شدتني صورة تلك الكنداكة التي ألتقطت لها بالصدفة من أحد المارة وهي تحمل علم السودان وتسير بمحاذاة سور القيادة العامة بعد الإعلان عن التوصل إلى إتفاق المرسوم الدستوري ، برغم المحاذير المحيطة بالوصول إلى ذلك المكان .. كنت أتعجب وما زلت عن هذه الحالة الوجدانية التي تلبست شبابنا السوداني وهو يترقى في عشقه العنفواني لثورته التي صنعها بأيديه وبذل لها الغالي والنفيس .. إن ما يدعو للدهشة والعجب في آن واحد هو ذلك التعلق الخرافي بهذا المكان أي القيادة العامة تعلقا يصل حد الشغف وكأنهم ولدوا فيه .. لقد فعل هذا الشيء من قبل مجموعة صغيرة من الشباب بعد أيام قلائل من مجزرة القيادة في 3 يونيو .. جاءوا عند الصباح حاملين أعلامهم وبدأوا في هتافاتهم واستمروا فيها زمنا ليس باليسير .. ليؤكدوا بأنهم لم يقهروا وأنهم وبرغم كل ما حدث جاهزين لتلبية نداء الوطن .
إن هذا العشق الذي لا أعلم إن كان يصح أن نطلق عليه (متلازمة القيادة) قد أصاب بأعراضه الجميع فها هو الشباب وبرغم كل ما حدث يعلنون عن رغبتهم في أداء صلاة عيد الأضحى هناك ، ربما وفاء للشهداء الذي دفعوا حياتهم ثمنا لهذه الثورة وهو طلب ربما يصعب الإستجابة له في ظل الظروف الحالية ، لكنه يؤكد أنهم يفكرون بصوت عال ولا يهابون .. إن ما فعلته الثورة بهذا الشباب شيء خرافي لم يحدث من قبل .. شيء أشبه بالمس .. لقد تملكت الثورة وجدانهم وكيانهم فلم يعد يبالوا بشيء أو يخشوا شيئا سوى أن يبلغوا بثورتهم إلى غاياتها . لقد سطر هؤلاء الشباب فصلا خالدا في تاريخ هذه البلاد وأناروا الطريق للأجيال القادمة ويحق لهم أن يفخروا بذلك .. لقد كانت ثورتهم أشبه بالبركان المتجدد الذي كلما ثار أضاء الفضاء بوهج أكبر ، وكأنهم يفجرون الغبن والظلم الذي تراكم على الآباء والأمهات طيلة الثلاثين عاما الماضية ومع كل هذا البركان تفجّرت كل ينابيع الإبداع لديهم في الغناء .. الشعر .. الأدب ..الرسم .. التشكيل ، الخ.. إنها ثورة يصعب تحجيمها فالمارد لا يمكن تحجيمه حينما يخرج من القمقم .. لقد أهدى لنا الأمريكي هوتي نيوتن مقولة وافية في وصف الثورة تغني عن كل قول : ((يمكنك أن تسجن الثائر ، لكن ليس بمقدورك أن تسجن الثورة )) !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة