|
تجربة النميري في السودان (الاسلامية , اليسارية ..الطائفيه) ـــ د . البــوني
|
سلاااام للحبان ...
تجربة الرئيس السابق جعفر محمد نميري مثيرة للجدل , خاصة تجربته الاسلاميه والتى كانت انقلابا على تجربة ذهب فيها مذهب الغرب الليبرالى ,حتى وان ادت الى تاييد السلم مع اسرائيل,رغم ان ذالك المذهب لم يكن مبتداه ولونه ,فالحكم المايوى قد بدا ماركسيا ,وانتهى النظام وهو يخلع اللبوس الاسلامى وهو يحتضر فى خواتيم واحده من اطول فترات الحكم واكثرها خصوبة وغنى بالاحداث , التى سيختلف حولها المؤرخون , وربما يرجع سبب الاختلاف لشخصية النميري نفسه , وقد حاولت كل نخبة من النخب المتباينه تلوين تلوين النظام بلونها العقائدى .
العلاقه بين الدين والسياسه فى السودان :- قال نعوم شقير في كتابه (جغرافيا وتاريخ السودان )…….. (قد كان للاسلام الشان الاعظم في السودان حتى انه يتعزر فهم تاريخ هذه البلاد فهما صحيحا الا بفهم الاسلام نفسه). ويقول محمد احمد محجوب في كتابه (الحركه الفكريه فى السودان الى اين؟) اثر الاسلام فى هذه البلاد واضح وملموس تكاد تراه فى الغدو والرواح )ويواصل متنبئا للمستقبل (وانى لاقرر في تاكيد زائد ان اثر الدين والثقافه العربيه سيظل ملازما لحركتنا الفكريه ولكن هذا الاثر سيكون عرضه للتفاعل مع المكتسب من الاراء الحديثه والافكار الغربيه وسيخضع كلاهما الى جو هذه البلاد وما توجبه جغرافيتها وطبيعتها من افكار وتخيلات ) وذكر ترمنجهام في كتابه (الاسلام فى السودان)..المسرح السياسي فى السودان شانه شان كل النشاطات الاخرى لايمكن فهمه الا بوضع الدين فى الاعتبار ).. واورد محجوب عمر باشرى فى ورقة عن (الفكر السودانى فى تطوره)..(ان الجانب الغيبي لهو دائما المحرك الرئيسي فى الحياة السودانيه بالرغم من الكتابات العلميه ..نجد ان الجزور الغيبيه هى التى تقود الفكر السياسي فى السودان ) هذه المقتطفات قيلت فى ازمنه متفاوته في هذا القرن فنعوم شقير كتب كتابه فى عام 1900 وترمنجهام فى عام 1949 م .والمحجوب فى 1944 اما باشري فقد كتب في 1986م . والذي يجمع بينها هو ان قائليها اتفقوا على اهمية الدور الذي يلعبه الدين فى السياسه في السودان . بيد انهم نظرو للموضوع من زوايا مختلفه . فنعوم شقير يدعو لدراسة السياسه من مصادر الدين نفسه حتى يمكن فهم النشاط السياسي الذي يقوم به مسلمو السودان .وذلك لانه كتب كتابه عقب الثورة المهديه تلك الثورة التى قامت على قواعد دينيه .ترمنجهام ركز على تاثير الدين على النشاطات الاخرى ,فهو قد كتب كتابه فى فترة ابتعد الدين عن سياسات الدوله نسبيا ,. اما محمد احمد محجوب فيتفق مع ترمنجهام فى الجزء الاول من مقتطفه وفي الجذء الثانى طرح قضية تاثير الحركه الفكريه (حركة المثقفين) بالاسلام وان هذه الحركه سوف تتلمس روح العصر ولن تنغلق على الفكر الدينى ..اما باشري فقد تجاوز فكر المحجوب بجعله الدين هو المتحكم في الفكر السياسي وان ظهرت افكار تنادى بابعاده عن السياسه وقد كتب باشري تجربته فى اعقاب تجربة النميرى الاسلاميه فى السودان وسيتضح لنا انالقوى الصوفيه الغيبيه كان لها القدح المعلى فى توجيهات النميري الشخصيه والتى اصبحت بحكم السلطات الممنوحه له توجهات النظام قاطبه . ولم يكن الاسلام بعيدا عن نشاة الاحزاب السياسيه .. فالاحزاب ذات القاعده الدينيه الطائفيه كانت قيادتها مشبعه بالفكر الحديث لذلك كان الاثر الدينى واضحا فيها رغم انها لم تؤسس مشروعيتها على الدين .. وكان الحزب الشيوعي السودانى هو الحزب الوحيد الذي اسس مشروعية وجوده بعيدا عن الدين ورغم ذلك حوصر دينيا .وبعد ان كان الدين فاعلا على مستوى المجتمع ارادت الاحزاب السياسيه تصعيده على مستوى الدوله ومن هنا بدات مشكلة علاقة الدين بالسياسه فى السودان .. اما الاحزاب الجنوبيه فقد كان همها الحكم الفدرالى ولم تلجا للدين المسيحى الا لاعطاء الجنوب هوية مميزه عن الشمال .تجلت نظرة الاحزاب للدين فى المحاوله الاولى لكتابة دستور اسلامى عام 1957 . ورغم تجمع الجماعات الدينيه في الجبهه الاسلاميه للدستور التى عملت كهيئة ضغط على الاحزاب الكبرى ولكن رفضت المحاوله دون جهد يزكر , توقف النشاط الحزبي اثناء الحكم العسكرى الاول(1958 – 1964 ) الذي قرب اليه الطائفيه واعتبرها مصدر شرعيه بالنسبه له .. كما انه سعى لفرض الثقافه العربيه الاسلامية في الجنوب مما ادى الى مزيد من التوتر فى العلاقه بين الجنوب والشمال . انتهى الحكم العسكرى في اكتوبر 1964 , وعادت الحياة الحزبيه للمرة الثانيه والجديد في الامر ان النبره الدينيه قد تصاعدت فقد ظهرت جبهه الميثاق الاسلامي بقيادة الدكتور حسن الترابي .وقد جعلت من الدستور الاسلامى محور نشاطها اضافة الى ظهور احزاب دينيه اخرى.. كما تصاعد المد الاسلامى في حزب الامة نتيجة انشقاقه الى جناحين جناح الامام الهادى وجناح الصادق . وظهر الحزب الوطنى الاتحادى توجها دينيا اكبر كذلك فعل حزب الشعب الديمقراطى ...شهدت هذه الفتره اضافة لاحزاب الجنوب ظهور كتل اقليميه في شرق وغرب السودان . وقد تباينت هذه الكتل في موقفها من الدين .. وقد برز الحزب الشيوعى السودانى كقوة فاعله ..ورغم انتباه الحزب لمسأله الدين , لكنه تعرض لحصار دينى بدوافع سياسيه ادت الى حله في نوفمبر 1965م , وطرد نوابه من الجمعيه التاسيسيه واواقفت صحيفته (الميدان) . وقد كان حل الحزب الشيوعى وما اثاره من نقاش علامه بارزه في تداخل الدين والسياسه فى تاريخ السودان الحديث ..وتلا حل الحزب الشيوعى المحاولة الثانية لكتابة دستور اسلامي 1967 – 1968م .. وقد جاءت في سياق يختلف عن المحاوله الاولى ولكن التناقضات والخلافات السياسيه بين الاحزاب الكبري اضافة لنشاط قوى اليسار وموقف الجنوبيين , كل هذه العوامل اجهضت المحاوله ولكن قضية الدستور الاسلامي ظلت فى مقدمة اجندة السياسه السوانية الى ان جاء النميري محمولا من قوى اليسار الى القصر الجمهورى في صبيحة 25 مايو 1969م , فقام بتمزيق مسودة الدستور الاسلامي والتى اسماها ( الوريقة الصفراء) .
هذا هو التميهد الذي ساقه الدكتور البونى كمدخل الى كتابه (تجربة النميري الاسلاميه فى السودان مايو 1969 – ابريل 1985م) . وقد قرات هذا الكتاب .. ووجدته فى غاية التبسيط والتحليل المنطقي مع مراعاة التسلسل الزمنى للاحداث .. وقد تعرض الكاتب لجوانب عديده فى كتابه , كما يتعرض لتجربته مع (مركب اليسار) وسوف اقوم باذن الله بعرض كل الجوانب في الكتاب حتى تعم الفائده .
|
|
|
|
|
|