.. .. في دار الجالية السودانية بمسقط ، أنشأت عاطفة السودانيين وغزلت وطنا مصغراً ، كانت الأزياء ( أقاليما ) تسير بكل تضاريسها وسهولها ، تجسدت في مشهد مهيب كان غصن الزيتون يرفرف من خلال أغنية لم ترهق حبال الراحل سيد خليفة الصوتيه .. فغنوها نيابة عنه ، ( رفرفي يا طيور السلام .. رفرفي .. يا طيور السلام ) .. رددها شبابٌ ونساءٌ - اعتلوا خشبة المسرح - وسط تصفيق وتجاوب حماسي ..
استبق هذه الفقرة مشهدٌ مهيبٌ ارتجت له جنبات الناس والدار سواءً .. فالمناسبة كانت تدشينا للإحتفالات بأعياد الإستقلال التي تقام كل عام ( فلا ضير إن تأخر الموعد شهراً ونصفه ) .. أعلن بدء رفع العلم السوداني على أيادٍ غضةٍ بيضاء على رغم سمرتها وتنوعها .. في رسالة سامية ترمز للتوحد والإنصهار .. صاحب هذا المشهد ( والناس وقوفٌا ) عزف النشيد الوطني ، فكانت كل كلمة تنفذ من أحد أوردتي أو شراييني .. فكان طعم الإنتماء مذاقا فريداً ، فكم كنت قويا وأنا أقاوم دموعي ( فنجحت ) ..
لم يكن ذلك إلا تدشينا واستهلالا للفقرة الرئيسة ، فكان الناس على موعد .. بمحاضرة أُعد لها جيداً .. ضيفها المفكر والكاتب السوداني د. فرانسيس دينق ، والذي يشغل منصب مساعدالأمين العام للأمم المتحدة لشئون النازحين ..
بدأ المحاضرة بروح مرحة وفكهة .. ولكن بأفكار مرتبة وخبرة لصيقة بالشأن السوداني وشائك دروبه وواعر مسالكه .. بدأ متفائلا بمستقبل السودان الموحد وإن لم يخف مخاوفه .. وإشهار تحفظاته .. لم ير في ( مشروع ) حق تقرير المصير بعبعا مخيفا ، ذلك أن توفر الأرضية المناسبة ومعالجة ( المظالم ) والتصارح والتكاشف والإعتراف بالأخر وتحديد ( معايير ) الهوية السودانية ستكون صوتا في صندوق ( نعم للوحدة ) بل وركيزة قوية يقف عليها بناء الوحدة شامخا دون إعوجاج ..
توقف كثيرا على المظالم التي حواها ( جراب ) التأريخ ، والتي لا ينظر اليها الناس إلا بعض وضع مساحيق التجميل على وجهها علّها ( تدس ) قبحها .. وكان تجاوب الناس يوحي بأن لا حرج من تمزيق ثياب ( الستر ) وإن بدأت عوراتنا .. لعلنا نلبس نسيجا جديداً ( سودانويا ) يكون سترا لنا ولأجيالنا ..
لم تذهب المداخلات بعيدا عن هذا ( الوجع ) والفهم ( المتجدد ) ، الى أن أتى أحد الحاضرين من الأخوة الجنوبيين ، والذي عرف نفسه - دون أن يذكر اسمه - بأنه عضوٌ بارز في ( حركة ) ما يسمى بالجيش الشعبي لتحرير السودان .. تمنى على الناس أن لا يفرطوا في التفاؤل ..
وأبدى تحفظه على المحاضر ، منوها الى أنه يسمعكم ( هنا ) ما يرضيكم ( وضرب لنا مثلا ) ، كالذي يسمي الضفدع ( كعونجا ) في جنوب السودان ، ليغيير اسمها الي ( ضفدع ) في شماله .. كان متهكما في كلامه وإن ( اضحك الناس كثيرا ) بصراحة تركن للتشاؤم ..
ولم ينس أن يذكر الحضور ( بما يدور في أروقة الحركة ) بأن نسبة الجنس غير العربي ( بإتحاد غرب وشرق السودان ) يشكل خمسا وستون في المائة .. فإن اتحدوا سيفر العرب ويلوذون بالغابة طلبا لتقرير حق المصير ؟؟!!!!!
ولا أدرى هل هذا – التخويف والترهيب – نوعا من الضغط المدروس و ( الممارس حالياً ) كورقة لكسب مزيد من ( أرضية ) الملعب ، على خلفية أن هذه المحاضرة لابد وأن تطير ( ذبذباتها ) بأجنحة الى ديارٍ أخرى ( فإياك أعني ) .. وهو حق مشروع في فقه التفاوض .. غير أنه تفوه بعبارات رددها أكثر من مرة ملوحا بيده ( الإسلام .. إنتهى .. الإسلام إنتهى ) .. ربما في إشارة للإسلام السياسي؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!
علق د. فرسيس دينق تعليقا خاطفا وبنبرة حزينة ( بأن ما أورده عضو الحركة يمثل التنوع والرأي الآخر ) وكذا أكد ضابط المحاضرة مولانا الصادق ..
وأنا أغادر دار النادي ، قفز الى ذهني ( مشهد ) خروف الضحية ، وهو موزع ( أشلاء ) فنمت ليلتي بحزن يلازمني حتى هذه النقطة .
الرحمابي
(عدل بواسطة AlRa7mabi on 02-09-2004, 02:27 PM) (عدل بواسطة AlRa7mabi on 02-10-2004, 03:33 PM) (عدل بواسطة AlRa7mabi on 02-11-2004, 09:32 AM) (عدل بواسطة AlRa7mabi on 02-15-2004, 03:50 PM)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة