قسمةٌ ضيزى تحت دِثار غرب السودان المُهلهل ! بقلم أبو البشر أبكر حسب النبي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 10:19 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-23-2019, 02:49 PM

أبو البشر أبكر حسب النبي
<aأبو البشر أبكر حسب النبي
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 18

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قسمةٌ ضيزى تحت دِثار غرب السودان المُهلهل ! بقلم أبو البشر أبكر حسب النبي

    02:49 PM August, 23 2019

    سودانيز اون لاين
    أبو البشر أبكر حسب النبي-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    من الواضح إن الذين أُوكِلت إليهم مهمة الاعتناء بتجهيز وإعداد " المجلس السيادي " وإخراجه إلى النور ؛ ثلة من بسطاء القوم ، ممن تعوزهم " الفقه المعمق " لإدراك سبل السير في دهاليز السياسة المعتمة ، لن انعتهم بالتحيز المتعمد والإقصاء القسري أو الجهل الفاضح أو الغباء السياسي ، ولكن من الآيات الجلية أنهم متوفرون على "عدم حصافة سياسية " من عيار ثقيل ، و " بؤس ثقافي" خارج نطاق المعقول ، وبدا كأنّ عقولهم خالية من مفردات " تركيب وتعقيد المجتمعي السوداني " ... بعد جدال عريض وجولات متطاولة جلبوا إلى المجلس السيادي ثلاثة من دارفور ، لا أعرف الكثير عن السيد " التعايشي " ولكن واضح من اللقب أنه من دارفور - إلا في حالة انتمائه لعائلة "خليفة التعايشي" عندئذ لا يمكن عدَّه من هناك لطول انقطاع تلك العائلة عن دار فور - قد التحق – بعد تردد - إلى الفريق " حميدتي" وقريبه اللواء " جابر " ليشكل معهم ثالث الثلاثة في هذا المجلس يمثلون دارفور ، وثلاثتهم من العشائر العربية في دارفور! ، هنا مربط الفرس وبيت القصيد وعدم الحصافة ! كيف تم اختيار الثلاثة من شريحة واحدة ؟ أين بقية المكونات ؟ ألم يطرح أحد هذا السؤال أثناء جدل والجولات ؟ قد يقول قائل بأنهم سوف (يعدِّلون) الوضع في مجلس الوزراء ، حسناً إلى حين الإطلاع على القائمة التي يقدمها السيد حمدوك ، نود إعادة التنبيه إلى (التكويش الثقافي) الخطير الذي يحدث تحت مفهوم (غرب السودان) وما دفعني إلى هذا القول هو أن بعضاً من أعضاء الانتليجنسيا النيلية الذين صادف أن التقيت بهم خلال اليومين الماضيين لم يكفوا أبداً ترديد عبارات من شاكلة "أنتم في غرب السودان قد أخذتم حصة الأسد في المجلس السيادي " ومن ثم يشرعون في العد والإحصاء وتلاوة الأسماء ، مقرنين كردفان بدارفور أبداً .. ويخلصون إلى نتيجة مؤداها " أنظر لديكم أكثر من نصف المجلس".
    هذه الخلاصة هو الدافع الأساسي من وراء إعادة نشر مادة تم تحريرها ونشرها في هذا الموقع قبل سنوات حول مفهوم "غرب السودان" ، إنه شيء غير جيد أن يعيد المرء ما سلف أن تطرحه ، لذلك أطلب المعذرة من الذين اطلعوا على المقال من قبل ، وإنما المستهدف الآن هو من لم يصادفه من قبل .
    مفهوم (غرب السُّودان)
    " من المفاهيم الأساسية التي يستخدمها السودانيون بكثرة مفهوم (غرب السودان) وهو من أكثر المفاهيم شيوعاً في السياسة والإعلام ، ورغم غموضه والتباسه لم يجر أي محاولة لتوضيحه وتحديده ، وقد استخدمه مؤلفي (الكتاب الأسود) بكل غموضه والتباسه ،ووفق النمط المألوف للذهنية السودانية، أي نزوعها صوب الاستسهال و(التكويش)، واحتقار التأني ،والنفور من التدقيق والتحري .لذلك لم يورد الكتاب أي تعريف لمفهوم (غرب السودان) واكتفى بالقول العمومي الهلامي السائد في الإعلام :" الإقليم الغربي ويضم ولايات كردفان ودارفور " .وهو تسطيح وتبسيط درج عليه حتى بعض الأكاديميين إذ أذكر أن محاضراً يدعى خوجلي عبد الرحيم ألقى محاضرة في قاعة الصداقة في يوليو 1997 تحت عنوان (غرب السودان) وكان تعريفه لـ(غرب السودان) هو :" الولايات الست بكردفان ودارفور ".وقد قرأت تعريفاً للسياسي المعروف حامد تورين يقول فيه أن الغرب هو: " الحدود الإدارية للولايات الست" .
    ومنذ أن بدأت أزمة المؤتمر الوطني تلوح في الأفق أخذ بعض قيادات هذا الحزب ، خاصة أولئك القادمون من دارفور ، بالسعي المحموم نحو ترميز مفهوم الغرب وإعادة تأطير مدلوله في المخيلة الجماعية ، وظهرت محاولات تكوين كتلة ضاغطة باسم الغرب داخل أروقة المؤتمر ، وتأسيس هيكل مهلهل تحت مسمى " الكيان التنسيقي لولايات الغرب ".
    وإن وضع المرء جانباً التكويشات السياسية والإدارية والإعلامية ؛ فمن العسير إن يتصور المرء مفهوم (غرب السودان) ذهنياً ويموقعه في مخيلته ، لأنه ملتبس حتى في تحديده الجغرافي ، وهو غرب لم يكن غرباً قبل الفتح التركي كما يقول المحامي اسحق شداد، وهو مفهوم قسري مفروض على الجميع من قبل سلطة الثقافة النيلية ، أي أنه نوع من إجبار الجغرافيا للتحدث باسم التاريخ كما يقول الباحث الفلسطيني مريد البرغوثي الذي شكا من غموض مصطلح (الضفة الغربية) وقال: " منذ عام 1967م تتحدث نشرات الأخبار عن (الضفة الغربية) ، لا يوجد ما يوضح (تلويث اللغة) أكثر مما يوضحه اصطلاح ( الضفة الغربية ) الذي عشنا معه سنوات دون تأمل مغزاه الحقيقي ضفة ماذا؟ وغربية بالنسبة لأي شرق؟ الإشارة هنا إلى نهر الأردن ، أي نحن ضفة نهر لا ضفة فلسطين ، ولو كانت الإشارة إلى فلسطين لتحدثوا عن الجزء الشرقي منها ، الضفة الغربية للنهر موضوع جغرافي وليست وطناً ولا بلداً"
    فالعلة عينها يعتري مفهوم( غرب السودان)، لأن التصور الذهني يمتنع عن مطابقة الواقع السوسيو-ثقافي الماثل ؛ بالمقارنة مع مفهوم (جنوب السودان )مثلاً ، الذي تعرفه الحركة الشعبية بأنه"المناطق المأهولة بالزنوج والمزيج الأفريقي ويدينون على اختلافهم بالإسلام والمسيحية والديانات الأفريقية التقليدية وتشمل هذه المناطق الجنوب وأبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق..." وهو تعريف سياسي وليس تعريفا جغرافياً للجنوب باعتراف الراحل جون قرنق نفسه . ورغم ما لهذا التعريف من تدليس وتكويش- بضم مناطق معروفة جغرافياً وتاريخياً وثقافياً أنها جزء من شمال السودان ـ بيد أنه اسلس وقعاً على الذهن من مفهوم ( غرب السودان )، لأن (الجنوب) ، رغم أنها كلمة يستدل بها على جهة جغرافية ؛ إلا إنها في إطار الثقافة السودانية مصطلح ذات سياق ومعنى. لذلك فإن (جنوب السودان) مفهوم ذات مدلول سوسيوـ ثقافي يحدد في كثير من أحيان معناه ذاتياً ، ليضفي على المواطن الجنوبي هوية مميزة في إطار النسيج السكاني الوطني الكلي بأنماطه المتعددة . لان المكان هو الانتماء الذي انطلق منه مسمى الجنوب الجغرافي ليعبر عن التميز والهوية والخصوصية التي تتباعد فيها المسافة عن الشعور الواصل مع الذاكرة الجماعية.
    أما (غرب السودان) فيعجز الجميع عن تحديده ، حتى في نطاقه الجغرافي ، دعك عن السياق السوسيوـ ثقافي إذا تساءلنا مثلاً: من أين يبدأ (غرب السودان ) وإلى أين ينتهي؟ لا نجد إجابة لهذه التساؤلات إلا من بعض ذوي الذهنية التكويشية الذين قد يرمون في وجوهنا إجابات متسرعة من عينة: يبدأ من (المويلح) أو (الفتاشة))! ، أو من الشاطئ الغربي للنيل الأبيض مباشرة، وينتهي ربما إلى مغرب الشمس!. إنهم أناس سطحيون ليس في مقدورهم إعطاء مفهوم(غرب السودان ) معنى دقيقاً ، ويعجزون حتى عن تحديد حدوده الجغرافية ، لذلك يرد مفهوم (الغرب)في ألسنتهم في غاية من السيولة والتسيب ، ويفشل الذهن ـ مهما قدح ـ عن تمثيله بتعيين الحدود والتخوم .
    وقد تولَّد عن مفهوم (غرب السودان) مصطلح (الغرَّابة) المسمى الجماعي لسكان (غرب السودان )! ولكن من حسن الطالع فأن محاولة تحديد ملامح الصورة النمطية (للغرابي) في الذهنية السودانية العامة أقل عسراً وعنتاً من أي جهد يمكن أن يبذل لتحديد مفهوم (الغرب) ، لان (الغرابي) معروف باسمه وسمته ولسانه وسحنته ، وفي ملامحه قد يكون أكثر (أفريقية) وفي لون بشرته قد يكون أكثر سمرة ويتحدث الدارجة العربية السودانية بلكنة مميزة ، وغالباً ما يتجاهل فيها التقيد ببعض قواعد النحو ، مثل التذكير والتأنيث ،والمقاربة هنا دائماً مع (ابن النيل/ود البلد)! . وبقليل من التدقيق نجد أن هذه الصورة النمطية لا تنطبق إلا على سكان الغرب الأقصى الذي نسميه (دار فور) ولا ينسحب على سكان الغرب الأدنى الذي نسميه (كردفان) .
    مثلما أن الغرب غير محدد جغرافياً فإن (الغرابة ) أيضاً غير محيزين ديموغرافياً ، لذلك يطلق مفهوم (الغرابة ) حتى على الشعوب التي تسكن إلى الغرب من دار فور ، إذ يقول عبد الله عبد الماجد إبراهيم بهذا الصدد : إن " كلمة الغرابة في سودان وادي النيل تطلق للدلالة على الشعوب القادمة من البلاد الواقعة غرب دارفور ويشمل التكرور والهوسا وسكان برنو ودار برقو" .
    ويقفز معظم السياسيين والأكاديميين في السودان على هذا البعد الإشكالي لمفهوم (غرب السودان)، لأن تحديده سيحد من تحقيق مراميهم ، ولذلك غالباً ما ً يدلون بما يرغبون ، وإن كان لا يعكس ما هو كائن حقيقة ، مثلاً يقول المرحوم مكي على بلايل في إحدى مقالاته :" (...) إن الغرب بمحصلة حسابات الجغرافيا والتاريخ والتكوين السكاني يمثل نقطة الارتكاز الحقيقية لوحدة السودان (...) لا يوجد في الغرب أية تناقضات أساسية تبرر النزاعات الدامية التي تعوق الاستقرار والتنمية " وهي إفادة ليس فقط تتناقض تماماً مع كل المعطيات القائمة ؛ بل تناقض نفسها ، كيف تكون (النزاعات دامية) و(نقطة الارتكاز الحقيقية لوحدة السودان)؟. ويستمر مكي في الاستخدام العشوائي للمصطلحات مثل (أبناء الغرب ) و(أرض الغرب) دون حرج أو تردد، إلا أنه عندما استخدم مصطلح (الشرق ) أضطر أن يفرز أي شرق يقصد وقال :"وما يقال عن الغرب يقال عن الشرق خاصة الجزء الجنوبي منه ..مناطق النيل الأزرق".
    ويبدو أن وعي بعض الفاعلين بهلامية المصطلح الجغرافي (غرب السودان) يضطرهم إلى التنطع والحذلقة أحيانا، ها هو حامد تورين من دعاة (الغرب الكبير) عندما أعياه القدح الذهني لتصور الغرب الغائب ،اضطره إلى الاصطناع و الاختلاق إذ قول : الغرب هو كردفان ودارفور ولكن هذا يمثل الغرب الجغرافي أما الغرب الاجتماعي هو كل رقعة من أرض السودان فيها سكان غرب السودان أو الذين ينتمون إلى الغرب ثقافياً واجتماعياً وسياسياً ، هذا هو الغرب الاجتماعي والثقافي ويشكل ثلثي السودان (...) الغرب ليس عنصراً أو جنساً فهو السودان كله فيه الدماء الحامية والسامية والزنجية"(.و المؤسف أنه حتى هذه الحذلقة الجوفاء ينسفه بصيحة شبيه بصرخة الشاعر الإنجليزي (روديارد كبيلنج" الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً ")ويقول : " غرب السودان لا يمكن إلا أن يكون غرباً والشرق لا يمكن إلا أن يكون شرقاً وكذلك جنوب السودان ". وقد كتب المحرر السياسي لصحيفة (الأزمنة) مرة قائلاً:" غرب السودان الذي تشكله ولايتا كردفان ودار فور الكبيرتان والذي تمثل " صرة السودان " وواسطة عقده جغرافيا واثنياً وهو المكان الوحيد في السودان الذي يصلح أن يكون مسرحاً لحوار الثقافات والأجناس السودانية" إنها حالة اغترابية تتقمص مزاج (الإنتلجنسيا) أثناء هبوط النوازل والمحن ويحاولون الهروب من الواقع المرير برصد آمالهم وأمانيهم ، أكثر من سرد الحقائق الماثلة ، والوقائع المتعينة ، ويتحدثون عما يجب أن يكون أكثر مما هو كائن .
    ولكن من حسن الطالع أن ثمة قليل ممن حاولوا التنبيه إلى ما تكتنفه مصطلح (غرب السودان) من غموض والتباس ،وخطورة أخذه بعلاته دون تحديد أو تمحيص , من هؤلاء الباحث صديق البادي الذي يقول: " البعض يتحدث عن غرب السودان كأنه كتلة واحدة صماء بكماء ، ولكن الحقائق تؤكد أن غرب السودان لا تجمعه قبيلة واحدة فهو جماع قبائل كثيرة وعناصر مختلفة الجذور والأصول (...) ولايات غرب السودان الست واسعة الانتشار جغرافياً ولا يربط بينها رابط وعلى سيبل المثال فإن قبائل دار حامد والكبابيش والكواهلة والهواوير والمجانين هم بنو عمومة المُسلميَّة والأقرب وجدانياً لأمدرمان ، ويمكن أن يندمجوا وينصهروا بسهولة في المويلح وأمبدة وأمدرمان أكثر من اندماجهم في دارفور التي ربما اعتبروا فيها من الغرباء"
    وفي تلخيص أكثر عمقاً ودقة يقول الصادق الفقيه:" لقد سألت أحد (الجلابة) الذين يعيشون في مدينة الفاشر في أقصى غرب السودان ، عندما رافقني في زيارة إلى متحف السلطان على دينار عام 1990م ، سألته عما يعنيه هذا الإرث التاريخي الذي خلفه علي دينار بالنسبة له ، فأجاب بلا تردد ، إن ما تركه علي دينار من شواهد شاخصة على عظمة دولته ومملكته ويعد مفخرة تاريخية لأهل دارفور مبتعداً بنفسه عن الارتباط العضوي أو وجداني بهذا الإرث التاريخي (الخاص)" . ويقيني أن هذا (الجلابي) نفسه إذا سئل رأيه عن الإرث الموجود في متحف (شيكان) في مدينة الأُبيِّض مثلاً ؛ لقال هذا إرث سوداني أصيل ، ولا شيء يدفعه بأن ينأى بنفسه.لأن كينونة الخصوصية والتميز التاريخي والثقافي والاجتماعي متوفرة في دارفور وغائبة في كردفان .
    إذن، المعضلة الأساسية تتفرع من هنا ، الجمع القسري والتعسفي بين كردفان ودارفور أي( إجبار الجغرافيا للتحدث باسم التاريخ) كما ورد سابقاً .(الغرب) اتجاه جغرافي محض ،أما (كردفان ودارفور ) فكيانين إداريين تحويان في أحشائهما انساق اجتماعية وأنماط ثقافية وتجارب تاريخية متباينة تماماً ، ولا توجد أي وشيجة إضافية تقرن بينهما .
    والغريب أن مؤلفي (الكتاب الأسود) وغيرهم من المولعين بالمنطق الجغرافي لم ينتبهوا إلى ما يجرَّه عليهم مثل هذا الجمع القسري بين كردفان ودارفور من متاعب ، وما يسببه لهم من خسارات سياسية ، ولو أخذنا أمثلة ومن التاريخ القريب فقط ، نجد كم من مرة انتفض الناس في دارفور ضد هذا الإلحاق الاعتباطي ، ففي عام 1980م عندما أصدر الرئيس الأسبق المرحوم جعفر نميري قراره الشهير بإنشاء (الإقليم الغربي)- (وقد ستخدم "الكتاب الأسود" ذات المصطلح على غرار الأقاليم : الشرقي والشمالي والجنوبي والأوسط ) ـ وقرن كردفان بدارفور ،هبَّ نواب دارفور بمجلس الشعب القومي وتصدوا لهذا القرار الجائر ؛ حتى ظفروا في النهاية بقرار آخر يفك الارتباط بين الإقليمين. ولكن يبدو أن الرئيس لم يع الدرس جيداً ويستوعبه بالعمق المطلوب ،لذلك أردف خطأه السابق بآخر أكثر استفزازاً ،عندما أصدر قراراً بتعيين أحد أبناء كردفان ليكون حاكماً على دار فور ، هنا لم ينتظر الشعب في دار فور نوابه في الخرطوم ، وإنما قام بالانتفاضة المعروفة في يناير 1981م وتراجع الرئيس للمرة الثانية وعيَّن أحد أبناء دار فور حاكماً عليها.
    إذن ليس ثمة خصوصية متعينة للعلاقة بين كردفان و دارفور الهم إلا المسافة والمساحة الجغرافية ، وهذه لا تمثل قيمة إضافية لكردفان لتبتز القضارف أو سنار مثلاً في قربها عن دار فور ، لأنه لم يكن الاتجاه الجغرافي يوماً معياراً للجمع السوسيوـ ثقافي بين الأقاليم ، ولان جل نقاط الالتقاء والافتراق تقبع في هذا العمق السوسيوـ ثقافي ؛ فيمكننا تحديد أهم نقاط افتراق الإقليمين في الأبعاد التالية:
    البُعد التاريخي
    من الناحية التاريخية ؛ ظلت كردفان مرتبطة بالدولة السنارية واستمرت جزءاً منها ، منذ نشوء تلك الدولة في منتصف القرن السابع عشر متزامنة تماماً مع قيام سلطنة دارفور ، وقد هرمت سنار قبل دارفور ووهنت علاقات المركز بالأطراف ، مما مكنت عائلة نازحة من دارفور من إنشاء سلطة شبه مستقلة في كردفان عرفت بمملكة المسبعات ، وكانت هنالك صلة واهية وعلاقة اسمية بين دولة المسبعات وسلطنة دارفور ولكنها انقطعت بدخول قوات محمد بك الدفتردار كردفان عام 1821م، وبدء مشروع السودان الشرقي /النيلي ، الذي شمل حتى الجنوب بإنشاء مديرية خط الاستواء وقيام دولة البازنقر في بحر الغزال ، ولكن دارفور لم يكن جزءاً من هذا المشروع حتى غزوة الزبير باشا الجميعابي لها عام 1874م ، وضمها عنوة لذلك المشروع ، وظل أهل دار فور في حالة ثورة دائمة امتدت لربع قرن ؛ حتى تحرروا من الهيمنة النيلية كلياً عام 1899م إلا أن الإنجليز ــ ولحساباتهم الخاصة ــ أعادوا ضم دارفور م للسودان النيلي عام 1916م كآخر إقليم ينضم لهذا الكيان السياسي الجديد .
    إن هذا المكون التاريخي ، تراث القرون الثلاثة من عمر سلطنة دارفور (1650-1916م) ، هو أساس خصوصية هذا الإقليم ، ولا يمكن تصور أي خصوصية لدارفور خارج إطار هذا التراث . ويعي أغلب الدارسين في حقل الدراسات الأفريقية هذه الخصوصية ، ولكن ثمة اضطراب وتباين فيما بينهم حول تعيين تموقع دارفور في الحزام السوداني وفق النسق التقسيمي المعروف لهذا الحزام ،أو بمعنى آخر : أهو من الأوفق جعلها ضمن (السودان الأوسط) أم نعدَّه جزءاً من (الشرقي / النيلي)؟ ويبدو أحياناً كأن الخلاف يساير مشاريع الضم والفك، ولكن المؤكد أن كردفان لم تشهد أي جدال من هذا النوع ، لأنها ، في قرارة الجميع ، جزء أصيل من السودان النيلي .
    البُعد الاجتماعي
    أن اندماج إقليم كردفان في السودان الشرقي /النيلي حقيقة بديهية لا يقبل الجدال ، لان أرض (كردفال)- اسم كردفان بصيغته القديمة- هي بمثابة بادية النيل الغربية ؛ كما هو سهل (البطانة) الذي يمثل بادية النيل الشرقية .ونعني بكردفان هنا شرق وشمال وغرب كردفان ؛ دون جنوبها المعروف بـ(جبال النوبا) ؛وهي منطقة ذات خصوصية حصلت على اعتراف الجميع ، وتم تأطيرها وتقنينها في جميع الاتفاقات التي وقعت بين السلطة المركزية والحركات النوباوية ، متفردة أو متحالفة مع الحركات الجنوبية .
    أما البنية السكانية في الأجزاء الأخرى من كردفان ؛ فهي تتكون إما من عرب أقحاح في القرى والبوادي أو عناصر مستعربة في المدن الكبيرة مثل( الأُبيِّض ، وأم روابة ، وبارا) حيث يقنطها أخلاط من القبائل النيلية (جلابة) وبقايا أتراك ومغاربة وأقباط وتكارنة ..الخ وهي ذات السمة الديموغرافية التي يتميز بها عموم المدن النيلية .
    إن التميز والخصوصية الاجتماعية عادة ما تكون حساً شعبياً تسري في مفاصل المجتمع أفقياً ،وليس وعياً نخبوياً ينزل من علٍ، وهو سبب ـــ فيما نعتقد ـــتبدد أصوات بعض النخب الكردفانية ،التي تحاول خلق التميز من العدم ، في البرية سدى وبلا صدى . إنه حس التميز والشعور بالخصوصية غير متوفر كلياً في المجتمع الكردفاني لأنه مستوعب بالكامل ، ثقافيا ووجدانيا ، في الكيان السوسيوــ ثقافي المركزي (النيلي) . كنت الحظ واستعجب للغضب والحنق الذي يعتري بعض الأفراد من دارفور تجاه ما يسمونه بـ( تقاعس أهل كردفان في المشاركة في "الثورة" رغم أنهم مظلومون مثلنا ) !. أنهم أناس لا ينظرون إلى القضية إلا من أسطحها البرانية ،ويجعلونها محض ظلامات سياسية و مطالبات تنموية ، ويذرون ، أو يتجاهلون ، بعدها السوسيوـ ثقافي المعمق . وكان الدكتور منصور خالد بارعا في تعريفه لمصطلح "الشماليين" عندما قال :" أعني بالشماليين العناصر المسيسة التي تعيش في المراكز الحضرية وشبه حضرية في الشمالية والخرطوم والوسط والجزيرة والنيل الأزرق والأبيض وكردفان"(
    إن الفرد الكردفاني لا يستسيغ أن ينعت بـأنه (الغرابي) ، و لا يميل إلى التميز عن المحيط الاجتماعي النيلي ، ولا يخجل أو يرى خللا في ارتباطه الوثيق بمنظومة الثقافة النيلية ؛ بل هو محق عندما يرى الخلل في محاولة دفعه للاتجاه غربا ، وتوطينه في مجال ثقافي مغاير
    حدثني من أثق في قوله إنه في العهد المايوي عقد بمدينة كادقلي في جنوب كردفان مؤتمراً تداولياً عن (تفعيل الموارد الذاتية للأقاليم ) وعند استعراض التوصيات تقدم أحد المسؤولين من كردفان اقتراحا غربياً وهو أن يتبرع إقليم كردفان بملغ مليون جنيه لدعم موازنة (الإقليم الشمالي) قلت-يقول محدثي-لأقرب جلسائي ماذا يحدث؟ردّ عليّ قائلاً " يا زول ذبذبة ناس دارفور دي ماعوزنها ! قروشنا وأديناها للشمالية أنت مالك؟!" قارن هذه الحادثة بالغلط الذي حدث عندما تبرعت حكومة ولاية دارفور بملغ 500مليون جنيه للصندوق القومي لدعم الشريعة!.
    البُعد الثقافي
    يمثل الفلكلور والتصوف معا أهم ركائز (الثقافة السودانية) إذ تتجلى المظاهر الفلكلورية أكثر في الثقافة الأطراف في صور من الموروثات المادية مثل الأزياء والمنتجات الحرفية أو غير المادية مثل الأغاني والحكايات ، بينما بنيان الثقافة النيلية هو (التراث الصوفي)الذي يسيطر على جميع جوانب الحياة الثقافية ومن هنا يمكننا أن نحدد نقطة الافتراق الثقافي بين كردفان ودارفور حيث تنتشر الطرق الصوفية في كردفان وتنعدم في دارفور . ولعل من أوضح نقاط الافتراق الثقافي ما يتجلى من تباين في وظيفة مؤسسة (الخلوة) في كل من الإقليمين، إذ تقوم الخلاوى في دار فور على التجريد الكلي ولا وظيفة أخرى لها إلا تحفيظ القرآن الكريم بينما وضع الخلوة في كردفان مختلف كلياً ومماثل تماماً لأوضاع الخلاوى في الأقاليم النيلية حيث يركزون على تعليم الصبية المدائح النبوية والأوراد الصوفية ولا يعرون اهتماماً كبيرا بتحفيظ القران الكريم وتدريس الفقه .ويعرف الناس عن الخلاوى الكردفانية مثل خلوة الشيخ البرعي بـ(الزريبة) وخلوة الشيخ عبد الله ود العجوز بـ(الرهد) وخلوة الشيخ محمد أحمد أبوعزة بـ(ود عشانة)..الخ بأنها معاهد تخرج فرق المتصوفين والمداحين وأكثر من تخريج الحُفاظ و الوعاظ .
    ولغياب الطرق الصوفية ،لم يلعب التصوف أي دور في تشكيل العقلي والنفسي للإنسان الدارفوري ولم تساهم في تكوينه الثقافي ، باستثناء (الطريقة التيجانية)ــ وهي من أقل الطرق طقوساً وأقربها للمذاهب الشرعية ــ التي يتبعها بعض سكان المناطق الحضرية الذين احتكوا بالثقافة (النيلية /الكردفانية ) ؛ من الصعب أن تجد شخصا في دارفور يمكنه فقه الأوراد الصوفية أو تذوق فن المدائح النبوية ، وبل قد تصاب الغالبية بالذهول إذا علمت أن النيليين والكردفانيين يعتبرون هذه المدائح جزء من (الثقافة الدينة).
    يروى في هذا الإطار أن رجلاً أتى من دارفور إلى وسط السودان ودخل أحد مساجد فإذا بقوم (يرقصون) حول أحدهم يضرب بالدف فخرج صائحا يتساءل: يا إلهي لماذا يلعبون النقارة في الجامع؟! إن (العرضة) التي يؤديها المتصوفة في المناسبات الدينية ويؤديها بعض كبار المسئولين في المناسبات العامة ويتجاوب معها الجماهير النيلية والكردفانية يصعب على الإنسان الدارفوري العادي أن يستوعبها لأنه لا يلحقها برموز دينية أو سجايا فروسية لأن هذه المجالات -وفق ثقافته- جادة لا (لعب) فيها ولا (رقص).
    وللارتباط الوثيق بين المدائح النبوية والأغاني السودانية الحديثة أصيبت الذائقة الفنية في دارفور بالكساح والإعاقة الدائمة لأنها غير قادرة على تجاوز سطوة سلطة الثقافة النيلية ولا تستطيع الإندماج والتثاقف معها لضعف الآليات والميكانيزمات الدافعة والجاذبة نحو الاستيعاب الكلي كما جرى لأهل كردفان ،وهو السبب المباشر في عدم بروز أي مطرب مشهور على المستوى القومي من دارفور ، لأن جل الفاعلين في هذا الميدان ، من المؤلفين والملحنين ، يستقون نصوصهم المغناة من تمثلات الثقافة النهرية و مرموزات الموروث التاريخي النيلي ، ولتلبية المطلوبات الفنية التي تتوافق مع التكوين النفسي والمزاجي للكلية الوجدانية (الذائقة) النيلية . ويمكن ملاحظة كثير من هذه المفردات تتمظهر حتى في السلوك اليومي العادي . وهو أمر الذي استوقف حتى مؤلفي(الكتاب الأسود) إذ هاجموا المسؤولين الذين يسقطون رموز ثقافتهم على لغة (العمل العام) التي يجب أن تكون محايدة وذلك في بقولهم : "حلفان بالطلاق وكذلك بحياة الشيخ الفلاني"!.
    يقول مؤلف (الكتاب الأبيض)-الذي ألفه رداً على (الكتاب الأسود) -" إنني أعرف كثيراً من الفنانين والفنانات درجة أولى من أبناء الغرب يسمعوننا كثيراً من الأغاني التي تعكس ثقافة الغرب وكذلك يتغنون بأغاني الأقاليم الأخرى وأنا أعرف أيضاً كثير من الفنانين الذين هم ليسوا من الغرب يتغنون بأغاني من الغرب". ومن الواضح إن هذا المسكين قد وقع في شرك قرن دارفور بكردفان وهو لا يقصد إلا فنانين من كردفان حيث لا يختلف الإيقاع ولا النغم عن الأغاني النيلية إلا في النسبة .
    والمؤسف أن يقع صحفي في قامة عبد الله آدم خاطر في نفس الشرك عندما يقول " .. بحكم الاهتمام الثقافي والانتماء للغرب سعدت جداً ما جرى بين المطربين (عبد القادر سالم وعمر إحساس) استطاعا (...) أن يحسنا تقديم ثقافتنا في الغرب كمعادل قومي في مجال التطريب العاطفي (...) بعد تقديم مداخلات غنائية متنوعة إن العطاء الثقافي بين الغربين الأوسط (كردفان ) والأقصى ( دارفور) متكامل وخطوط التناغم بينهما واضحة" . ومن الواضح أن الكاتب هنا يتحدث عما يعرف بإيقاع (حزام البقارة)، وهو إيقاع قائم بذاته ، ويصعب اعتباره رابطاً أو جامعاً لثقافتي دارفور و كردفان ،وليس ثمة شيء يمكن تسميته بـ( ثقافة الغرب). ويقيني أن كثيراً من الباحثين الأكاديميين المتمرسين عندما يستخدمون مفهوم (ثقافة غرب السودان ) أنما يقصدون ( ثقافة دارفور) ، مثلاً عندما يقول الباحث الفلكلوري المعروف حاج بلال عمر( من جامعة الخرطوم) : "ثقافة غرب السودان (...)لا يمكن القول إنها ثقافة عربية إسلامية(...)على الرغم من أن سكان تلك البقاع مسلمون ،فيهم مسلمون عرب ومسلمون غير عرب وهؤلاء وأولئك لديهم سمات هي خليط من العربية والأفريقية مما أوجد ثقافة نصفية ويمكن أن نتحدث في الغرب عن (الإسلام الأفريقي)" .ولا نتصور أن باحثاً ضليعاً مثل حاج بلال يخلط المفاهيم إلى حد يصف الإسلام في كردفان(بدون جبال النوبا بالطبع) بأنه (الأفريقي ) ، إذن ، هذه الوصفة لا تنطبق إلا على دارفور ولا تتوفر أي من السمات المذكورة في الفضاء الثقافي الكردفاني .
    صفوة القول ، إن هذا الالتباس العظيم في مدلول مفهوم( غرب السودان) قد ساهم في انخفاض القيمة العلمية لأطروحات (الكتاب الأسود) وعملياً قد أضر الربط بقضايا الإقليمين معاً ،في حالة دارفور مثلاً فإن اختزال اسم مملكة عاشت أكثر من ثلاثة قرون ومازال إرثها الحضاري حي في القلوب وحاضر في الأذهان إلى مجرد اتجاه جغرافي غير محدد المعالم أدى إلى تمييع قضاياها العادلة وتعويمها مع القضايا الوطنية العامة التي لا تتمتع بأي ميزة إضافية . وقد بذلت الحركات المسلحة في دارفور ــ خاصة (حركة العدل والمساواة) التي تضم عدداً من مؤلفي ( الكتاب الأسود) ضمن قيادتهاــ جهودا خارقة لنقل الحرب إلى كردفان ــــ محاولة تأسيس حركة مسلحة باسم (شهامة) في مناطق المسيرية ، والهجوم على الميرم والغبيش وحمرة الشيخ ..الخ ـ ولكن كلها باءت بالفشل الذريع لأن الحاضنة الاجتماعية الكردفانية ليست غير متوافقة مع الأطروحات الدارفورية فقط بل هي معادية لها، لذلك وقفت سدا منيعاً أمام كل تلك المحاولات اليائسة .























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de