقياً وبالضرورة ، أن يقبل أيضاً بأن تكون الثانية مبرراً لموقف الحزب الشيوعى من 25 مايو 1969م! أما بمعايير مؤسسية التحمُّل لتبعات النشاط الحزبى سياسيَّاً وأخلاقيَّاً ، فلا القول الأول يصلح لإعفاء حزب الأمة من مسئوليته عن إنقلاب الجنرالات ، ولا القول الثانى يصلح لإعفاء الحزب الشيوعى من مسئوليته عن انقلاب الروَّاد. ويبقى المحك هو المدى الذى يستطيع فيه كلٌ حزب أن يحوِّل (سالب) واقعه التاريخى إلى (موجب) دروس وعبر. وقد أحسن السيد الصادق صنعاً ، ضمن تعقيبه علينا فى الندوة ، باقتراحه فتح ملف الانقلابات العسكرية فى السودان ، فمن شأن ذلك أن يهئ لدروس كبيرة أكثر تمكثاً ونفعاً ، بمنأى عن مناهج التبسيط والاختزال التى لا أرضاً تقطع ولا ظهراً تبقى!

    (13) وثمة حقيقة تاريخيَّة أخرى يتوجب الوقوف عندها أيضاً برويَّة ، ومفادها أن الحزب الشيوعى اتخذ موقفه المناهض لانقلاب عبود ، منذ البداية ، بالمخالفة لكل الأحزاب التى أيدته بلا استثناء ، حيث ".. جاءت المعارضة منذ الوهلة الأولى من اليسار والنقابات والاتحادات المهنية ، رغم أنها لم تكن فى السلطة" (حيدر أبراهيم على ، 1996م). فعلى حين كان الناس يتداولون منشور الحزب بتاريخ 17/11/1958م بعنوان (17 نوفمبر إنقلاب رجعى) ، كان حزب الشعب الديموقراطى يعبِّر ، فى رسالة راعيه إلى الشعب ، عن أمله فى أن "تؤدى نوايا ومجهودات الجيش إلى نشر الأمن والاستقرار والطمأنينة" (المصدر) ، ثم عاد قادته ، وعلى رأسهم شيخ على ومحمد نور الدين ، ليصفوا ، فى مذكرة (كرام المواطنين) بتاريخ 29/11/1960م ، أغراض الانقلاب (بالعظمة) ، و(ليؤكدوا) أن (الثورة) عملت "فى عزم وصدق .. على تحقيق .. الاستقرار .. ليجنى الشعب ثمرات الاستقلال" (بشير محمد سعيد ، 1990م). وأما الحزب الوطنى الاتحادى فقد بعث سكرتيره العام خضر حمد ، فى اليوم التالى ، ببرقية تهنئة إلى عبود من القاهرة ، يطالبه فيها باتخاذ "إجراءات ضد الفساد والمفسدين". وأورد فى مذكراته أن الأزهرى عبر له عن ثقته فى وطنية عبود وجماعته فلعلهم "يوفقون فيما فشلت فيه الأحزاب" ، وكلفه بزيارة الفريق عبود واللواء أحمد عبد الوهاب ونقل رأيه هذا إليهما ففعل (مذكرات خضر حمد). وأما الأخوان المسلمون فقد رأوا "أن البداية التى سارت عليها الحكومة فى تصحيح الأوضاع الفاسدة تدعو للاطمئنان" (صحيفة "الأخوان المسلمون" ، 1/12/1958م).

    (14) وباتجاه الاجابة على سؤالنا المحورى حول مغزى انفراد الشيوعيين ، أو (اليسار والنقابات) على حدِّ تعبير حيدر ابراهيم ، بمناهضة الانقلاب منذ البداية ، فإنه ينبغى التفكير الموضوعى فى تحليلات الحزب نفسه ، مع كامل الاستعداد لاعتماد أى تفسير آخر شريطة أن يدخل العقل. لقد عزا الحزب موقفه لكون الانقلاب كان موجهاً بالأساس إلى صدور الجماهير والقوى الديموقراطية ، فالقوى التقليدية التى عجزت عن مواجهة قضايا ما بعد الاستقلال نقلت الصراع الطبقى من حيزه السلمى إلى دكتاتورية عسكرية (وثيقة المؤتمر الرابع "الماركسيَّة وقضايا الثورة السودانيَّة" ، 1967م).

    (15) ولا بد أيضاً من التفكير فى مغزى الجهد الفكرى والسياسى الذى بذله الحزب للمنافحة عن ديموقراطية الحركة النقابية من خلال الصراع مع الاتجاهات التصفوية داخله. بدون الوقوف على أطروحات ذلك الصراع ومآلاته يستحيل إدراك الموقف الحقيقى للحزب ، إذ ليس نادراً ما شهد بروز اتجاهات معاكسة فى تاريخه ، كالاتجاه ، عقب مايو ، لدعوة السلطة للتدخل لضمان سيطرة القوى التقدمية على قيادة الحركة النقابية: (حاسم حاسم يا ابو القاسم) .. الخ! لقد تصدى الحزب لتلك الدعوات المنحرفة التى ترهن الصراع النقابى لقرارات السلطة ، مشدِّداً على أن التنظيمات الديموقراطية أدوات فى يد الجماهير ، ويجب أن تظل كذلك (م/الشيوعى ، ع/134).

    (16) وإذن فقد كان على الحزب ، خلال العامين التاليين لانقلاب عبود ، أن يتحمَّل وحده ، على صغر حجمه وقلة إمكاناته المادية ، مسئولية عدم ترك القوى الشعبية تتقهقر فى المعركة ضد الديكتاتورية ، حتى غيرت الأحزاب الأخرى موقفها من النظام ، فطرح الحزب أمامها ، لأول مرة ، أداة (الإضراب السياسى) لإسقاطه (بيان الحزب فى 29/8/1961م). ولعل هذه الحقيقة التاريخية ، وما استتبعها من وقائع أفضت إلى انتصار ثورة أكتوبر 1964م ، تكفى ، بمجردها ، للكشف عن مدى استمساك الحزب بالديموقراطية فى معنى وسع المشاركة الجماهيرية المستقلة. أما ملابسات صلته ببعض الانقلابات ضد الأنظمة العسكرية ، كانقلاب الشهيد على حامد عام 1959م وانقلاب الشهيد هاشم العطا فى 1971م ، فيقيننا أن السيِّد الصادق يتفق معنا فى أنها خارج محاور هذه المناقشة التى نحاول من خلالها استقصاء المسئوليَّة عن متاعب التجربة الديموقراطيَّة لا الأنظمة الشموليَّة. وأما حركة الشهيد خالد الكد ليلة 27 على 28/12/1966م فقد فشلت حكومة السيد الصادق وقتها فى إثبات أدنى صلة للحزب بها. بل ان خالداً نفسه لم يكن عضواً فى الحزب إلا بعد ذلك بسنوات طوال ، ولفترتين قصيرتين: الأولى فى 1978 ـ 1979م وقد انتهت فى ملابسات سفره للدراسة ببريطانيا ، والثانية عند عودته بعد انتفاضة أبريل 1985م وقد انتهت باستقالته مطلع عام 1991م إثر خلاف شخصى مع بعض قادة الحزب بسجن شالا ، وذلك قبل سنوات من سفرته الثانية إلى لندن أوائل فبراير 1992م حيث كوَّن مع الاستاذ الخاتم عدلان حركة القوى الجديدة (حق) بعد ذلك بسنوات. ومع ذلك فقد نعود لمناقشة ذلك كله ضمن تناولنا لهذا النوع من الحركات المسلحة ، كحركة الشهيد حسن حسين فى الخامس من سبتمبر 1975م وحركة الشهيد محمد نور سعد فى الثانى من يوليو 1976م ، وذلك من خلال ملف الانقلابات بشكل عام ، إن قيِّض له أن ينفتح فى منبر مرموق حسب المقترح الجيِّد الذى طرحه السيِّد الصادق.

    (17) شهدت فترة ما بعد أكتوبر اندياحاً ملحوظاً لنفوذ الحزب بين الجماهير ، مما أقلق القوى التقليديَّة التى كانت قد وقعت ، أوان ذاك ، تحت ابتزاز الأخوان المسلمين ، فقطعت أمرها فى ما بينها وأجهزت على حكومة الثورة الأولى فى 18/2/1965م. ثم سرعان ما انقضت على الحزب نفسه ، فاستصدرت قراراً من الجمعية التأسيسية بتعديل الدستور فى 8/12/1965م ، مما مكنها من استصدار قانون ، فى اليوم التالى مباشرة ، بحل الحزب وحظر نشاطه وإيقاف صحفه ومصادرة ممتلكاته وطرد نوابه منها ، مستندة إلى الأغلبية الميكانيكية داخلها ، ومستغلة حادثة معهد المعلمين الشهيرة ، حيث أشيع أن طالباً شيوعياً خاض ، من خلال إحدى الندوات ، فى (حديث الإفك). ورغم أن كل الشواهد دلت على أن الطالب لا صلة له بالحزب، إلا أن (المؤامرة) جرت مجراها ، بل إن نائب حزب الأمة محمد ابراهيم خليل فضح المسكوت عنه فيها بقوله صراحة فى جلسة 15/11/1965م إنه "ليس من المهم إن كان الطالب شيوعياً أم غير شيوعى!" (مضابط الجمعية).

    (1 ورغم أننا نقدر للسيد الصادق نقده الذاتى لتلك الأحداث بقوله: "كان انفعالاً .. إن الذى حدث فى موضوع حل الحزب الشيوعى كان موقفاً سياسياً غير محسوب نتج عن موقف انفعالى" (م/طلاب جامعة الخرطوم ، 1985م) ، علاوة على قول قطب آخر فى حزب الأمة: "أما تعديل الدستور وتحريم الحزب الشيوعى وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية .. فأمر أرى أن تعجلاً مضراً حدث بمقتضاه" (مذكرات أمين التوم ، 1985م) ، فإن ذلك يجعلنا ، بالأحرى، نتوقف عند تعقيبه على مناقشتنا لورقته ، فى ندوة قاعة الشارقة ، مدافعاً عن الاحزاب التقليدية ، وذاكراً من بين مآثرها "أنها صانت استقلال القضاء"! وليت تلك كانت هى الحقيقة فى واقعة حل الحزب! ذلك أن الشيوعيين أصروا على خوض المعركة حتى نهايتها بالنهج الديموقراطى ، فطرقوا أبواب القضاء فى ديسمبر 1965م طاعنين فى شرعية تلك القرارات ، فأصدرت المحكمه العليا حكمها فى 28/12/1966م ببطلانها وبحق نواب الحزب فى استعادة مقاعدهم البرلمانيَّة. وكان ذلك اختباراً حقيقياً لتلك الأحزاب ولطاقتها الديموقراطيَّة على احترام كلمة القضاء (المستقل!) غير أنها رفضت ، للأسف الشديد ، الانصياع للحكم ، مستندة إلى فتوى من د. الترابى (!) مما حدا برئيس القضاء للاستقالة. أهذا هو التاريخ أم ترانا نقطع من رءوسنا؟

    (19) تراجعت القوى التقليدية ، فى ذلك السياق ، حتى عن الترتيبات العمليَّة التى كانت اجترحتها لجنة سوكومارسن ، باستصحابها لخصائص الواقع الاقتصادى السياسى الاجتماعى السودانى ، فى أول قانون للانتخابات لسنة 1953م ، عندما خصَّصت خمس دوائر لخريجى المدارس آنذاك ، مما بح صوت الحزب فى المطالبة منذ ذلك الوقت بمواصلة السير باتجاهه لعلاج (عرج) الديموقراطيَّة تحت سطوة القطاع التقليدى فى بلد كالسودان ، حتى لا تتكرَّس الشكلانية طابعاً لها ، ومن ذلك ، مثلاً ، دعوة الحزب لإفراد دوائر خاصة للقوى الحديثة ، بما فى ذلك القوات النظامية ، وتطوير تجربة الكليات الانتخابية بين العرب الرحَّل ، وتضييق الدائرة الجغرافية فى المدن ومناطق الانتاج الحديث ، مقابل توسيعها فى الريف .. الخ. ثم فشلت تلك القوى فى النهوض بالمهام التى طرحتها الثورة ، وأدارت ظهرها لقضايا التنمية ، وعجزت عن إيقاف حرب الجنوب ، وانشغلت بحربها (المقدسة) ضد الحزب الشيوعى من جهة ، وبصراعاتها الداخلية من الجهة الأخرى. ثم ما لبثت أن انغمست فى ترتيبات ما أسمته (بالدستور الاسلامى) ، متوهمة فيه حلاً لمشكلاتها ، وتأبيداً لسلطتها فى وجه حركة جماهيرية انصرفت عنها وأضحت تتهددها (بالتجاوز) ، فأتمت إجهاض الثورة بزاوية انحراف كاملة ، وارتكست بالبلاد كلها فى حمأة تعانف عبثى انتهى بها جدلياً إلى إنقلاب البكباشى جعفر نميرى الذى أعلن فى فجر 25 مايو 1969م نهاية (العشاء الأخير) للديموقراطيَّة الثانية. ونذكِّر أن ذلك تم والحزب محلول ، ونشاطه محظور ، وصحفه موقوفة ، وممتلكاته مصادرة، رغم أنف الحقيقة ، والتاريخ والقضاء (المستقل!) فما الذى كان مطلوباً منه إذن؟! يُدعى إلى الحرب ولا يُدعى إلى المنادمة؟!

    (20) تلك هى التساؤلات المترتبة على تيئيس القوى التقليديَّة ، فى تلك الأزمنة ، ليس للحزب وحده ، بل ولكل أقسام الاستنارة والحداثة فى بلادنا ، من جدوى السير بطريق الديموقراطيَّة الليبراليَّة ، مما نتج عنه استبشار تلك الأقسام بانقلاب الرواد ، وما موكب 2/6/1969م ببعيد عن الأذهان! مع ذلك ، فقد تحمَّل الحزب مسئوليَّته عن مايو ، من زاوية مسئوليَّته عن النشاط المنفلت سياسياً وفكرياً وتنظيمياً للكثير من رموزه وأعضائه ومنتسبيه ممن دفعوا باتجاهها. وليس أكثر فداحة من الثمن الذى سدَّده فى ملابسات الصراع الذى خاضه داخلها ، مما يعلمه القاصى والدانى ، إعداماً لقياداته ، وشقاً لصفوفه ، واعتقالاً وسجناً وملاحقة وتشريداً لأعضائه وحلفائه وأصدقائه وكل من ربطته به صلة.

    (21) وقد تصرَّم الآن ما يربو على ربع القرن مذ أجرى الحزب مراجعته النهائية لمجمل الملابسات التى عملت على زحزحته ، فى بعض المعارج التاريخيَّة ، عن خطه الأول ، وعاد يستمسك ، أكثر قوة ، بموقفه الأصيل من موضوعة الديموقراطية التعدُّدية الليبرالية ، وذلك من خلال رفضه مصالحة مايو عندما عرضت عليه ـ وقد قبلها حزب الأمة بعض الوقت والأخوان المسلمون (الترابى) كل الوقت ـ واقتراحه عام 1977م (جبهة للديموقراطيَّة وإنقاذ الوطن) بدلاً عن مصالحة الديكتاتورية ، قبل أن يعود فى ديسمبر 1978م ، من خلال دورة الانعقاد ذات الطابع البرامجى للجنته المركزيَّة ، ليؤكد مجدداً على موضوعة (الديموقراطية التعدُّدية الليبرالية) ، بمضمونها الأساسى المتجذر فى قضية (الحريات والحقوق) ، والتى استقرَّت كقانون أساسى للتطوُّر السياسى فى بلادنا ، مما تسهل ملاحظته ، بل وينبغى وضعه فى الاعتبار ، لدى التحليل الموضوعى النهائى لكل ما صدر ويصدر عنه من قول أو فعل ، منذ ذلك الحين وحتى الآن.

    (22) أما الاصرار على مواصلة تحميل الشيوعيين وحدهم المسئولية عن الخيبات التى حاقت بالتجربة الديموقراطية فى السودان ، فلا يعكس خطة مرموقة لتجاوز هذه الخيبات بأى قدر ، علاوة على كونه يصادم منطق التاريخ وحقائقه الموضوعيَّة. وقد يكون من المناسب أن نختم هنا بما ظن النميرى أنه يشين الشيوعيين فى (اتهامه) لهم (بتحريض) الأحزاب على رفض مصالحته ، قائلاً إنهم فعلوا ذلك "تحت شعار استعادة الديموقراطية الليبرالية بحسبانها ساحة كانوا يتنفسون فيها وتوفر لهم قدراً من الحركة يتناسب مع حجمهم الذى يعترفون بأنه محدود" (النميرى ، 1980م). فالطريف فى هذا (السَّبِّ العلنى) أنه صحيح إلى حدٍّ بعيد ، وها دونك يا سيدى الامام نموذج رجل يصيب من حيث يخطئ ، وينصف من حيث يتجنى (!) مع خالص تقديرى لك ، وأكيد مودتى التى تعلم.

    (إنتهى)

    الهامش:

    ] استمعت للقصة الحقيقية الكاملة لذلك الانقلاب من الشهيد شخصياً بسجن كوبر عام 1977م ، وأعد بتوثيقها قريباً ، بالاضافة لتوثيق تاريخ صلته اللاحقة بالحزب ، كما أرشح للمساهمة فى هذا العمل كلاً من د. محمد سليمان ود. عبد القادر الرفاعى










                  

العنوان الكاتب Date
كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى sultan03-26-04, 11:53 AM
  Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى sultan03-26-04, 11:57 AM
    Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى sultan03-26-04, 11:59 AM
      Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى فرح03-26-04, 12:02 PM
        Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى فرح03-26-04, 12:07 PM
      Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى sultan03-31-04, 08:12 AM
  Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى أبو ساندرا03-31-04, 10:10 AM
  Re: كمال الجزولي: القَوْسُ المُوَشَّى elsharief04-02-04, 05:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de