جئت إلى دار الحزب الشيوعي بالخرطوم 2 لأحدد موعداً للإجتماع مع أحد رموزه المعروفين وعضو لجنته المركزية الأستاذ صديق يوسف، وفي ذاكرتي الإجراءات المكتبية المعقدة ( خلي تلفونك، شيل تلفوني، اتصل بي بعد اسبوع، برجع ليك، الأستاذ مشغول، ووووو)، لكن بكل بساطة وبصورة مفاجئة جداً وأنا في الإستقبال إذا بالزميل فتحي يدخل إليه ويعود مسرعاً لينقل إليَ وجوده وجاهزيته لمقابلتي. وفي طريقي إليه رغم قصر المسافة كنت أتساءل لماذا لم يضع عدداً من جدران الأهمية وهالات العظمة ودرجات السمو من فوقه ومن تحته ومن حوله ولماذا ولماذا وأنا أُصافحه نظرتُ إلى المكان من حولنا لم أرى سوى مظاهر الزهد والتواضع حيث الترابيز العادية والكراسي البلاستيكية على شاكلة اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، فابتدرت حديثي بسؤال (لماذا يلعب حزبكم أدواراً رئيسية في عمليات التغيير ويكون نافذاً في الفترات الإنتقالية لكنه يتذيل قائمة الإنتخابات؟ ألم تجدو حلاً لهذه المعضلة؟ ألم تستطعو التوفيق بين هذين التناقضين؟)، ثم ولجت مباشرة إلى موضوعي فاطلعته على أهداف المركز الإفريقي العربي لبناء ثقافة الديمقراطية والسلام، والبرامج التي نفذها، وبرامجه المعدة للتنفيذ، ثم استمعت إليه، فوجدت فيه تواضعاً يواكب مظهره وتفاصيل المكان ولو لم أكن ذا معرفة قديمة بالحزب الشيوعي ومنهجه وكادره لاعتقدت واهماً إنني المعلم وهو المتلقِي.
في الحقيقة، إن الحزب الشيوعي السوداني رغم أنه يشارك الأحزاب السودانية الأخرى في عدم الإلتزام بعدد من المعايير الديمقراطية وأهمها معدل دوران النخب بالحزب والذي يعطل عملية المنافسة الحرة ويضعف حركة التيارات والأجنحة المتنافسة وكذا يقعد نشاط الحزب ويثبط الإنتاج الفكري والتحديث الرؤيوي، إلا أنه وفقاً لمنهجه التدريبي والتأهيلي استطاع أن يوفق بين هذه التناقضات لدرجة ما، ومعلوم أن النظرية الشيوعية لم تعترف بالديمقراطية بل هما قطبين متضادين متصارعين وفي أحسن الحالات تتخذها وسيلة لتحقيق هدفها الإستراتيجي (الشيوعية)، ومع ذلك قد اعترف الحزب الشيوعي السوداني في مؤتمره السادس سنة 2009م بالديمقراطية نظاما للحكم ووسيلة لتحقيق الحرية والمساواة السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وإذا واصل الحزب الشيوعي عملية الإستنبات والتبيئة هذه لتنتهي إلى المواكبة الكاملة للبيئة السودانية خاصة الإجتماعية والثقافية عطفاً على الإلتزام بمعايير الحزب الديمقراطي، يكون قد قطع شوطاً مقدراً تجاه التوفيق ما بين النفوذ والشموخ الفكري والسياسي من ناحية وسعة القاعدة الجماهيرية من ناحية أخرى، وعندها سوف يكون عصياً على المنافسة.
فالحق الذي نبحث عنه وتدعمه العناية الإلهية أيها الشعب العظيم لم يحل على أرضنا من خلف الشعارات البراقة ومظاهر التدين وحركات التعبد والتقرب غير المتصلة بالجوهر، وإنما يحل ويستقر عندما يأتي إلى أرضنا من مكان قريب جداً جداً وهو داخل صدورنا، فالإيمان بالعدل والحرية والمساواة والعمل به درءاً للفساد وتعزيزاً للأمانة وتربية وتشجيعاً على الصدق وإحترام الآخر وحريات الآخر بإستصحاب إدارة حقيقية للتنوع المميز العظيم في بلادنا، وهو مهر الحق الذي رفع أمريكا وجعلها سيدة العالم وجعل إسرائيل تلك الدولة الشريطية الصغيرة التي تنقصها أبعاد إستراتيجية عديدة أقوى دولة إقتصادية في الشرق الأوسط، وبالمقابل ظل السودان ذو الموارد الإقتصادية الضخمة والذي يدعى سلة غذاء العالم ممزقاً بالحروب فقيراً يركض خلف فتات موائد العرب، وعليه إذا لم نصل الظاهر بالجوهر ونتبع القول بالفعل ونستند على معايير الديمقراطية بعيداً عن الإستنساخ المشوه وإذا لم يراجع الشعب السوداني مواقفه لتتسق مع حقائق الأشياء بعيداً عن المظاهر والشعارات، لا الشيوعي يستطيع إقناع الجماهير ويصل إلى السلطة عبر إنتخابات حرة ونزيهة رغم أمانته وعفته، ولا الأحزاب الجماهيرية تستطيع إدارة الدولة بإقتدار وتحقق السلام الحقيقي والإستقرار والديمقراطية المستدامة والتداول السلمي للسلطة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة