|
Re: اين انتم ولا كلمه واحده اليوم عن ذكرى الاستقلال (Re: Abdel Aati)
|
ثلاثة مفاهيم للوطنية السودانية : فى مقابل الواقع الاستعمارى ؛ فقد بدا الوعى الوطنى فى التبلور ؛ وخاضت جماهير شعبنا فى مختلف مناطق البلاد ؛ نضالا متواصلا من اجل الانعتاق الوطنى ؛ لم يقابل ثراه وعظمته الا ضعف همة القائمين على قيادة الشعب من النخب المختلفة ؛ وضيق افقها واتصال مصالحها مع مصالح الاستعمار . اننا هنا نذكر انه بعد انهزام التمردات القبلية المختلفة والتى استمرت طوال عشريتن عاما ؛ وتصفية الجيوب المتفرقة لبقايا الفكرة الجهادية المهدية ؛ هاتان العمليتاتن اللتان مورستا باقصى درجات القساوة والبربرية من قبل السلطة الاستعمارية ؛ فقد بدات فى التبلور مفاهيم الوطنية السودانية ؛ والتى يمكن ان نجملها فى ثلاثة مفاهيم ؛ قامت ابان الحقبة الاستعمارية ؛ ونزعم بانها لا تزال مستمرة الى الان . اما الاول فهومفهوم تقليدى عشائرى متخلف ؛ قائم على ان السودان يتكون من قبائل مختلفة ؛ ولكل من هذه القبائل سادتها المتحدثين باسمها . وان تمثيل مصالح الامة يتم عن طريق هؤلاء السادة ؛ او هذا القسم الرفيع من الامة . ان هذا المفهوم قد تبلور على يد الانجليز واذنابهم ؛ وتمظهر فى زيارة وفد هؤلاء " السادة" لانجلترا ؛ لتهنئتة ملكها بكسب الحرب ؛ وقد كانت جريدة الحضارة هى الناطق الرسمى باسم هذه التيار ؛ والذى اعلن عن نفسه بقوة وفظاظة ابان نهضة العام 1924 ؛ والتى كان هذا التيار من الد اعداءها ؛ حيث قال الناطق بلسانهم "اهينت البلاد لما تظاهر اصغر واوضع رجالها دون ان يكون لهم مركز فى المجتمع ؛ بانهم المتصدون والمعبرون عن راى الامة . ان الشعب ينقسم الى قبائل وبطون وعشائر ؛ ولكل منها رئيس او زعيم او شيخ ؛ عم اصحاب الحق فى الحديث باسم البلاد ؛ فمن هو على عبد اللطيف الذى اصبح مشهورا حديثا ؛ والى اى قبيلة ينتسب ؟ " ان هذا التيار وان قام على تقسيم الامة السودانية الى طوائف وقبائل مختلفة ؛ وان عمل على الاحتفاظ بالتقسيم الطائفى للمجتمع السودانى ؛ فقد كان قادته يتحدون معا فى كل منعطف وطنى ؛ كان ذلك ابان ثورة 1924 ؛ وبعد الاستقلال حين نافسهم الزعيم الازهرى ؛ وفى كل الحكومات "الديمقراطية " الائتلافية التى سادت فى العهد الوطنى . ان الممثلين الرئيسين لهذا التيار عشية الاستقلال قد برز وسط قيادة طائفة الانصار والختمية والهندية ؛ ومن والاهم من القيادات القبلية وكبار الموظفين السودانيين فى الادارة الاستعمارية ؛ ووجد تجليه الاكبر فى الاحزاب التى انشأتها قيادة هذه الطوائف ؛ وخصوصا احزاب الامة والشعب الديمقراطى والاتحادى الديمقراطى فيما بعد . اما المفهوم الثانى فقد قام على وجود امة سودانية عربية مسلمة ؛ تجد امتدادها فى الكيان العربى ؛ وخصوصا مصر ؛ وقد انتج هذ المفهوم شعار وحدة وادى النيل ؛ وتمثل اول ما تمثل ابان ثورة 1924 من بعض قادة جمعيتى الاتحاد السودانى واللواء الابيض ؛ من فئات المثقفين المتاثرين بالثقافة العربية والجلابة ؛ مثل سليمان كشة . وقد نبلور هذا المفهوم فى مؤتمر الخريجين فيما بعد ؛ والاحزاب الاتحادية التى نشات عنه ؛ وقد كان نشيد المؤتمر يبدا بالكلمات : " امة اصلها للعرب –دينها خير دين يحب " ؛ الامر الذى عنى من البداية استبعاد كل العناصر غير العربية وفير المسلمة من قوام هذه الامة المتهيلة ؛ او انخراطها فى هذه الامة بعد التخلى عن ثقافاتها الخاصة ؛ سلما كان هذا التخلى ام حربا . ان هذا المفهوم والذى نشأ فى الاوساط المدينية وقطاع الافندية ؛ قد وجد انتشارا شعبيا واسعا وسط جماهير الشمال السودانى ونخبها وفئاتها الوسطى ؛ وامتد الى الحركتين العروبية والاسلاموية ؛ والتى ذهبت به كل منهما الى حدوده القصوى ؛ وان قنعت كل منهما باحد مكوناته . فالحركة العروبية على اختلاف تيارتها: التقليدية ( الشيخ على عبد الرحمن ) والحديثة ( القوميين العرب والبعث ) قد رات فى السودان شعبا عربيا ؛ متجاهلة كل الشعوب السودانية الافريقية فى الجنوب ودارفور والشرق واقصى الشمال ؛ اما الحركة الاصولية فقد رات فيه شعبا مسلما على الطراز السلفى ؛ متجاهلة غير المسلمين ؛ بل وحتى المسلمين المختلفين عنها فى تصورها للاسلام والثقافة والهوية القومية . ان المفهوم الثانى ؛ والذى كان اكثر تقبلا من قبل النخب الحاكمة ؛ قد تبلور فى تيارات مختلفة ؛ الا ان القاسم المشترك الاعظم بينها كان هو طموحها لرؤية السودان وبنائه على جناحين من العروبة والاسلام ؛ ولا عجب اذن ان يتجه العروبيون السابقون الى مواقع اسلامية اخيرا ؛ وان يطعم الاسلاميون الصرف ايدولوجيتهم بملامح عروبية ؛ وقد سادت هذه التصورات فى مختلف احزاب وحكومات هذا التيار ؛ كما تمثلت ايضا فى سياسة الجنرالات عبود ونميرى والبشير ؛ ومن والواهم من متبنى هذا المفهوم للوطنية السودانية والامة السودانية من يتامى المثقفين المحدثين . اما المفهوم الثالث فيقوم على وجود امة سودانية متعددة المكونات والثقافات والاديان ؛ وعلى ضرورة توحيدها واندماجها على اسس حديثة ؛ وعلى قاعدة من المساواة فى الحقوق والواجبات ؛ والاحترام المتبادل لمصالحها وثقافلتها . وقد تبلور هذ التيار اول ما تبلور فى " جمعية قبائل السودان المتحدة " والتى انشاها على عبد اللطيف ؛ ثم فى جمعية الاتحاد السودانى ؛ والتى عملت على ترسيخ الاتحاد بين السودانيين انفسهم ؛ ووسط اغلب قادة ثورة 1924 ؛ وخصوصا على عبد اللطف وعبيد حاج الامين ؛ وقد كان من راى على عبد اللطيف ان كل الشعب السودانى هو شعب سودانى كريم ؛ حيث لا فضل للعربى على النوبى او الجنوبى ؛ وقد ضمت الثورة وتنظيمها جمعية اللواء الابيض عناصرا من كل القبائل والشعوب السودانية ؛ كما كان من اهم شعاراتها الغاء قانون المناطق المقفولة ؛ والاحتجاج على سياسة المستعمر المشجعة للانفصالية فى الجنوب . وقد تميز هذا المفهوم منذ البدء باتجاه شعبى وتحديثى واضح ؛ حيث راى ان الشعب يتكون من عماله ومزارعيه ورعاته ومثقفيه ؛ وليس من القادة الطائفيين والقبليين ؛ ولذلك فقد تميز بمواقف ناقد منذ البدء لهؤلاء القادة ؛ وللمؤسسات الطائفية وممارساتها ؛ وللادارة الاهلية ؛ وراى دورا للعناصر الحديثة قى تمثيل الامة ؛ وان القيادة لا ينبغى ان تستند على ارث قبلى او دينى ؛ وقد عبر عن هذا معظم شعراء ثورة 1924 ؛ كما عبر عنها على عبد اللطيف فى الاجتماع الذى قرر تاسيس جمعية اللواء الابيض ؛ حيث قال :"والله نحن اجتمعنا دلوقت لانو حتكون فى مفاوضات ؛ المفاوضات دى دلوقت السيد عبد الرحمن عمل الاجتماع بتاعو واعلن رايو ؛ ونحن ما بنعتقد انوالنظارو العمدوالمشايخ بيمثلونا ؛ لاننا نحنا ناس برضو عندنا راى فى الحكاية دى " ان هذا المفهوم ؛ والذى كان مختلطا بمفاهيم وحدة وادى النيل ابان ثورة 1924 ؛ ما لبث ان اخذ طابعه المستقل من بعد انهزام الثورة ؛ وخصوصا فى اعمال عرفات محمد عبدالله ومعاوية محمد نور وعبدالله رجب ؛ كما تبته الحركة اليسارية الناشئة ؛ والحركة النقابية للعمال والمزارعين ؛ ومعظم الحركات الاقليمية وتياراتها الخارجة عن النفوذ القبلى والتقليدى ؛ وان كان قد ظل طول الوقت مفهوما مستقبليا ؛ حيث لم تتوفر له فرص الانتشار الواسع ؛ فى مقابل التوجهات العقيمة لاصحابى مفهوم السادة والسودان العربى الاسلامى من جهة ؛ والتوجهات الانفصالية من الجهة الاخرى . ان مما لا ريب فيه هو ان المفهومان الاول والثانى ؛ اى حكم السادة القائم على الانقسام القبلى والطائفى ؛ وتصور السودان ككيان عربى اسلامى ؛ قد كانا هما الطاغيان عشية الاستقلال ؛ رغما عن الاخطاء الكامنة فيهما ؛ ورغما عن الطابع اللاديمقراطى لاولهما ؛ والطابع الاحادى لثانيهما . اننا لا نذيع اذن سرا اذا ما قلنا ان النضال ضد الاستعمار قد شن اساسا تحت راية مفاهيم خاطئة للوطنية السودانية ؛ الامر الذى كمنت فيه جذور العديد من الازمات اللاحقة . الطريق الى الاستقلال : بعد هزيمة التمردات القبلية المختلفة ؛ وانكسار ثورة 1924 ؛ وحالة البطش والارهاب والتضييق التى تعرضت لها الحركة الوطنية وقادتها بعد العام 1924 ؛ هذا التنكيل الذى تجلى فى استشهاد عبيد حاج الامين فى السجن فى 1932 ؛ وبقاء على عبد اللطيف معتقلا ؛ بعد انتهاء فترة حكمه فى 1935 ؛ فى ... مستشفى للامراض العقلية بمصر ؛ حتى موته فى العام ...... 1948 !!!! فان الطريق للاستقلال قد تاجل كثيرا ؛ وطغت على الساحة القيادات المرتبطة بالاستعمار من السادة المزعومين؛ ورجال الادارة الاهلية ؛ وكبار موظفى الحكومة . ان معظم الجهد العام الذى قام به المثقفين بعد هزيمة الثورة قد تجلى فى الاعمال الادبية والنشاطات الثقافية ؛ وفى تاسيس التعليم الاهلى ؛ وبعض المشاريع الخيرية ؛ كملجأ القرش ؛ وفى النزوح الى الخارج للتعليم ؛ والنشاط الرياضى ؛ هذه النشاطات التى كانت مراقبة بدقة من قبل الادارة الاستعمارية ؛ والتى استمرت منذ النصف الثانى من العشرينات وحتى العام 1938 ؛ حين تكون مؤتمر الخريجين وبدا فى نشاطه العام . ان العديدين ينظروا الى مؤتمر الخريجين كاصل الحركة الوطنية السودانية ؛ متجاهلين عن عمد او جهل ثورة 1924 ؛ وفى الحقيقة فان مؤتمر الخريجين ؛ على ايجابياته ؛ قد كان تنظيما اصلاحيا صفويا ؛ لم يطرح واجب النضاال الوطنى الثورى ؛ ولم يستطع الاتيان ببفكرة وطنية جديدة ؛ وكان هو المعبر الذى خرجت به نخبة الافندية والزعامات الطائفية الى العمل العام ؛ بكل سلبياتها وضعفها وخطل مفاهيمها . فقد بدا المؤتمر باختيار اول لجنة له من كبار الخريجين ؛ وسعى منذ البدء لتطمين الحكومة بانه حركة لتحسين وضع الخريحين ؛ لا علاقة لها بالسياسة ؛ يتصل بها عن طريق المذكرات المليئة بآيات الاحترام والتقدير ؛ وساعيا الى الحصول على اعترافها ؛ وسارع الى تاييد بريطانيا تاييدا مطلقا لما اندلعت الحرب ؛ كما ابتعد بصفويته عن مخاطبة الشعب ؛ على خلاف حركة المؤتمر الهندية التى سبقته ؛ والتى قيل انها كانت مصدر الهامه ؛ والتى كانت حركة مفتوحة لكل الشعب ؛ وخاضت النضالات المتعددة ضد لاسيطرة الانجليزية . ان المؤتمر لم يلبث وحاله كهذا ؛ ان تعتوره الخلافات ؛ وان يبدا تاثيره فى الانحسار ؛ وعضويته فى التناقص ؛ وان تسعى فيه القيادات الطائفية تبحث لها عن التاييد ؛ وتجده بين هذه الفئة وتلك من قيادات المؤتمر ؛ الامر الذى حول المؤتمر الى شكل دون محتوى ؛ وهيكل دون روح ؛ وادى به فى النهاية الى التفكك والانحلال ؛ دون ان يتحول الى هيئة لالهاب النضال الوطنى ؛ والى الدعوة الصريحة الى الاستقلال . ان المذكرة الشهيرة التى رفعها المؤتمر ؛ قد نصت اولا على " قيام حكومة سودانية ديمقراطية فى اتحاد مع مصر تحت التاج المصرى " ثم ما لبثث ان تحولت الى : " قيام حكومة سودانية ديمقراطية فى اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا " ؛ ثم اغرقت هذه المطالب المبهمة والمتناقضة بمطالب تفصيلية جديدة من قيام لجنة مشتركة من المؤتمر والحكومة لمشروع تولى السودانيين الحكم فى البلاد ؛ والمطالبة بالغاء الحريات العامة . ان هذه المطالب والتى لم تتعظ من تجربة ثورة 1924 ؛ والتى تلتحف بغطاء التاج المصرى ؛ والتى تدعو الى نفسها من خلال مذكرات متبادلة مع الادارة الاستعمارية ؛ وليس فى النضال الشعبى ومخاطبة الجماهير ؛ ليست مطالب حركة ثورية وطنية بل حركة اصلاحية نخبوية سلمية ؛ وهذا ما كانته حركة المؤتمر منذ بدايتها والى انحلالها . ان تفكك المؤتمر قد ارتبط بنشوء الاحزاب ؛ والتى قامت اما على اساس طائفى كما حزب الامة ؛ او على اساس من الؤلاءات والعلاقات الشخصية كاحزاب الاتحاديين المختلفة ؛ او بتدبير مباشر من الانجليز ؛ كالحزب الجمهورى الاشتراكى ؛ وقد قامت كلها على مفاهيم خاطئة للوطنية السودانية ؛ ووالت هذا الطرف او ذاك من الادارة الاستعمارية ؛ وكادت لبعضها حينما كان ينبغى ان تعمل موحدة ؛ ولم يربط بينها فى اختلافها ؛ الا التخبط السياسى ؛ وضعف المنهجية الفكرية ؛ وانعدام البرناج الواضح ؛ والتهادن مع الادارة الاستعمارية ؛ رغم جاهزية الشارع السياسى لخوض النضال ضاريا ضد الاستعمار . اننا تستثنى من هذه الاحزاب الهلامية ؛ الحزب الجمهورى بقيادة محمود محمد طه ؛ وحزب الحركة السودانية للتحرر الوطنى ؛ والتى عملت فيما بعض كالجبهة المعادية للاستعمار ؛ ذوى البرامج الواضحة والنشاط المصادم ؛ وان كانت هذه احزاب صغيرة ؛ نعيب على الاول منها ارتباطه الكامل بشخص فرد ؛ وانخراطه من بعد فى ايدولوجية دينية وابتعاده عن اساليب العمل السياسى المعتادة ؛ وعلى الثانى اعتماده على ايدويولجية ماركسية تتصلب باستمرار ؛ الامر الذى ادى الى تحوله الى الحزب الشيوعى السودانى فى مطلع العام 1956 ؛ الامر الذى اغلق امامه الباب منذ البدء فى امل التحول الى حزب جماهيرى شعبى ؛ والى انتهاج سياسات واقعية لا عقائدية . ان الحزبين الرئيسين الذين تصدرا الساحة ؛ قد كانا حزب الامة الذى تاسس بمباركة بريطانية فى العام 1943 تحت رعاية امام الانصار ؛ والحزب الوطنى الاتحادى الذى تكون بتوحيد الاحزاب الاتحادية المختلفة فى العام 1953 بمباركة مصرية ؛ وتحت رعاية الطائغة الختمية والهندية ؛ وحين قام الحزبان على افراد وطوائف وشعارات عامة ؛ فقد انعدم فيهما البرنامج الوطنى التفصيلى لمهام ما بعد الاستقلال ؛ وكان شعار :"تحرير لا تعمير " دلالة كافية على ضيق افق هذه القيادات ؛ والتى رفعت شعار رفض التعمير علنيا ؛ وكانت كل حصيلتها من البرامج شعارات ساذجة ومتناقضة وعمومية من نوع السودان للسودانيين ؛ و الاستقلال التام او الموت الزؤام ؛ او الاتحاد تحت التاج المصرى . ان اسهام بعض هذه القيادات الفكرى والسياسى قد كان محدودا وقاصرا ؛ فالرئيس الازهرى ترك للمكتبة السودانية كتاب واحد هو " الطريق الى البرلمان" ؛ وهو كتاب اجرائى حول قواعد المداولات فى البرلمان ؛ ولم يتسع وقته للكتابة حول قضايا السودان الملحة ؛ اما الشيخ على عبد الرحمن؛ قائد حزب الشعب الديمقراطى ؛ فقد اخرج اول كتاب له " الديمقراطية والاشتراكية فى السودان " فى العام ...1970 ؛ كما ان السياسى الالمع فى حزب الامة ؛ السيد محمد احمد المحجوب ؛ وبعد التخلى عن الاهتمامات الادبية ؛ قد اخرج كتابه " الديمقراطية فى الميزان " فى عام 1976 ؛ وفيما عدا ذلك فينعدم الاسهام الفكرى او البرامجى " لقادة" الحركة الوطنية السودانية . ان الكتب المذكورة ؛ ورغم صدور اثنان منها بعد عقدين ونصف من الاستقلال ؛ وبعد خروج كاتبيها عمليا من الساحة السياسية ؛ تتميز بالغموض وعدم المنهجية والعمومية فى المفاهيم ؛ وخصوصا فى مسائل جوهرية كقضية الديمقراطية والنظام السياسى والمؤسسات الدستورية ؛ كما ذهب الى ذلك الدكتور حيدر ابراهيم على فى دراسته التحليلية لهم ؛ وفوق ذلك فان كاتبيها فى الممارسة العملية ؛ قد خرقوا مرات كثيرة ؛ المبادى التى اعلنوا التزامهم بها فى شعاراتهم المعلنة او فى الكتب السابق ذكرها ؛ وخوصوصا تجاه قضية الديمقراطية ومؤسساتها . ان النضال الشعبى الذى تفجر منذ منتصف الاربعينات ضد الاستعمار ؛ والحركة الجماهيرية المناهضة له ؛ والتى ظهرت كانصع ما تكون فى النضال ضد الجمعية التشريعية ؛ ما لبثت ان اخلت مكانها للاسوب التفاوضى مع دولتى الحكم الثنائى ؛ وللاسلوب الاصلاحى التدرجى ؛ الذى انتج الحكم الذاتى فى العام 1954 ؛ واعلان الاستقلال فى الاول من يناير 1956. اننا وفقا لما تقدم ؛ نزعم ان الطريق الى الاستقلال قد كان اصلاحيا لا ثوريا ؛ وان الاحزاب التى نمت عشية الاستقلال قد كانت احزابا هشة وهلامية ؛ لا تمتلك اى برنامج للبناء الوطمى ؛ وان الاستقلال قد جاء بشكل تفاوضى سلمى ؛ وليس بشكل جماهيرى ثورى ؛ الامر الذى افقده كثيرا من الزخم ؛ وقلل من حدود المشاركة الشعبية فى واقع ما بعد الاستقلال .
|
|
|
|
|
|
|
|
|