أعتقد أن الأشهر الماضية قد ألقت بثقلها على الشعب. لقد أدرك أخيرا أن: ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ترضى الكلاب بما يتغوط الأسد. لقد ابتدأ الشعب ثورته بطموحات كبيرة جدا ، محاكمات وفساد وجرائم حرب وابادة جماعية ورد المال والذهب المهربين إلى أحضان الدولة ليرفل الشعب في النعيم. الثورة كانت قد تحركت وهي تتخيل صورة الكيزان معلقين من رقابهم على المشانق ، ورويدا رويدا بدأت الأحلام تذوي والطموحات تتقلص حتى بلغنا مرحلة القبول بأي شيء المهم أن نخلص من هذه التراجيديا السوداء. لا الكيزان علقوا في المشانق ، ولا الأموال المسروقة والمهربة للخارج أستردت ، بل ولا حتى عقارات وأموال الإسلاميين التي داخل الدولة تم المساس بها. وفوق هذا لم نعد نسمع تلك الصيحات عن محاكمات بجرائم حرب وابادات جماعية في النيل الأزرق ودارفور وغير ذلك من خزعبلات. لقد ألقى الشعب كل أوهامه تلك وراء ظهره وأصبح اكثر واقعية ومنطقية ، وهو يرى من قادوه إلى هذا المنحدر يتنازعون أمرهم بينهم من يحصل على أكبر حصة بالشراكة اليوم مع أعداء الأمس. عاد كل شيء إلى ما كان عليه. إن التغيير الوحيد الذي حدث هو ببساطة: (لقد ذهب البشير)... فقط.. لا غير.. ولا شيء أكثر من ذلك... لكنني لست باخعا نفسي على ذلك ، فقد اختار الشعب تلك القيادات غير المؤهلة وغير المتمكنة لتقود أمره ، معتمدا على انطباعات بائسة مؤسسة على الأشكال الوسيمة والبيانات الوهمية المضللة والوطنية الزائفة. وقد قيل في الأمثال بأن الوطنية للأغبياء والوطن للأذكياء. رغم أننا قلنا دائما أن تجار الثورات أخطر من تجار الأديان. وهكذا استقرت الأمور ولله الحمد من قبل ومن بعد. وأما الذين هلكوا فلله أمرهم لا يلتهم من أعمالهم من شيء وليس الله بظلام للعبيد. المهم الشعب الآن يخرج والصورة غائمة أمام بصره ، لا يعرف ماذا يدور من خلف الكواليس ، ولا يملك لنفسه شيئا فقد احرق سفنه من خلفه وأصبح معتمدا على الأمل في أن يعتدل العود المعوج بمعجزة إلهية ، ويبدو أن زمن المعجزات قد انتهى. منذ عام 2005 والذي فيه بدأت تحقيقات أوكامبو حول جرائم الحرب وحتى آخر شهر للبشير في الحكم ، كان تهديد البشير وصحبه بالمحاكمات في لاهاي حجر عثرة أمام تنازله السلمي عن الحكم. ولذلك وقبل شهر فقط من الثورة ظهر مندوب الولايات المتحدة الأمريكية واجتمع بالبشير وقوش و(قيل) رئيس حزب سياسي معروف. وتم الاتفاق على تنازل البشير عن السلطة مقابل انهاء التهديد بالمحاكمة بجرائم الحرب (كتبت عن ذلك في وقته). ويبدو أن البشير قد حمى أصحابه أيضا وتم غلق ذلك الملف بالضبة والمفتاح. ولكن وحتى لا تكون تلك القضية شغلا شاغلا للشعب تقرر تغيير المخطط لتتم عملية تنازل البشير عن السلطة بشكل احترافي جدا. وذلك من خلال عملية ولادة قيصرية يلد فيها الشعب جنين طموحاته مشوه الخلقة ومتقلص الحجم ومتقزم الطول ، وهكذا بدأت رحلة المخاض الطويل حتى آتت أكلها في هذه اللحظة ، هذه اللحظة التي رأينا فيها اتفاقيات تجاهلت كل مطالب الشعب التي انطلقت الثورة من أجل تحقيقها وانحصرت الاتفاقيات حول تشكيل (لجان تحقيق) حول الجرائم (منذ فض الاعتصام). وهكذا تم تجريف الماضي بقضه وقضيضه وتنفس الجميع الصعداء ويا دار ما دخلك شر. فمن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار البرهان فهو آمن .. ومن دخل دار الشيوعيين فهو آمن.. ومن دخل دار قوى السخرية والتجهيل فهو آمن.. ومن دخل دار أم بادر .. فيا حليلو.. غايتو الكيزان.. أبالسة .. في جلد بشر...
العنوان
الكاتب
Date
يبدو أن البشير أفلت من جرائم دارفور بقلم د.أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست