|
الحجاب والإسترتشينج نظرة موضوعية
|
الحجاب والإسترينج أشرف عبد الفتاح عبد القادر العدد: 762 - 2004 / 3 / 3
عندما قررت فرنسا صدور قرار بمنع الحجاب في المدارس الثانوية فلها أسبابها التي يقبلها كل ذي عقل سليم، ففرنسا لم تمنع الحجاب لأنها ضد الإسلام أو المسلمين، إذ لو كان الأمر كذلك لمنعته بصفة نهائية سواء في المدارس أو غير المدارس،ولا أعرف ماذا كان سيفعل المتأسلمون لو أصدرت فرنسا قراراً بمنع الحجاب نهائياً في فرنسا؟ ولكن منع الحجاب من المدارس والمعاهد كان للأسباب التي أعدها "تقرير الحكماء" برئاسة "برنارد ستاذي" وسيط الجمهورية، أو ما يمكن وصفه بأنه رئيس ديوان شكاوى الجمهورية، فوجدوا أن طالبة متحجبة في معهد اللغات الشرقية ترفض اجتياز امتحان الشفاهى لأنه تعتبر انفرادها بالأستاذ الممتحن خلوة، وسيكون ثالثهما الشيطان وربما يغتصبها الأستاذ، ولأنهم وجدوا أن نساء محجبات يدخلن المستشفيات للعلاج ولا يسمحن لطبيب بمعالجتهن، ولأنهم وجدوا أن بعض الشباب يقسم الفصل الدراسي قسمين حتى لا يقع الاختلاط بين الجنسين، ولأنهم وجدوا في حصص التعرف بالأديان الكبرى التي تخصصها وزارة التربية لنشر روح التسامح بين الأديان أن طلبة وطالبات من المسلمين يفرضون على الأستاذة أن تقسم أولاً أنها طاهرة وليست في حالة حيض قبل أن تبدأ الدرس عن الإسلام، ولأنهم وجدوا أن الطلبة يفرضون على الأساتذة إيقاف الدرس ليتمكن الملتحون والمحجبات من أداء الصلاة، وأحياناً يتطوع أحد الطلبة بإعطاء درس في الوعظ والإرشاد،ولأنهم وجدوا أن الطالبات المتحجبات يرفضن الذهاب إلى حمامات السباحة لأنهن يرفضن اردتداء المايوه لأن جسد المرأة عورة. لهذه الأسباب وغيرها كثير كان على فرنسا العلمانية أن تصدر قانوناً يمنع أي رمز ديني حفاظاً على علمانيتها التي ضحت بالكثير حتى وصلت إليها، وهي ليست على استعداد أن تضحي بها من أجل عيون أية جالية كانت. ففرنسا ليست ضد الحجاب ، وليست ضد الإسلام أو المسلمين كما صورها البعض، فرنسا ضد التطرف أياً كان نوعه في أي مجال، سواء في الفكر أو في الدين أو حتى في الفن، وديننا الحنيف يحثنا على الوسطية وعدم التطرف قال تعالي:"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس يوم القيامة"[البقرة 143]،فشهادتنا على الناس يوم القيامة مشروطة بالمحافظة التامة على وسطيتنا، وهذا وحده كاف على بيان مدي التطرف الديني الذي يجردنا من وسطيتنا أي اعتدالنا وابتعادنا عن التكفير، والدليل على أن فرنسا ترفض التطرف والمبالغة منع وزير التعليم الفرنسي وبدون حاجة لقانون في أول أكتوبر الماضي بعض التلاميذ من الذهاب إلى المدرسة وهم يرتدون بانطلونات بلاستيك شفافة تظهر ملابس داخلية خليعة معروفة باسم "السترنج"، فلو كانت فرنسا ضد الحشمة والوقار ومع العري كما يدعي المتأسلمون لماذا منعت أبناءها المراهقين من الذهاب إلى المدارس بهذه الملابس الخليعة؟ لأن عدو فرنسا شيراك الديمقراطية العلمانية يتلخص في كلمة واحدة وحيده هي "التطرف". من أجل ذلك لم تقبل أن يفرض بعض المهووسين أفكارهم الرجعية على مجتمعها المنفتح، انطلاقاً من حيادها الديني، ولو كان المتطرفون من الأقلية المسلمة واعون بما فيه الكفاية لكانوا الأكثر حرصاً على الدفاع عن هذا الحياد الديني في المؤسسات التعليمية ، فماذا يريد المتطرفون من فرنسا بعد أن سمحت لملايين المهاجرين المسلمين وغير المسلمين بالإقامة على أرضها وكفالة حقوقهم كاملة وقدمت خدماتها للجميع من مبدأ المساواة، فبدل من أن ينصرف متأسلمونا لمعرفة أسباب التطرف لمحاربته وتحسين صورة المسلمين خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، شرعوا في الطعن في نوايا الحكومة الفرنسية واتهامها بمحاربة الإسلام والمسلمين، فلماذا نكره فرنسا والغرب الذي نتمتع فيها بحقوق ومساواة لا نحلم بها في أوطاننا المسلمة؟!
|
|
|
|
|
|