المنصور يبكي الرشيد.. يا للأدب الرفيع

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 11:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-17-2004, 11:59 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48789

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المنصور يبكي الرشيد.. يا للأدب الرفيع


    أحسن الله عزاءكم أستاذنا الكريم، وأحسن عزاء السودان وكل أحباء الفقيد العزيز والأسرة والأهل والعشيرة


    ´´´´´´
    لقد فقدناه ... لقد فقدناه ...



    د. منصور خالد



    ألا إن هذا الموت أضحى مُسَلَطاً وكل أمرئ لا بد تُرمي مقاتله

    الفرزدق

    منذ أن نقل إلىِّ الأبن الوفي هشام نبأ لزوم والده السرير في مستشفى سيبلي بواشنطون إعتراني هم أبى أن يبرح مُضيفاً إلى ما كانت تحيط بي من هموم أُخر. أخذت أعلل النفس بالأمل وأقول ريثما أفرغ في بضع أيام مما أنا مُكلف بأدائه في أسمرا، ساتوجه إلى واشنطون لأكون بجانب صديق العمر في محنته، سائلاً الله أن تكون محنة طارئة. وزاد من طماعيتي في الرجاء ما أبلغنيه هشام في صبيحة الجمعة عن تحسن حال أبيه. تلك عُلالة تلهيت بها آملاً في أن أكون بصحبة صديق العمر في مطلع الأسبوع، والعيش يضيق بإنقطاع الأمل. ثم جاء الأحد المشئوم ليعاود هشام الوفي الإتصال، والبكاء يتردد في صدره بلا نحيب، يقول: "لقد فقدناه، لقد فقدناه". أضاف هشام بعد أفرخ الله روعه وكف عن النشيج: "العزاء أنه استراح". يا لتلك من راحة، فراحة الإنسان من إيلام المرض ومضاضة الهُزال الذي يورثه ثم تعريته للضعف الكامن في البشر هو الشفاء والإبراء من العلة، ولكن من الأدواء ما لا تجدي معه حيل النطاسيين. حينئذ يكون الشفاء هو الراحة الأبدية التي يسكن معها الإنسان ويطمئن. تلك راحة يبحر اليها المرء بعيداً عن شاطئ الحياة في سديم بلا نهاية، وبحر بلا عراق، ومحيط مظلم القعر لا يُدرك كُنهُه ولا يُستأمن. من ذلك السديم لم يعد أبداً من أبحر من قبل ليروي للناس مارآه حتى تطمئن نفوس المتشوفين للمجهول، وهيهات أن يعود. حتى عازر الذي أحياه الله من عالم الموتى ورده إلى الحياة الدنيا عاد إلى تلك الحياة وخرج منها وما نبس بحرف. تلك هى هيبة الموت، وذلك هو روعه.

    اختطاف الموت للرشيد عثمان خالد ـ والموت لص خطاف ـ هو الخطب الذي ابتدع الرزايا، على أن الذين عركتهم المصائب مثلي وطالت خبرتهم بالخطوب أولى بالجَلَد. لم أترك للحزن، إذن، مجالاً يُوَلِهُ معه النفس بل انتبذت، عند سماع نعيه، ركناً قصياً في الدار وأسلمت نفسي للخواطر. تلك الخواطر عادت بي لرحلة مع رفيق العمر دامت قرابة نصف القرن. رحلة بدأناها من مراتع الشباب في أم درمان ومن مدارج العلم في الخرطوم فأوفت بنا إلى مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك. ثم طفنا فيها معاً حواضر الكون من أقصاه إلى أقصاه نبحث عن كنوز المعرفة، ونتلهى في مظان اللهو، ونستكشف مفاتن الحياة. وكنا في ذلك الترحال نخلط الخيال بالواقع، والحكمة بالغباء، والوجدان السليم العواطف الفوضوية ولا نقف أبداً عند المظاهر العيانية التي تطفو على السطح، بل نسبر غور الأشياء.

    من ذلك الطواف كنا نعود دوماً إلى أم درمان، إلى السودان، نتحدث عنهما حديث المشوق المستهام، نستذكر نضرة الأزمنة الخوالي وعُمران الحياة فيها، نتوقف عند أخوة أحباء كانوا رياحين حياتنا، ونتوقف كثيراً عند عبد الرحمن سوار وشقيقه أحمد الذي اختطفه الموت وهو في قمة فتائه. ومن الخاص نميل إلى العام نشتاف مستقبلاً وارفاً لبلادنا بفضل ماحباها الله من خيرات، ثم نفيق يصدمنا وعي مهزوم نتملى فيما عليه السودان من وبال أغلبه من صنع البشر لنتحسر حسرة المستيئس الذي انقطع طمعه. حينذاك يغلب علينا اليأس فنقول ما أصدق الحردلو: "ملعون أبوكي بلد". كلانا كان يعاني من مرض وراثي متوطن في النفس هو حبنا لوطن واسع شاسع ما برح يضيق بأهله. كوطن محمود درويش هو

    ولنا بلاد لا حدود لها كفكرتنا عن

    المجهول، ضيقة وواسعة. بلاد

    حين نمشي في خريطتها تضيق بنا

    وتأخذنا إلى نفق رمادي، فنصرخ

    في متاهتها: وما زلنا نُحِّبك

    حبنا مرض وراثي.

    لقد قربتني من رشيد أصول واشجة، وأواصر حميمة، وإنتماء إلى عشيرة ماجدة. ولكن حمداً لله الذي فطم عقلي عن العنجهية وأورثني مناعة حمت النفس من أن تأخذها خفة الزهو بالأصول. بيد أنه ما زال في تلك العشيرة شيب وشباب، رجال ونساء لا يرضون لإنفسهم مكاناً تحت الشمس أدنى من ذلك الذي أقعد فيه أبو دلامة آل عباس

    لو كان يَقعُد فوق الشمس من كرم

    قومٌ لقيل أقعدوا يا آل عباس

    ثم ارتقوا من شعاع الشمس وارتفعوا

    إلى السماء فأنتم سادة الناس

    على أي، قرابتي الحقيقية برشيد أمتن من قرابة الأصول والفروع، هى قرابة الرأي والمذهب والإنسانية وإمامة العقل. وما فتئتُ أقول أن أكبر النعم التي ساقها الله لي بغير حساب ليست هى المال أو الجاه أو المنصب وإنما هى أولاً العقل والقدرة على تسخيره لما فيه الخير إذ "لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء"، وثانياً هى الصحاب الأوفياء الأذكياء الذين يتكثر بهم الإنسان ويزداد فضلاً. هؤلاء هم القيمة المضافة لحياة الإنسان، ولئن أصبح واحد منهم في حيز الموتى فلا مناص من أن يستوحش الإنسان الدنيا كلها ويصبح كمن دهمته ريح عقيم

    فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسة ووحدة من فيها لمصرع واحد

    كان رشيد ـ بين كل الصحاب ـ هو الصديق مأمون الغيبة، ثاقب البصر، وثيق الرأي، كما كان ذا أناة وصبر حتى على الحمقى. لم أعرف له نظيراً في إمتلاك القدرة على الأغضاء على هفاء رقاق العقول، وعلى ذلك كنت أغبطه. كان أيضاً ينتمى إلى قلة من الخلان تطابقت جهيرتها مع سريرتها، وهذا فضل من الله عظيم في عالم النفاق فيه بضاعة رائجة وفيه للمنافقين سوق كبير. لقد وفق الله رشيداً في حياته العملية فبلغ أعلى المراتب في مهنته مما عصمه عن الدناءة، وحماه عن الفسالة.

    إلى جانب ذلك كان الرشيد قارئاً نهماً ذا اقبال موسوعي على العلم، يقرأ بكثافة منقطعة النظير في الإقتصاد وفي السياسة وفي الفلسفة وفي الأدب الإنجليزي، ويجادل في كل هذه الأمور وهو يستهدي بكتاب منير. لهذا كانت داره في واشنطون محجة للزائرين يأتونه من كل فجٍ عميق. من بين هؤلاء أهل المغنى الذين كان اليهم يستريح، ومنهم صحابه من الجامعة الأمريكية المجاورة لداره، ومنهم أهله الأقربون الذين طالما طرقوا باب الدار ينشدون النصح أو يرومون الترويح عن النفس في تلك الدار الوعية، ثم بينهم رفقته الميامين من رجال الإقتصاد في المملكة العربية السعودية الذين بادلوه حباً بحب ووفاءً بوفاء: عبد الله القويز، محمد الجاسر، عبد الرحمن التويجري.

    وعلى المستوى الشخصي كانت تلك الدار مثوى لي ومستقر، لهذا يصبح فقدي لرشيد أعظم. كان هو الرفيق الملازم لي في رحلتي الصيف والشتاء إلى تلك المدينة، نغشى مكتباتها المتعددة بحثاً عن أحدث الإصدارات، ونرتاد مطاعمها المتنوعة التي تُشهي في الأكل، ونعرج على حوانيتها المحتشدة دوماً بالجديد، ثم نعوج في رأس الأسبوع مع رفقة ناضرة على مركز كيندي للفنون نزيل الصدأ عن النفوس بالإستماع إلى الموسيقى، أو مشاهدة المسرح. ستُظلم ليالي واشنطون ونُهُرها من بعد الرشيد، إذ كان فيها بحق هو قمر الليل وشمس الضُحى، ويا لها من ظُلمة تلك التي سيطول ثواؤها.

    وفي الختام لا يُجدي العويل أن حُمَّ القضاءُ وأمضى القدرُ حُكَمه، فالموت منهاة البشر، كل البشر.الحكمة، إذن، في "قول من قال إلى الله المَرَد". ولئن حسبت رشيداً، كما حسبه كل أهله الأقربين، عتاداً للأبد، فالأبد في حقيقة الأمر وهم، وما الحياة إلا خِلسة مختلس نصيب المرء من مفاتنها حلم عابر

    نصيبك في حياتك من حبيب نصيبك في منامك من خيال

    فلله الحمد على ما وهب وله الحمد على ما سلب.

    منصور خالد









                  

02-18-2004, 00:08 AM

samo
<asamo
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 862

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنصور يبكي الرشيد.. يا للأدب الرفيع (Re: Yasir Elsharif)

    انا لله وانا اليه راجعون ..

    لا البكاء ولا النحيب ولا العويل ولا حتى زكر الماثر .. ينفعه كما الدعاء ..

    ادعو له اخى ياسر ..

    اللهم اغفر له واسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء ..

    اللهم الهم اهله الصبر ..

    والموت لايعرف كبيرا او صغير ولا يفرق بين عظيم وحقير ..ولا بين امير او غفير ..هو واحد من الاشياء التى يشترك فيها كل بنو ادم ..كما الولاده .. فقط عمله ودعاء ولده الصالح ما سينفعه في ظلمة قبره ..

    فادعو له اخى ..

    ولكل موتانا ..
                  

02-18-2004, 00:32 AM

نصار
<aنصار
تاريخ التسجيل: 09-17-2002
مجموع المشاركات: 11660

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنصور يبكي الرشيد.. يا للأدب الرفيع (Re: Yasir Elsharif)

    لا حولة و لاقوة الا بالله
    الا رحم الله رشيد العالم الاريب ..و التعازى القلبية لشقيقتة الاخت الفاضلة سهير التى هيأت لنا لقاء مشهود مع الناعى و المنعى ...لمسنا فيه علم الفقيد و ادبه و تواضعه و احساسه العالي تجاه الوطن رغم سنين الغربة الطويلة ..للفقيد الرحمة و لاهله و اصدقاءه الصبر الجميل
                  

02-18-2004, 08:05 AM

NEWSUDANI

تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 2020

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنصور يبكي الرشيد.. يا للأدب الرفيع (Re: Yasir Elsharif)

    لمن لا يعرف الرشيد-رحمه الله-من أنقى وأطيب الشخصيات التي عرفها الأنسان مؤخرا فله عقل العالم وقلب الطفل البرئ عذب الحديث لا يعرف كيف يسئ الى أي أنسان عرفناه عندما عمل في صندوق النقد العربي في أبو ظبي وكان منزله كما في واشنطن على حد وصف عالمنا الدكتور منصور قبلة للجميع ...كان صديقا للصغير قبل الكبير مرحبا بالجميع كانما هو الضيف ولسنا نحن الضيوف ...عرفناه مع المرحوم د.أحمد البلة حمزة وهو من أكثر من تركوا أثرا مباشرا في حياتنا توفاه الله في الأمارات وكان الرشيد-رحمهم الله- معنا ذلك اليوم وكان المرحوم أحمد يقول أنه يخاف أن يموت في الغربة ويبكى في هذه الشقق الصغيرة. وكان ذلك آخر يوم له في هذه الفانية..

    عزاونا للدكتور منصور في رفيق عمره ودائما الخيار معجلون والعزاء أن أمثالهم ماتوا دون أن يتلوثوا بوسخ هذا الزمان الردئ القبيح
                  

02-20-2004, 05:16 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48789

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنصور يبكي الرشيد.. يا للأدب الرفيع (Re: Yasir Elsharif)

    اللهم اغفر له واسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء ..

    اللهم الهم اهله الصبر ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de