استمر مسلسل الكائن الوضيع المتمسح بالشيوعية وهو يحاول الفرار من قدره كلحيمة متعفنة في فيافي القارات تارة اليمن وأخرى ليبيا وأخيرا بلاد بحر البلطيق. الرجل الذي ظل جميع شيوعيي اليمن يتجنبون الاقتراب منه بسبب رائحة جسده التي تشبه رائحة لحام الحديد المختلطة برائحة أخرى عفنة ونفاذة كالسمك أو التركين. مع ذلك لم يكن يشم ذاته لأنه متعايش معها كما يتعايش الدود في شص الصنارة حتى يبتلعه السمك. المرحوم دكتور توفيق رشدي هو أحد مناضلي العراق ضد النظام البعثي البائد ، هو من أصل كردي تشكلت ماركسيته أثناء دراسته في موسكو الاتحاد السوفيتي ؛ ثم لجأ لليمن الجنوبي في ذلك الوقت كأستاذ في جامعة عدن. دكتور توفيق كان من القلة العبقرية والمثقفة ثقافية عالية تلك التي ما أن تتحدث حتى يتحسس الحكام مسدساتهم ؛ لذلك مثل خطرا عظيما على النظام ؛ ولم تهدأ أجهزة المخابرات حتى توصلت لتجنيد ذلك السوداني المتعفن كمراقب لرفيقه العراقي وملازمته في كل مكان. ظل رشدي يتجنب الاندماج في المجتمعات العربية لأنه لم يكن يثق فيها. لقد وثق فقط في شعب واحد ، شعب كان يعتبره أعظم الشعوب العربية والأفريقية ، بل وكان يتنبأ بأن الشيوعية قد تنهار في موسكو لكنها ستنتصر في الخرطوم. لذلك أصبح مجتمع الشيوعيين السودانيين في عدن هو ملاذه ومكان طمأنينته ، وهنا كان الخطأ الكارثي الذي وقع فيه السيد رشدي ؛ الخطأ الذي كان عليه هو قبل كل إنسان آخر أن لا يقع فيه وهو خطأ (التعميم). لا توجد شعوب ذات قيم أخلاقية واحدة وصارمة ، ففي كل الشعوب والمجتمعات هناك الصالح النقي الطاهر ، وهناك الطالح الوضيع المتعفن. وهذا النوع الثاني لا يمكن للناس اكتشافه بسرعة ؛ فهو كنوع-صاحبنا السوداني الوضيع- يتلون كالحرباء ؛ يلدغ كالعقرب ؛ يفر كمخنث ؛ ويعبد من يدفع كما تفتح العاهرة فخذيها لمن يدفع. المخابرات العراقية لم تتعب كثيرا ؛ لأن صاحبنا كان يبحث عن هذه الفرصة. الفرصة التي ستجعله آدميا كالبشر ، يملك مالا ومنزلا ووظيفة محترمة وقد ظل طوال سني حياته متسولا لرفقاء الحزب الشيوعي الذين كانوا يعطونه بلا من ولا أذى ما تساقط من أفواههم من بقايا الطعام. لم تبذل المخابرات العراقية جهدا ؛ ففي يوم عدني صيفي حار ، رأوا حذاءا متسخا يدلف إلى باب القنصلية لرجل تفوح منه تلك الرائحة الغريبة (رائحة لحام الحديد المختلط برائحة السمك المتعفن) ، دار في المكان بنظراته المعهودة ؛ النظرات التي تدور في محجريها لتتشمم قبل أن ترى ، النظرات المتشككة المستريبة التي تقول خذوني ، ووقف أمام سكرتيرة القنصل ثم تحول بعد اربع ساعات من التحقيق الدقيق معه إلى جاسوس على رفيقه الشيوعي العراقي توفيق رشدي. كان ينقل كل حوارات توفيق رشدي ؛ بل أنه أصر وألح على المرحوم لكي يتيح له زيارته في شقته الكائنة في حي المنصورة. ثم بدأ يلازم المغدور به حتى جمع عنه كل المعلومات وأوصلها للمخابرات العراقية التي كانت تنشط ضد الشيوعيين من رفاق المتعفن هذا. وفي الساعة المحددة ؛ أرسل صاحبنا المتعفن هذا إشارة للمخابرات العراقية ؛ وبعد سويعات كانت جثة المسكين توفيق رشدي تسبح في دمائها الطاهرة بعد تلقيها لثلاث رصاصات قاتلة. صاحبنا المتعفن وقع في شر أعماله وأحس بالرعب ؛ لقد بقى مختبئا طيلة الأسابيع التالية وقد أصيب باسهال حاد ، خاصة بعد أن وشى القاتل بكل من ساهم في عملية اغتيال رشدي ؛ ما عدا شخص واحد. لقد كتب له النجاة. لم يكن ذلك إلا لأن صاحبنا هذا ليس من الشخصيات ذات الأهمية من مسؤولي حزب البعث العراقي ورجال مخابراته. فصاحبنا كان مجرد كلب بوليسي نكرة ؛ لم تحوج حتى من قام بجريمة الاغتيال لتذكره أثناء تعذيبه ليعترف. في نهاية الأمر تم تصفية جميع من تم ذكرهم في اعترافات القاتل من قبل المخابرات العراقية نفسها. وأفلت صاحبنا من الموت ونجى فتنفس الصعداء وتوقف سيلان الإسهال من مؤخرته. من هو هذا السوداني الذي لم يكن يشبه رجال ذلك الزمان ولا حتى هذا الزمان؟ من ذلك الكائن الوضيع الذي أصبح يفتح ما بين إليتيه لمن يدفع؟ كل هذا سنورده في الحلقات القادمة. ___________________ صورة من المقال: -للحزب الشيوعي العراقي العظيم.
العنوان
الكاتب
Date
السوداني الذي وشى بتوفيق رشدى فاغتالته المخابرات العراقية بقلم د.أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة