حينما رأيتها أول مرة لم تكن تتعدىالخامسة والعشرين من العمر ولديها ثلاثة ابناء وبنت فقد تزوجت باكرا مثل بقية بنات جيلها . فارعة القوام تكسوها مسحة جمال لاتخطئها العين ، رغم إقبال العمر عليها الا انك ترى ادبارها منه في عينيها كيف لا وقد توفي زوجها وترك لها هؤلاء الأطفال دون مورد رزق الا الكريم . شمرت عن ساعدها ودخلت معترك الحياه من بوابة السوق لتمتهن بيع الكسرة ، لم تجد الحرج في ذلك فكل ماكان يهمها ان توجد لقمة تدخل جوف هؤلاء الأطفال . كابدت قسوة الحياه وغطت بأجنحتها على ابنائها وسارت معهم كل الخطى تاركة رغبتها البشرية رغم إصطفاف الرجال على بابها يريدون الإقتران بها ، بدأت بشائر حصادها تلوح بالأفق حينما تزوجت ابنتها الكبرى وحين أكمل اكبر ابنائها الثانوية دلف معها لمعترك الحياه عله يخفف عن عبئها ولو بالقليل ، وإستمر قطار كفاحهم في المسير حتى وصل محطته الأخيرة فتوجت نجاحها بشابين تخرجا من كلية الهندسة ليرفعوا عنها كل الحمل الملقي على كاهلها ، إلا أنها مازالت تبيع كسرتها ليس لحوجة مادية بل حتى لابتعد عن رفيقة كفاحها . وبكل التقدير والعرفان يظللها ابناؤها بالعطف وغالبا ماتجد احدهما يحمل قفة الكسرة على رأسه ليوصلها لها للسوق .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة