|
وهنا ادونيس ومقدمة لتاريخ ملوك الطوائف واشياء أخري
|
مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف
بيروت 1970
وجه يافا طفل / هل الشجر الذابل يزهو ؟ / هل تدخل الأرض في صورة عذراء؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق؟ / جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل/ صوت شريد .. /
(كان رأس يهذي يهرج في الفسطاط في حضرة العساكر محمولاً ينادي أنا الخليفة) / هاموا حفروا حفرة لوجه غليّ/ كان طفلاً وكان أبيض أو أسود يافا أشجاره وأغانيه ويافا .. / تكدسوا، مزقوا وجه عليّ/ دم الذبيحة في الأقداح، قولوا : جبّانة، لا تقولوا : كان شعري ورداً وصار دماء، ليس بين الدماء و الورد إلا خيط شمس، قولوا : رماديَ بيت وابن عبّاد يشحذ السيف بين الرأس و الرأس وابن جَهوَر مَيْتُ.
لم يكن في البداية غير جذرٍ من الدمع / أعني بلادي والمدى خيطيَ - انقطعتُ وفي الخضرة العربية غرقتْ شمسيَ / الحضارة نقالة و المدينة وردة وثنية - خيمة :
هكذا تبدأ الحكاية أو تنتهي الحكاية. و المدى خيطيَ - اتصلتُ أنا الفوهة الكوكبية وكتبت المدينة حينما كانت المدينة مقطورة و النواح سورها البابلي، كتبت المدينة
مثلما تنضح الأبجدية لا لكي ألأم الجراح لا لكي أبعث المومياء بل لكي أبعث الفروقَ .. / الدماء تجمع الورد و الغراب / لكي أقطع الجسور ولكي أغسل الوجوه الحزينة بنزيف العصور، وكتبت المدينة مثلما يذهب النبي إلى الموت / أعني بلادي وبلادي الصدى والصدى و الصدى ..
كشفتْ رأسها الباء، والجيم خصلة شعرٍ، انقرضْ انقرضْ ألف أول الحروف انقرضْ انقرضْ أسمعُ الهاء تنشج و الراء مثل الهلال غارقاً ذائباً في الرمال انقرضْ انقرضْ سحر تاريخك انتهى أدفنوا وجهه الذليل وموروثه الأبلها و أعذري و أغفري يا قرون الغزالات يا أعين المها .. أحارُ كل لحظة أراكِ يا بلادي في صورة، أحملك الآن على جبيني، بين دمي وموتي : أأنتِ مقبرة أم وردة ؟
أراك أطفالاً يجرجرون أحشاءهم، يصغون يسجدون للقيد، يلبسون لكل سوطٍ جلده .. أمقبرة أم وردة؟ قتلتني قتلت أغنياتي أأنتِ مجزرة أم ثورة ؟ أحارُ ، كل لحظة أراكٍ يا بلادي في صورةٍ ..
وعليّ يسأل الضوء، ويمضي حاملاً تاريخه المقتول من كوخٍ لكوخ : (علموني أن لي بيتاً كبيتي في أريحا أن لي في القاهرة أخوة، أن حدود الناصرة مكة. كيف استحال العلم قيدا ؟ ألهذا يرفض التاريخ وجهي ؟ ألهذا لا أرى في الأفق شمساً عربية؟ )
آه ، لو تعرف المهزلة (سمّها خطبة الخليفة أو سمّها المهرجان ولها قائدان واحدٌ يشحذ المقصلة واحدٌ يتمرّغ .. لو تعرف المهزلة
كيف ، أين انسللتَ في حصار المذابح .. ماذا ، قُتلتْ ؟ أنظر الآن كيف انتهيتَ ولم تنته المهزلة مُتََّ كالآخرين مثلما ينشج الدهرُ في رئة السالفين مثلما يكسر الغيم أبوابه القزحية مثلما يغرق الماء في الرمل أو تُقطع الأبدية عنق القبّرة كنتَ كالآخرين، انتهيتَ ولم تنته المهزلة كنتَ كالآخرين - ارفضْ الآخرين بدأوا من هناك ابتدئ من هنا حول طفل يموت حول بيت تهدم فاستعمرته البيوت وابتدئ من هنا من أنين الشوارع من ريحها الخانقة من بلادٍ يصير اسمها مقبرة وابتدئ من هنا مثلما تبدأ الفجيعة أو تولد الصاعقة
مُتَّ ؟ هاصرتَ كالرعد في رحم الصاعقة بارئاً مثلما تبرأ الصاعقة أنظرْ الآن كيفَ انصهرتَ وكيف انبعثتَ، انتهيتَ ولم تنته الصاعقة.
أعرفُ ، كان مُلككَ الوحيد ظلُ خيمةٍ، وكان فيها خِرقٌ ، ومرة يكون ماءٌ مرة رغيف، وكان أطفالك يكبرون في بِركةٍ ، لم تيأسِ انتفضتَ صِرتَ الحلم و العيون تَظَهَرُ في كوخٍ على الأردن أو في غزة و القدس تقتحم الشارعَ وهو مأتمٌ تتركه كالعرس وصوتك الغامر مثل بحر ودمك النافر مثل جبل وحينما تحملك الأرضُ إلى سريرها تترك للعاشق للاحق جدولين من دمك المسفوح مرتين ..
وجه يافا طفلٌ / هل الشجر الذابل يزهو ؟ / هل تدخل الأرضُ في صورة عذراء ؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق ؟ / جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل/ صوت شريد ..
سقط الماضي ولم يسقط ( لماذا يسقط الماضي ولا يسقط ؟ ) دال قامة يكسرها الحزن ( لماذا يسقط الماضي ولا يسقط ؟ ) قاف قاب قوسين و أدنى أطلبُ الماءَ ويعطيني رملاً أطلب الشمسَ ويعطيني كهفاً سيدٌ أنتَ ؟ ستبقى سيداً . عبدٌ ؟ ستبقى غيّر الصورةَ لكن سوف تبقى غيّر الرايةَ لكن سوف تبقى
…
|
|
|
|
|
|
|
|
|