كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 00:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2004, 07:21 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب (Re: elsharief)



    كُلُّ عامٍ والسُّودانُ بِخَيْر (3)

    بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب

    (مُلاحَظاتٌ أَوَّليَّة عن دَوْرِ المَجْموعاتِ المَسِيحِيَّةِ فى دَعْمِ السَّلام)


    (1)

    (1/1) أشرنا ، فى ما تقدم ، إلى تقارب منظومتى قيم (السلام) و(العمل الصالح) و(العدالة الاجتماعية) فى الاسلام والمسيحية. وقلنا إن دعم مقوِّمات الوحدة فى الوعى الاجتماعى يبقى واجباً مقدماً برغم المرارات التاريخية. فنحن ، على كثرة حديثنا عن (الوحدة فى التنوع) ، نتحمل ، وبخاصة الجماعة المستعربة المسلمة ، مسئولية (التمكين) للتيار (السلطوى) المستعلى بالدين والثقافة واللغة والعرق ، والنابش عن (الفروقات) ، لا بغرض الوعى المشروع (بالتميز الثقافى) ، بل لدعم النزعة الاستعلائية (الحربية) وما تستتبعه من ردود أفعال. وشدَّدنا على أهمية مقاربة حقائق الثقافة والاجتماع فى بلادنا ، فى سبيل الدفع بالمجموعات المسيحية لاستعادة دورها التاريخى فى الفعل الاجتماعى والسياسى نحو ترسيخ السلام والوحدة ، إنطلاقاً من فرضية تؤكد على هذا الدور ، وعلى أن التسامح والتثاقف الطبيعيَّين ظلا يشكلان عنصرَى غلبة فى علاقات المسلمين والمسيحيين ، وعلى أنه لا مآل بدون ذلك غير الاستسلام لليأس القاتل.

    (1/2) إرتأينا ، فى هذا السياق ، أن نعرض لثلاث حقائق أساسيَّة: الأولى هى خيط الأثر المسيحى فى قماشة الثقافات السودانية ، بما فيها الثقافة العربية الاسلامية ، رغم زوال الممالك المسيحية قبل قرون. وأشرنا إلى الرموزيَّة الروحيَّة التى وسمت (حركات النبى عيسى) كإرهاص باكر بمقاومة السودانيين للاستعمار مطالع القرن الماضى ، وإلى ذلك ما يجده (الأنصار) اليوم من توافق روحى بين ذكرى ميلاد إمامهم الصادق المهدى وذكرى ميلاد السيد المسيح (25 ديسمبر). كما أبرزنا جوانب أخرى من تمظهرات هذا الأثر فى طقس أربعين الولادة الشبيه بعماد الطفل بالغطاس عند المسيحيين ، وكذلك طقس (ماريا) ، وترديد النساء أثناء غسل الوليد عبارة "أغطسك غطاس حنا" ، وابتهالهن ، فى حالات تعسر الولادة ، للسيدة العذراء ، وإشارة الصليب ضمن ما يزين به النوبيون واجهات منازلهم ، وفى ما يرسمه الأهالى بزبل البقر على صدر المريض فى بعض مناطق جبال النوبا ودارفور ، وبدم الذبيح على جبينى العروسين ليلة زفافهما أو بالكحل على جبين الوليد لدى بعض الفور ، وبفحم الحطب لدى بعض قبائل النيل الأزرق ، إضافة لتميمة (المشاهرة) التى تشمل الصليب أيضاً وتعلق فوق رأس النفساء فى مناطق وسط السودان.

    أما الحقيقة الثانية فتتمثل فى البعد الاجتماعى والانسانى للتبشير الذى لم يعتمد أسلوب التلقين المباشر ، فى شتى أقاليم السودان الحديث ، بقدر ما عوَّل على إحسان التقدير الاجتماعى والانسانى والثقافى ، كما فى غض الكاثوليكية الطرف ، مثلاً ، عن تعدد الزوجات لدى القبائل الجنوبية ، واتخاذ الأقباط الأرثوذكس نقل مهاراتهم إلى الأهالى مدخلاً إلى البيئات الثقافية المحلية. وبما أن لبعض الوقائع من طاقة التأثير العام ما يتجاوز محض اقترانها بسِيَر أبطالها فقد ارتأينا إيراد خمس منها على سبيل الاحتفاء بالقدوة التاريخية. الواقعة الأولى من عهد الفونج عندما عارض الشيخ ادريس ود الأرباب مصادرة الملك بادى بن رباط لأراضى المسيحيين ، رغم أن الشيخ نفسه كان موعوداً بنصيب فى تلك الأراضى ، مما اعتبر دليلاً على ورعه. أما الواقعة الثانية فمن بواكير حقبة النهوض الوطنى ، ومدارها قصائد صالح بطرس فى الاحتفال بالعام الهجرى الجديد ، أو فى حث المسلمين للتبرع من أجل إكمال بناء مسجد أم درمان الكبير.

    وقلنا إنه ، وبرغم كل ما يمكن سوقه من وقائع أخرى سالبة تسببت فيها تاريخياً تيارات الغلو والتعصب والهوس الدينى ومشروعات الاستبداد السلطوى والدولة الثيوقراطية ، إلا أن ما أوردنا من وقائع ، وما سنورد ضمن هذه الحلقة الأخيرة ، ليؤكد على أن (التسامح) ظل يشكل خلال مختلف الحقب التاريخية فى بلادنا القانون الأساسى لعلائق المسلمين والمسيحيين فى قاع المجتمع. وفى ما يلى نواصل:

    (2)

    الواقعة الثالثة من مطالع حقبة الاستقلال: وتتعلق بإدراج مادة الدين الاسلامى للتلاميذ المسلمين ضمن مناهج مدارس كمبونى والأقباط والمدرسة التجارية الأمريكية (الانجيلية) بأم درمان. وبالرغم من اختلاف الروايات بالنسبة لكمبونى ، حيث يؤكد الأستاذين محمد سعيد محمد الحسن وسمير جرجس1 أن ذلك قد تم بمبادرة من السيد على الميرغنى مع المطران بارونى عميد كمبونى الأسبق خلال النصف الأول من خمسينات القرن الماضى ، على حين يُغلب د. عبد الله على ابراهيم ، بالاستناد إلى السيد على هريمى2 ، وقوع ذلك استجابة من إدارة كمبونى عطبرة لمطالبة بهذا الشأن من اتحاد الطلاب بقيادة الجبهة الديموقراطية خلال النصف الأول من الستينات ، إلا أن ما يهمنا هنا ، أيَّاً كانت الرواية ، هو أن مرحلة ما بعد الاستقلال قد شهدت إدراج تعليم الدين الاسلامى للتلاميذ المسلمين ضمن مناهج المدارس المسيحية ، وإدراج مادة الدين المسيحى للتلاميذ المسيحيين ضمن المنهج الحكومى ، وقد عُهد، آنذاك ، إلى الأستاذ سعد سليمان تادرس3 بتأسيس إدارة لهذا الغرض بوزارة التربية والتعليم. وربما يكون ثمة مغزى خاص للاشارة هنا إلى عدم استنكاف مشايخ كثر وأبناء طرق صوفية من العمل بالمدارس المسيحية ، كالشيخ عوض عمر بمدارس الأقباط التابعة للكنيسة الأرثوذكسية بأم درمان ، والشيخ أحمد بالمدرسة التجارية الأمريكية التابعة للكنيسة الانجيليكانية بأم درمان ، ومحمد الهادى بن الشيخ قريب الله الذى عمل فترة كمدير لمدارس الأقباط ، وهذا على سبيل المثال.

    لقد شكل ذلك ، على نحو ما ، إعادة إنتاج لتجربة (خلوة بولس) التى ما تزال تختزنها الذاكرة الامدرمانية كملمح بليغ للتسامح الدينى ، وأثر شديد الافصاح عن عبقرية المكان. فقد نزحت أسرة بولس4 القبطية الأرثوذكسية من صعيد مصر ، واستقرت بأم درمان فى (حوش بولس) المعروف على تخوم حى بيت المال وحى ابروف ، حيث أنشأت (خلوتها) المشهورة ذات المساقين: تعليم الدين المسيحى لأبناء المسيحيين ، والدين الاسلامى لأبناء المسلمين ، علاوة على تقديم وجبة مجانية لكل التلاميذ أثناء اليوم الدراسى. وما يهمنا التشديد عليه هنا ، بوجه خاص ، هو أن مسيحية بولس وأسرته لم تحُل يوماً دون إلحاق المسلمين أطفالهم بهذه الخلوة طوعاً ، بل وعن محبة وتقدير لصنيع أصحابها.

    الواقعة الرابعة من خمسينات القرن العشرين: وقد رواها لى المرحوم الشاعر سر أناى كيلويلجانق 5 ، وملخصها أن الصبى الدينكاوى الفقير (بيتر) ، وكان ذلك اسمه الأصلى ، لجأ فى خمسينات القرن الماضى إلى السيد سِر الختم الخليفة ، مدير التعليم بالمديريات الجنوبية آنذاك ، متوسلاً إليه أن يزيح من طريقه عقبة الرسوم الباهظة التى كادت تجهض حلمه بالالتحاق بمدرسة رمبيك الثانوية. فاستقبله سِر الختم ، على عكس توقعات الأهل والأقران ، بحنان وأبويَّة أشاعا الطمأنينة فى نفسه ، مسهباً فى سؤاله عن أبويه وإخوته ، صحتهم ، القرية ، الزراعة ، الأمطار ، مما أشعر الصبىَّ بتعاطف (الخال). وفوق ذلك أمَرَ فأعفى (بيتر) من الرسوم ، وأعيد إلى مدرسته والأرض لا تكاد تسعه من الفرح. وما أن استقر فى رمبيك حتى سارع لإشهار إسلامه ، وتغيير اسمه من (بيتر) أناى إلى .. (سِر) أناى!

    الواقعة الخامسة من مطالع سبعينات القرن العشرين: وتتعلق بأداء الشهيد جوزيف قرنق السياسى إبان توليه منصب وزير الدولة بوزارة شئون الجنوب فى حكومة مايو الأولى ، حيث لم يستخدم نفوذه لمحاباة أهله أو قبيلته ، بل رمى بثقله كله فى خدمة قضايا الوحدة والسلام ، فأعد (بيان التاسع من يونيو 1969م) الذى تأسَّست عليه (اتفاقية أديس أبابا 1972م) ، مرتكزاً على الاعتراف المستقيم بالحقائق الموضوعية للمشكلة القائمة بالأساس فى الفوارق الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ الثقافية التاريخية بين الشمال والجنوب ، وراسماً الأسس التى يمكن أن تنبنى عليها الوحدة والسلام (راجع نص البيان ضمن: محمد عمر بشير ؛ مشكلة جنوب السودان ، ترجمة هنرى رياض والجنيد على عمر ، دار نهضة مصر ومكتبة النهضة السودانية ، القاهرة 1970 ، ص 168 ـ 171). وقد روى لى صديقه ووكيل وزارته السيد أبراهيم جاد الله 6 أنهم ، عندما اقترحوا ، ضمن ميزانية التنمية فى الجنوب ، حفر أربعين بئراً أرتوازية لمحاربة العطش فى أعالى النيل ، شطب جوزيف أربعاً وعشرين منها بلا تردد قائلاً: "فى هذا ظلم كثير للناس فى كردفان ودارفور"!

    الحقيقة الثالثة: تتمثل فى المساهمات الواضحة للمجموعات المسيحية السودانية ، منذ مطالع القرن الماضى وإلى عهد قريب ، فى شتى حقول النشاط المدنى السياسى والثقافى والاجتماعى والرياضى. ويكفى أن نشير ، على سبيل المثال ، إلى ملحظين بارزين فى هذا الاطار:

    الملحظ الأول: أن المكتبة القبطية تعتبر أقدم مؤسسات المجتمع المدنى التى عرفها السودان ، حيث جرى إنشاؤها عام 1908م ، أى حتى قبل إنشاء سودان كلب Sudan Club نفسه ، كمنتدى صفوى للانجليز فى الخرطوم. وتعتبر المكتبة من عيون الخزائن الجياد ، إذ تحتوى على نحو من عشرة ألف كتاب فى مختلف فروع العلم والأدب والفن والثقافة العامة ، علاوة على ثروة من الوثائق النادرة. وربما لا يعرف الكثيرون أن عضوية المكتبة مفتوحة لكل السودانيين بصرف النظرعن معتقداتهم الدينية ، فمن بين مؤسسيها وأعضائها علماء مسلمون مرموقون كالأساتذة محمد ابراهيم أبو سليم وزكى مصطفى والمرحوم نجم الدين محمد شريف. كما وأن الكثير من أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا يستعينون بها فى وضع بحوثهم ورسائلهم. ولعل مما له دلالة خاصة أنه جرى ذات مرة ، وبناءً على رجاء من د. أبو سليم ، تعديل لائحة المكتبة بقرار خاص من الجمعية العمومية لتسمح بإهداء ستة مجلدات قيِّمة من مجموعة المصريات ضمن مخزونها إلى دار الوثائق السودانية. كما يجدر أن نشير إلى أن المؤرخ يونان لبيب رزق ، وبمساعدة أبو سليم ، قد عثر ، لاحقاً ، بين هذه المجلدات على الوثيقة الأساسية التى أمكن بموجبها حسم النزاع لصالح مصر فى التحكيم الدولى حول تبعية منطقة (طابا) بين مصر وإسرائيل. وقبل ذلك كانت هذه المكتبة قد زوَّدت وزارة الثقافة المصرية ، بعد ثورة 23 يوليو 1952م ، على نسخ نادرة ، لأغراض إعادة الطبع ، من (أصل الأنواع) لشبلى شميل ، و(حرب النهر) لونستون تشيرشل ، و(عشر سنوات فى أسر المهدية) للأب جوزيف أوهلدر ، بعد نفاد الطبعات الأولى من هذه المؤلفات التى كانت قد صدرت من مطبعة بولاق بالقاهرة فى أوائل القرن الماضى.

    الملحظ الثانى: أن أروقة الأحزاب السياسية ، كجزء من مؤسسات المجتمع المدنى ، ظلت تضم دائماً ، وعبر مختلف الفترات ، عناصر مسيحية ناشطة بين قياداتها وقواعدها ، كتادرس عبد المسيح (عضو مجلس الشيوخ سابقاً) وجوزيف صباغ وإبنه لطيف فى حزب الأمة ، ووديع جيد وعبد الله النجيب وحنا يسا البيباض فى الاتحادى الديموقراطى ، وموريس سدرة وسمير جرجس وميشيل اسطفانوس وجوزيف قرنق وجوزيف موديستو وجرجس نصيف فى الحزب الشيوعى.

    (3)

    فى خلفية هذه الحقائق وغيرها تتجلى المفارقة المأساوية بوضوح حين ننظر الآن فى ما انتهى إليه هذا الحضور الريادى ، فلا نجد ، إلا فى ما ندر ، غير ضعف مشاركة المجموعات المسيحية فى الحياة العامة ، بل غيابها شبه التام عن أنشطة المجتمع المدنى ، وانزوائها الكامل كما الجاليات المعزولة! وقد لا يحتاج الباحث إلى كبير عناء ليعود بتاريخ هذه الظاهرة إلى أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضى. وهى الفترة التى شهدت بداية الارهاص الجدى بتدشين مشروع الدولة الدينية الذى أنجز أولى حلقات تمظهره الكيفى بإصدار وتطبيق قوانين سبتمبر 1983م ، ثم عاد لاحقاً إلى مراكمة عناصر حركته بذات الاتجاه فى ظل الظروف التى تمخضت عنها الانتفاضة الشعبية بين أبريل 1985م ويونيو 1989م ، حيث استكمل خطوته التحويلية نحو حل قضية السلطة عن طريق الانقضاض المسلح على الديموقراطية الثالثة.

    صحيح أن المسيحيين شهدوا ، خلال هذه الفترة ، من عنت المعاش والثقافة والاجتماع ، ما لم يشهدوا طوال قرن بأكمله ، بما فى ذلك التشريد الذى طال أندر كفاءاتهم فى سلك الادارة والمصارف وخلافه. ولكن الصحيح أيضاً أن المسلمين أنفسهم أضيروا ، ربما بأكثر من المسيحيين ، من مشروع التيار (السلطوى الاستعلائى). وليس سوى مكابر من ينكر أن هذا المشروع لم يعدم مساندة مسيحيين بين الجنوبيين الكاثوليك والأقباط الأرثوذكس. كما وليس سوى مكابر من لم يلمح ، فى ملابسات الحرب التى جرى تصويرها على أساس دينى ، كيف أن المسلم قد قتل بيد المسلم ، والمسيحى بيد المسيحى. لذلك ينبغى الكف عن الترويج للمشكلة كما لو كانت قائمة بين المسيحيين ككتلة متجانسة وبين المسلمين ككتلة متجانسة مضادة.

    لقد بدت هذه الحرب اللعينة ، فى أوَّلها ، انعكاساً ، بالفعل ، لمشكلة وطنية فى ظروف التخلف

    “.. national question under backward conditions” ، كما ذهب إلى ذلك جوزيف قرنق ، مثلاً ، فى كتابه “The Dilemma of the Southern Intelligentsia” الصادر عن وزارة شئون الجنوب عام 1970م. وقد كان من الميسور ، أوان ذاك ، حساب التخلف الاقتصادى كأهم أساس لها. ولكننا الآن ، وفق ملاحظة د. محمد سليمان السديدة فى كتابه "حروب الموارد والهويَّة" ، نكاد نكون قد نسينا الأسباب المباشرة والهيكلية للحرب ، على حين تضخمت لدينا ، مع مرور الزمن ، إحدى أخطر (النتائج) المترتبة عليها لتشكل بنفسها (مورداً) مستقلاً لتفاقمها ، وهى منظومة المُدركات والفهوم السالبة perceptions ، كصورة للوعى الاجتماعى المقلوب الذى لطالما غذته أيديولوجية التسلط والاستعلاء ، وعززته الحرب فى الذهنيَّة العامة. لذلك ، وبالمقارنة مع السلاسة النسبيَّة للحلول التنمويَّة التى كان من الممكن اجتراحها على كلا البنيتين التحتيَّة والفوقيَّة منذ مطالع الاستقلال ، فإن هذه الحلول قد تستنفد منا اليوم أعماراً بأكملها. ومع ذلك لا يبدو ثمة مخرج أمامنا سواها إذا كنا نروم ، حقاً وفعلاً، سلاماً مستداماً فى إطار وحدة راسخة.

    إن فضل (الايقاد) لا يعدو إسكات البنادق ، أما كل ما عدا ذلك ، كتعميق الديموقراطية ، وعدالة التنمية ، ونبذ الاستعلاء بالدين أو الثقافة أو اللغة أو العرق أو خلافه ، فهو من مهام المجتمع المدنى ، بما فى ذلك الضغط على الدولة لتنفيذ ما يليها من واجبات. وغافل من يكِل عمل المجتمع المدنى إلى الدولة ، حتى بمشاركة الحركة الشعبيَّة فى إدارتها! ومن نافلة القول أن أهم مهام المجتمع المدنى فى هذا الاتجاه هو ترميم اطمئنان المجموعات المسيحية بالوطن، واستعادة دورها فى ساحات النشاط السياسى والاجتماعى العام.

    (إنتهى)

    الهوامش:

    ١ صحفى مخضرم من أكثر الأقباط السودانيين انشغالاً بهموم السلام والوحدة والديموقراطية والتقدم ، وأبرزهم فى حقل النشاط السياسى والاجتماعى (من مقابلة شخصية معه فى منزله بالخرطوم نهار الأحد 21/12/03).

    ٢ رجل أعمال من خريجى كمبونى عطبرة أواسط الستينات ، وكان عضواً فى لجنة الاتحاد.

    3 مسيحى من أبكار رجال التربية والتعليم ، والد الضابط ميلاد الذى التحق بقوات المعارضة بشرق البلاد خلال تسعينات القرن الماضى ، واستشهد فى بعض ملابسات العمل العسكرى.

    4 وفى سلالتها نفر من مشاهير الشخصيات السودانية التى لعبت أدواراً سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة ، كالدكتور وديع حبشى ، الخبير الزراعى العالمى والوزير السابق ومدير مشروع الجزيرة الأسبق وأول رئيس للنادى القبطى عند تأسيسه فى 1978م ، والسيد نجيب يسا ، مدير مصنع سك العملة الأسبق وسكرتير نادى المريخ الأسبق ، وغيرهما.

    5 وقد سبق أن أوردتها ضمن ورقة بعنوان (جنوبيون) قدمت أمام ندوة مركز الدراسات السودانية بالخرطوم (30 ـ 31 أكتوبر 2002م) حول (التنوع الثقافى وبناء الدولة الوطنية فى السودان) ، بمناسبة اكتمال ترجمة ونشر أعمال د. فرانسيس دينق باللغة العربية. وكانت أجزاء من الورقة قد نشرت قبل ذلك بصحيفة الرأى العام ، ثم أعادت نشرها كاملة بعض الصحف والمواقع على الشبكة العالمية.

    6 من محادثة هاتفية معه عصر السبت 21/7/2001م. وقد سبق أن أوردتها أيضاً ضمن ورقة (جنوبيون).









                  

العنوان الكاتب Date
كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب elsharief01-08-04, 03:57 PM
  Re: كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب elsharief01-15-04, 01:58 PM
  Re: كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب elsharief01-23-04, 07:21 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de