كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 12:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-15-2004, 01:58 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب (Re: elsharief)



    كُلُّ عامٍ والسُّودانُ بِخَيْر (2)

    بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب

    (مُلاحَظاتٌ أَوَّليَّة عن دَوْرِ المَجْموعاتِ المَسِيحِيَّةِ فى دَعْمِ السَّلام)



    كمال الجزولى


    (1)

    لاحظنا ، فى الحلقة الماضية ، بعض وجوه التقارب بين الاسلام والمسيحية فى ما يتصل بمنظومة قيم (السلام) و(العمل الصالح) و(العدالة الاجتماعية). وقلنا إنه برغم الخصائص المائزة لهذه أو تلك من الطوائف والكيانات المسيحية السودانية ، أو بينها وبين طوائف وكيانات المسلمين ، وبرغم المرارات التى رتبتها على هذا الصعيد استراتيجيات الادارة الاستعمارية أو أخطاء الحكم الوطنى ، فإن ما يهمنا هنا ، ليس اجترار السالب فى الذاكرة التاريخية ، على أهمية الاعتبار بذلك ، وإنما إبراز الايجابى ، استشرافاً لتساكن مأمول على قيم السلام والمساواة والمواطنة والمشاركة والديموقراطية والحريات وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية. ولئن كانت (الوحدة) هى الاطار الذى يفترض أن تشتغل فى فضائه كل هذه القيم، فإن ما نحتاجه الآن هو نفض الغبار عن (المشترك) و(الداعم) لعناصر هذه الوحدة فى الوعى الاجتماعى ، بما فى ذلك العقل الباطن الجمعى. ذلك أننا ، وبرغم إكثارنا من الحديث عن (الوحدة فى التنوع) ، نتحمل المسئولية كاملة ، وبخاصة الجماعة المستعربة المسلمة منا ، عن (تمكين) التيار (السلطوى) المستعلى بالدين والثقافة واللغة والعرق ، والنابش عن (الفروقات)، لا بغرض الوعى المشروع (بالتميز الثقافى) ، بل لدعم النزعة (الاستعلائية الحربية) وما تستتبعه من ردود أفعال. وشدَّدنا على أنه ، وفى سبيل إعلاء ما (يجمع) ، لا ما (يفرق) ، وما يدفع (بالمجموعات المسيحية) لانتزاع حقها ، إن لم نقل استعادة دورها ، فى المبادأة والفعل الاجتماعى والسياسى الايجابى لترسيخ (السلام) ، لا بد لنا من مقاربة حقائق الثقافة والاجتماع فى بلادنا إنطلاقاً من فرضية تؤكد أن الجماعات المسيحية ظلت تلعب دوراً مهماً ، بل وريادياً أحياناً ، فى ترسيخ (السلام) ودعم (الوحدة) ، وأن التسامح والتثاقف الطبيعيَّين ظلا يشكلان دائماً عنصرَى غلبة فى علاقات المسلمين والمسيحيين ، مما يجدر تسليط الضوء عليه كونه الأكثر وثوقاً فى تشكيل بنية الوعى الاجتماعى ، والأعمق تأثيراً ، من ثمَّ ، على نسيج (السلام) المستدام و(الوحدة الوطنية) المأمولة ، وأنه لا مآل بدون ذلك غير الاستسلام للقنوط واليأس. وفى ما يلى نواصل:



    (2)

    نعرض ، فى هذا السياق ، لثلاث من هذه الحقائق الثقافية والاجتماعية على النحو الآتى:

    الحقيقة الأولى: تتمثل فى خيط الأثر المسيحى الذى ما زال ينساب ، برغم زوال الممالك المسيحية قبل قرون طوال ، متخللاً قماشة الثقافات السودنية حتى يوم الناس هذا ، بما فيها الثقافة العربية الاسلامية السائدة فى أجزاء واسعة من البلاد:

    (1) كنا أشرنا فى سلسلة مقالات سلفت (الرأى العام ، ديسمبر 2002م ـ يناير 2003م) إلى (حركات النبى عيسى) باعتبارها إرهاصاً باكراً بمقاومة السودانيين للمستعمر منذ مطالع القرن الماضى ، وبشحنة أيديولوجية شكلت ، بكل المعايير ، امتداداً طبيعياً للأيديولوجية المهدوية فى ظل المتغيرات الجديدة بعد هزيمة كررى فى خواتيم القرن التاسع عشر. كما أشرنا أيضاً إلى قوة ذلك الأثر الروحى فى رموزية التوافق الذى ما يزال (الأنصار) يجدونه ، حتى يوم الناس هذا ، بين ذكرى ميلاد إمامهم السيد الصادق المهدى وذكرى ميلاد السيد المسيح (25 ديسمبر).

    (2) وكان الأب الدكتور جيوفانى فانتينى١ قد أحاط ، قبل ذلك ، بالكثير من تمظهرات هذا الأثر المسيحى على الثقافات السودانية ، بما فيها ثقافة المستعربين المسلمين ، فى كتابه المعروف (تاريخ المسيحية فى الممالك النوبية القديمة والسودان الحديث ، الخرطوم 1978م ، ص ص 200 ـ 207) ، ونورد فى ما يلى بعض ما وثق له من نماذج هذه التمظهرات ، ولمن يروم استفاضة مراجعة المصدر المذكور:

    أ/ يحرص سكان أغلب المناطق النيلية بين وادى حلفا والخرطوم على ممارسة طقس أربعين المولود الجديد ، حيث تحمله الأم إلى النهر عشية أربعين الولادة ، ترافقها زفة من النساء يغنين ويزغردن ويلوحن بأغصان النخيل. وهناك تغسل وجهها ويديها ورجليها ثم تفعل الشئ نفسه للوليد. ولهذه الممارسة أصل فى ما يعرف عند المسيحيين بعماد الطفل بالغطاس ، وفى تقليد أربعين الولادة كما رسمه (سفر اللاويين) ، وما يزال متبعاً فى بعض الكنائس الشرقية بمصر وأثيوبيا ، وربما أدمجت فيه طقوس مسيحية أخرى كطقس (دخول الوالدة إلى الكنيسة).

    ب/ شبيه بهذا أيضاً طقس (ماريا) المتبع ، بعد الولادة بيومين أو ثلاثة ، فى بعض قرى النوبيين (الحلفاويين والسكوت والمحس والدناقلة) ، حيث تحمل القابلة الوليد فى زفة مماثلة ، وتحمل امرأة أخرى طبقاً مصنوعاً من الأعشاب توضع فيه أدوات التوليد ونفايات البيت وقرص من الخبز ، ويرمى هذا الطبق بمحتوياته فى النهر. ثم بعد الفراغ من عملية غسل وجه ويدى ورجلى الوليد ، أو تغطيسه فى الماء مع ترديد عبارة "أغطسك غطاس حنا" ، تبركاً بيوحنا المعمدان ، تعود الزفة بشئ من ماء النهر ليحفظ فى البيت بضعة أيام قبل دلقه. وأصل هذا التقليد فى طقس رتبة المعمودية وفى نقل المسيحيين بعض الماء المبارك لحفظه فى البيوت.

    ج/ ويُضحَّى فى مثل هذه المناسبة بذبيح لا يكسر منه عظم. كما يطبع على جدار البيت رسم كف مغموسة فى دم الضحية. ويرى الأب فانتينى فى هذا الطقس أثراً من ذبح الحمل الفصحى عشية الفصح المجيد كما ورد فى العهد القديم. ونرى فيه أثر الذبح عقب صلاة عيد الأضحى المبارك عند المسلمين ، مع بعض التحوير. ونضيف ، أياً كان الأمر ، أن (كف الدم) هذه ما تزال تطبع طلباً للبركة ، وأكثر ذلك على العقارت والسيارات المشتراة حديثاً.

    د/ وفى بعض قرى الشمال يستدعون طفلاً حسن الأخلاق ، ويجعلونه يمضغ بعض التمر قبل أن يطلبوا إليه مس شفتى الوليد بلسانه ، أملاً فى أن تنتقل إليه الأخلاق الحميدة مع حلاوة البلح. وفى هذا أيضاً أثر من التقليد الكنسى الذى يطلب بموجبه عراب (أشبين) لمعمودية الطفل يضمن له تربية مسيحية حال وفاة والديه أو غيابهما.

    هـ/ وفى حالات تعسر الولادة فى بعض قرى النوبيين ترفع النساء أصواتهن ابتهالاً ، باللغة النوبية ، لماريا (السيدة العذراء) كى تساعد الأم.

    و/ وقد لفت السيد أبراهيم أحمد الانظار إلى أن الأطباق التى يزين بها النوبيون واجهات منازلهم لإبعاد (العين الشريرة) تشكل إشارة الصليب (السـودان فى رسـائل ومدونات ، 1938 ـ ضمن المصدر).

    ز/ وفى بعض مناطق جبال النوبا ودارفور يرسم أهل المصاب بمرض خطير إشارة الصليب بزبل البقر على صدره. وإذا ذهبت أم بطفلها إلى مكان لم يزره من قبل ، ترسم على جبينها وعلى جبين الطفل إشارة الصليب ، ويسمونه (برشام) فى بعض لغات الفور (السودان فى رسائل ومدونات ، 1928م ـ ضمن المصدر).

    ح/ ويشمل احتفال الزفاف عند بعض الفور ذبح بهيمة ، وقيام شيخ القرية برسم إشارة الصليب بدمها ، أو ببعض الدهن ، على جبينى العروسين ، فى طقس أشبه (بحفلة الاكليل) عند المسيحيين. ويعاد هذا الطقس على العروسين عندما يرزقان بطفل.

    ط/ وفى اليوم السابع للولادة ، عند بعض الفور أيضاً ، ترسم إشارة الصليب بالكحل على جبين الوليد. واستطراداً فإن سودانيين كثر ، بما فيهم مستعربون مسلمون ، اعتادوا ، دون أن يستشعروا أدنى تعارض بين معتقداتهم الدينية وبين هذه الترميزات الثقافية ، أن يعلقوا تميمة (المشاهرة) ، والتى يشكل الصليب أحد مكوِّناتها الأساسيَّة ، على الحائط مباشرة فوق رأس الأم النفساء طوال مدة رقادها.

    ى/ وتمارس بعض قبائل جنوب النيل الأزرق طقس رسم إشارة الصليب بفحم الحطب على جبين الوليد ، وبالتراب على صدور الفتيان المرضى أو المصابين بالاعياء.

    الحقيقة الثانية: تتمثل فى البعد الاجتماعى والانسانى لأنشطة الطوائف المسيحية الثلاث. وإذا كان مما تشتمل عليه ترتيبات السلام القادم حق التبشير الدينى بالطرق السلمية ، فإن هذه الملاحظة التاريخية تكتسى أهمية خاصة على النحو الآتى:

    (1) لم يعتمد التبشير بالمسيحية ، فى شتى أقاليم السودان الحديث ، أسلوب التلقين المباشر للتعاليم ، دع عنك الادراج القسرى ، بقدر ما عوَّل على استصحاب الثقافات والموروثات المحلية ، من جهة ، وإحسان المعاملة الاجتماعية والانسانية ، من الجهة الأخرى.

    (2) ونتوقف هنا لنلمح قاسماً مشتركاً إضافياً يستطيع المسلمون والمسيحيون السودانيون أن يجدوه بين عقائدهم. فقد شكل حسن المعاملة ، بأكثر من جفاء التلقين ، منهجاً مرموقاً أيضاً للمتصوِّفة الأوائل فى نشر الاسلام فى البلاد ، بل ما زال يشكل ، حتى الآن ، مدخلاً سالكاً لشيوخ الطرق الصوفية إلى قلوب الناس. وفى الحديث الشريف: "الدين المعاملة" ، مثلما فى الكتاب المقدس: "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة فأنا وسطهم" ، بمعنى عدم الاحتياج ، فى كل مرة ، لبناء كنيسة.

    (3) وإذا عدنا إلى الممارسة العملية منذ بواكير القرن الماضى ، فإننا نجد مثلاً:

    أ/ أن الكاثوليكية ، رغم موقفها الدينى الصارم ، عموماً ، بشأن وجوب اقتصار الزوج على زوجة واحدة ، ظلت تبدى قدراً كبيراً من التسامح تجاه تعدد الزوجات لدى قبائل الجنوب.

    ب/ وأن مدخل الأقباط الأرثوذكس الأساسى للاندغام فى الحياة ، فى كثير من أنحاء السودان، كان هو نقل شتى معارفهم إلى الأهالى فى مختلف ضروب الصنائع وسبل كسب العيش. فعلى الرغم من أن الادارة الاستعمارية كانت قد حظرت الكنيسة الأرثوذكسية من التبشير فى الجنوب لأسباب سياسية تتلخص فى عدم رغبتها فى تمدد النفوذ المصرى جنوباً ، وقصرها السماح بتولى هذه المهمة على الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية (الانجيليكانية) ، إلا أن احتياجها ، منذ بواكير القرن الماضى ، للكوادر المصرية أجبرها على استقدام أعداد كبيرة منهم ، من صعيد مصر بالذات ، وجلهم أقباط أرثوذكس ، للاستقرار والعمل فى سلك الادارة والحسابات والتجارة وورش ومحطات السكة حديد فى الخرطوم وعطبرة وبورتسودان والأبيض والنهود وشندى وغيرها من مناطق الانتاج الحديث. وما لبث هؤلاء أن عكفوا على الاختلاط بالناس فى قاع المجتمع من باب تعليمهم شتى المهارات فى الميكانيكا والبناء والنجارة والحدادة والأعمال الكتابية والمحاسبية ، فانخرطوا مع الزمن ، بالضرورة ، كتيار متميز فى نهر الثقافات السودانية العريض ، وتعاطوا ، بشكل إيجابى ، مع البيئات الثقافية المحلية ليسترفدوا منها الكثير من الأزياء والزينة والأطعمة وثقافة الجوار وطقوس وعادات وتقاليد الزواج وصوم رمضان والاحتفال بالمولد النبوى الشريف وبعيدى الفطر والأضحى وغيرها ، وليرفدوها أيضاً بالكثير من ثقافة الأزياء والزينة والحلى والاحتفالات العائلية والمعاملات التجارية والمطبخ الشرقى وعيد شم النسيم وعيد الميلاد المجيد وما إلى ذلك.

    ج/ وبما أن لبعض الحادثات والوقائع من طاقة الاندياح التأثيرى العام ما يجعلها قادرة ، فى مختلف العهود ، على تجاوز محض الارتباط المحدود بذكرى صناعها وحدهم ، أو مجرَّد الاقتران المعزول بسِيَر أبطالها وشخوصها المتعيِّنين ، فلا بأس من إيراد خمس منها هنا على سبيل الاحتفاء بالمثل الأعلى وبالقدوة التاريخية:

    الواقعة الأول من عهد الفونج: فعندما اعتزم ملك سنار مصادرة أراضى المسيحيين أفتى الشيخ ادريس ود الأرباب بحرمة ذلك رغم أنه كان موعوداً بنصيب فى الأراضى المصادرة ، مما اعتبره ود ضيف الله دليلاً على ورعه فدوَّن فى الطبقات: ".. ومن ورع الشيخ أن الملك بادى بن رباط ملك سنار جمع كبار الفونج مثل شوال ولد أنفله ونقى شيخ حوش داره وقال لهم شيخ ادريس شيخى وأبوى دارى من العسل إلى البصل باقسمها له النص فامتنع الشيخ وقال لهم هذه الدار دار النوبة وأنتم غصبتوها منهم أنا ما بقبلها الرسول قال من سرق شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة به من سبع أرضين" (طبقات ود ضيف الله بتحقيق د. يوسف فضل حسن ، ط1 ، قسم التأليف والنشر بجامعة الخرطوم ، 1971م ، ص 60).

    الواقعة الثانية من بواكير حقبة النهوض الوطنى: فقد نقل المرحوم حسن نجيلة عن راويته فى (ملامح من المجتمع السودانى) خبر القصيدة التى شارك بها الشاعر (المسيحى) صالح بطرس فى احتفال نادى الخريجين بأم درمان بالعام الهجرى الجديد 1341 هـ (ملامح .. ، ج 1 ، ط 4 ، الدار السودانية للكتب ، 1972م ، ص 75). وكانت تلك من المناسبات التى درج الخريجون ، بمسلميهم ومسيحييهم ، على استغلالها ، فى بواكير حركتهم ، لإشعال الحماس ضد الاستعمار ، وإزكاء أوار الوطنية فى النفوس. فاستهل بطرس قصيدته مستخدماً رموزية (الهلال) الاسلامية:

    يا من رأى طوق الهلال وقد بدا

    يُهـدى لنا عـاماً أغـرَّ مُشهَّرا

    ثم عرَّج على ذكر الأسلاف يمجِّدهم ، ويحرِّض الشعب مستثيراً لوطنيته ، ومستفزاً لنخوته:

    ذهـبوا وقد أدوا الأمانة حقهـا

    ونما إليكـم ذكرهـم متعطـرا

    إنا قبرنا بعـدهم فى هجعـة

    شـتان ما بيـن الثريا والثرى

    يا عـام إنا آملوك لخـيرنا

    أمـلاً ينيل الحظ فيك موفـرا

    (المصدر ، ص ص 75 ـ 76)

    ويستمر راوية حسن نجيلة واصفاً كيف أن المزاج الجماهيرى العام ، والقائم على التسامح الدينى والإلفة الوطنية ، جعل مشايخ الاسلام من ضيوف ذلك الحفل ، وفى مقدمتهم شي العلماء أبو القاسم أحمد هاشم ومفتى الديار الشيخ إسماعيل الأزهرى ، يوقرون الفتى صالح بطرس الذى: ".. يزايل المنصة ونحن نتبعه بالتصفيق والهتاف ، ويجلسه كبار العلماء بينهم فى إجلال وإكبار" (المصدر ، ص 76).

    ويضيف الراوية واقعة إسلامية أخرى كان صالح بطرس أيضاً بطلها ، حيث أن مسجد أم درمان الكبير ظل ناقص البناء لفترة طويلة فى ذلك العهد ، وكانت التبرعات تجبى له فى كثير من البطء ، وقد أثار هذا الموقف المشين صالح بطرس ، فبعث إلى الحضارة٢ بقصيدة ينعى فيها على المسلمين تباطؤهم فى إكمال مسجدهم ، مما كان له أبلغ الأثر فى تفجير حملة تبرعات عالية الحماس لإكمال بناء المسجد. وقد جاء فى تلك القصيدة:

    يامسـجداً مطـلت بنوه بعهـده

    حتى غدا وهو الحسير المعـدم

    بدأوك جوداً بالصنيع وأحجمـوا

    ما كان أولى أن ذاك يُتمَّـم

    وأنشد بطرس فى نهايتها:



    أمنارة الديـن الحـنيف تحـية

    من شاعر لك قد غـدا يترحَّـم" ٣

    وختم محدث حسن نجيلة روايته متساءلاً بحق: "ترى هل يذكر المصلون فى هذا المسجد اليوم أن الفضل فى حث الناس لإكمال بنائه لشاعر مسيحى" ؟! (المصدر ، ص ص 76 ـ 77).

    إن تلك المواقف وغيرها لتؤكد ، برغم ما يمكن سوقه من وقائع أخرى سالبة تسببت فيها تاريخياً تيارات الغلو والتعصب والهوس الدينى ومشروعات الاستبداد السلطوى والدولة الثيوقراطية ، أن (التسامح) ظل يمثل القانون الأساسى لعلائق المسلمين والمسيحيين خلال مختلف فترات تاريخنا الوطنى ، فلكأنهم يجسدون أبيات أحمد شوقى:

    نعلى تعاليـم المسـيح لأجلهم

    ويوقـرون لأجلنا الإسـلاما

    الدين للديَّان جـلَّ جـلاله

    لو شـاء ربك وحَّـد الأقواما

    (المصدر ، ص ص 75 ـ 76).



    (نواصل)



    الهوامش:

    ١ تحسن جامعة الخرطوم صنعاً إذا كرَّمَت الأب فانتينى ، أسوة بالمرحوم البروفيسير نجم الدين محمد شريف الذى يستحق بالفعل كل التكريم ، فللأب فانتينى أيضاً جهوده غير المنكورة مع الراحل نجم الدين فى إنقاذ آثار النوبة ، وبخاصة معبد بوهين وكنيسة فرس ، وفى تأسيس المتحف القومى.

    ٢ جريدة (حضارة السودان) التى اشترك فى تأسيسها عام 1919م السيد عبد الرحمن المهدى والسيد على الميرغنى والشريف يوسف الهندى ، وكان أول من تولى رئاسة تحريرها هو المرحوم حسين شريف.

    3 النص الكامل للقصيدة منشور ضمن كتاب سعد ميخائيل ، المسيحى أيضاً ، والذى أصدره عام 1925م: (شعراء السودان ، مطبعة رعمسيس بالفجالة بمصر ، ص 140).










                  

العنوان الكاتب Date
كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب elsharief01-08-04, 03:57 PM
  Re: كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب elsharief01-15-04, 01:58 PM
  Re: كمال الجزولى:بَيْنَ غطاسِ حَنَّا وبَرَكاتِ وَدَّ الأرباب elsharief01-23-04, 07:21 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de