انتصرت ثورة ديسمبر المتفردة ، باستخدام رائع لشعار السلمية . وقد تمسك به الثوار بتصميم برغم النسبة الشبابية العالية بينهم والتى كان يظن انها ستميل الى العنف وغيره من المميزات الطبيعية للانسان فى مثل هذا العمر . كذلك استمر هذا الأصرار حتى بعد مجازر فض الأعتصام وماقبله ومابعده بالسوكى والأبيض وأمدرمان . ومن الجانب ألآخر فقد استمرت الاستفزازات من طرف ألمجلس العسكرى مجتمعا وكافراد بصورة مستمرة وباصرار يدعو للتعجب . ومن أمثلة ذلك الأعلان الصحفى الذى تفضل به الفريق كباشى معلنا على الملأ اشتراك المجلس مجتمعا ،بل وبحضور رئيس القضاء والنائب العام للاستشارة القانونية ، فى اتخاذ قرار فض الأعتصامات ، ثم التراجع عن ذلك بأن المقصود هو منطقة كولومبيا . وقد اثبت اكثر من دليل صحة اعلان الفريق ، غير أن لجنة النائب العام ، التى نفى رئيس المجلس تبعيتها لهم ، قد حاولت أثبات أن المجلس لاعلاقة له بفض الأعتصام . فهل هناك استفزاز أكثر من ذلك لأسر الشهداء وزملائهم الثوار، بل ولعامة شعب السودان ؟! كذلك بالنسبة لحادث الأبيض ، الذى حاول رئيس المجلس اثناء الرد على سؤال حوله ، أن يوجد سببا يبرر قتل الأطفال بالزعم بأنهم قاموا بمداهمة البنك وسرقة بعض محتوياته وان أدارة البنك قد ابلغتهم بذلك! فأى استفزاز أكثر من ذلك لكل من يستمع لمثل هذا القول ؟! الأعجب فى الأمر أن هذه التصريحات والأعلانات والأقوال تتبدل حسب الظروف والأحوال التى تصدر فيها. فاليوم مثلا ، مع الأجواء الأيجابية فى أمر التفاوض بين المجلس وقوى الأعلان ، صرح الفريق كباشى بأنهم اتخذوا عدة قرارات واجراءات لتفادى تكرار ماحدث بالأبيض ، ومن ذلك القبض على الجناة من جماعة الدعم السريع – وليس من المندسين لأول مرة !- وانهم سيقدمون للمحاكمة ، الى جانب مساءلة والى شمال كردفان والجهات الأمنية ..الخ . وبالطبع فأن هذا شئ ايجابى ولا يقع تحت دائرة الأستفزاز للثورة وأهلها . هناك بالطبع تفسير لتناقض المواقف من نفس المجلس بالأستفزاز أو عدمه ، بل ولتغير موقف المجلس بشكل عام تجاه قوى الاعلان فى مابعد أحداث الأبيض والأنقلاب الأخير المنسوب لجماعة النظام المخلوع رئيسه . والتفسير عندى يرجع الى تأكد المجلس من تحرك النظام البائد بكل كياناته فى محاولة للعودة ، وأن نجاح عودته ولو لساعات سيكون وبالأ على المجلس وخصوصا على نائب رئيسه . وفى هذا بالطبع سبب اكثر من كاف للتقارب مع قوى الأعلان ، ولو بشكل مؤقت وسريع ، لمجابهة العدو المشترك المباشر . اذا كان هذا تفسير معقول للتقارب، فماهو التفسير لتناقض المواقف ؟ أعتقد أنه يرجع الى اختلاف الرؤي بين حميدتى من جهة وبقية أعضاء المجلس الذين يمثلون النظام البائد . فمواقف حميدتى تنطلق من طموحاته وارتباطاته الخارجية وخوفه من عودة النظام القديم الذى لن يتردد فى الأخذ بالثار منه كخائن بائن . ولكن تناقض مواقف الأعضاء الاخرين يجد تفسيره فى انهم يضعون رجل فى مركب النظام البائد وأخرى فى طوف من قد يأتى من نظام نتيجة المفاوضات مع قوى الأعلان . ولعل فى الحماس ألأخير للوصول الى اتفاق مع القوى، مع ازدياد التخوف من احتمال نجاح تسجيل هدف من طرف النظام القديم ، مايفسر تناقض المواقف المشار اليه . الحقيقة ، ان مادفعنى لكتابة هذا المقال وعنوانه ، هو الأستفزاز الشديد الذى سببته رؤية موكب السيد الرئيس – المخلوع – وهو ذاهب لوداع الوالدة الى مقرها الأخير : زفة من الدراجات الناريه والسيارات وعدد من الوجهاء من القطاع العام والخاص الأنقاذى الذي لايزال، بغضه وغضيضه، يمسك بكل شئ ، ثم الهتاف بعودة الرئيس " الراجل ". وطبعا للهتيفة حق لأن عودة الرئيس تعنى محافظتهم على ما أكتنزوا من سلطة ومال حرام ، وربما يكون للمجلس العسكرى خيار فى منح الرئيس المخلوع حق انسانى ، غير أن ذلك لايصح ولايعقل أن ينفذ بهذه الطريقة المستفزة لملايين البشر الذين قتلوا وعذبوا وجوعوا وسرقت أموالهم طوال ثلاثين سنة من نفس هذا الشخص الذى كان من المفروض أن يكون قد حوكم خلال اربعة أشهر مضت منذ تنحيته من الحكم ، غير أن نظامه الموجود بكامله يحول دون مجرد البدأ فى محاكمته على الجرائم الكبرى وليس حيازة "فكة "! وسؤال للمجلس الذى سمح بمثل هكذا استفزاز المهين للملايين : ماذا كنتم تتوقعون ان يحدث لو ان صبيا قتل والده ، القى بحجر نحو سيارة الرئيس " العائد ..عائد "؟! وبمناسبه هذا الأستفزاز الشديد الأخير ، حكى لى أحد من طالتهم تجربة بيوت الأشباح الكريهة ، أن والدته توفيت الى رحمة الله ابان تلك التجربة ، وانه ابلغ بعد مضى ثلاثة ايام ، وبالطبع لم يسمح له بغير تلقى العزاء من زملائه المعتقلين !
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد المنعم عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست