(حين اسمع من الشيح عبد الحي يوسف طعنه في إسلام ثوار الاعتصام بجعله "الدين خط أحمر" بوجه حراكهم للتغيير أرجع بالذاكرة إلى أيام سلفت سبقناه إلى هذا القول في وجه سلطان جائر. وهذه كلمة في المعنى نشرتها في عمودي الراتب "الذي يصلحك" بصحيفة "الصحافي الدولي" التي أصدرها الدكتوران خالد التيجاني ومحمد محجوب هارون). شدَّدت الإنقاذ على أنها لا تنوي فصل الدين عن السياسة وأغلقت باب النقاش في هذا الأمر بالضبة والمفتاح. وبدأ لي أن الإنقاذ قوية الاعتقاد بأن سنوات حكمها العشر هي تنزيل حق للإسلام في الحكم برغم اقتناع الكثيرين، ومن بينهم إنقاذين إسلاميين، إن في الأمر على الأقل قولان ولم أملك في وجه "دق جزيم " الإنقاذ أن حكمها فينا هو الإسلام غير مراجعة نفسي وتعنيفها لأنه ربما كنا نحن الذين لا نعرف كيف نحكم بالإسلام. وقد وصلت إلى هذه الفكرة الجذرية عملاً بنكتة مصرية. فقد انزعج ركاب أوتوبيس من الطريقة الجاهلة أو المستهترة التي قاد بها السائق الحافلة. فقد ظل يرتكب مخالفة حركة بعد مخالفة وسلم الله وستر. ولم ينبس الركاب ببنت شفة خوفاً من السائق الذي بدا مفتول العضلات، عريض المنكبين وله شوارب تقف عليها جوارح الطير. غير أن الغضب تملك أحد الركاب ووجد نفسه يقول للسائق: ما تسوق عِدل يا جدع.
فالتفت إليه السائق ونظر إليه شذراً حتى قذف بالرعب في قلبه. فتراجع الراكب بصورة غير منتظمة متكبكباً قائلاً: آه، والله نحنا يمكن الما بنعرفش نركب.
إذا قلنا للإنقاذ ياناس احكموا بالدين كويس قالوا لنا وقد نظروا إلينا شذراً مستعرضين عضلات السلطة والصوت العالي: " لا إنتو الما بتعرفوا تتحكموا بالدين كويس ".
قد تظن الإنقاذ أن ترحيبنا بما صدر عنها عفواً من استعداد لفتح ملف الدين والدولة هو شماتة ممن تتهمهم برقة الدين. غير أنني ألتمس منهم أن يسمعونا جيداً هذه المرة لأن الوقت في غير صالحنا جميعاً: من كان دينهم غليظاً ومن كان دينهم رقيقاً. فإنني ما اقتنعت في عمري في العمل العام لأربعين عاماً ونيف بضرورة الدين في الحكم مثل اقتناعي به بعد تجربة حكم الإنقاذ. وشهد الله العظيم ونبيه الكريم لولا دين الأمة المسلمة في الوطن لتطاير هذا الوطن شعاعاً ولتفرقنا أيدي سبأ. ولولا برها بالرحم، الذي هو تمكين الدين في البيولوجيا، لطاش صواب الناس من الفقر والإفقار فوق ما نرى، ولتضاعف الطلاق بين الأسر فوق ما وقع، ولباع الناس عفشهم وما هو أثمن من ذلك بفوق ما يتواتر. وشهد الله لولا صبر الناس، والصبر ضل النبي، على ابتلاء الإنقاذ لانتهينا إلى درك من الفوضى والقلع والتبذل. لقد أقمتم يا هؤلاء دولة للأغنياء بيننا. لقد تطاولتم في البنيان واستعصمتم بالدشوش والليليات العلويات، وطفحت أنهر الصحف لسرقة المال العام من رجال لم يزكهم للمنصب العام غير المظنون من حسن دينهم والله ثم والله لولا أن هذا الدين مركوز في نفوس شبابنا لتخطفنا الناس خطفاً بعد أن ألقيتم بنا في التهلكة، واليتم الكفار وقبلتم شروطهم في الخصخصة وغيرها.
تنسى الإنقاذ شيئاً هاماً وهي تعيد وتكرر علينا تمسكها بالثابت من وصل الدين بالسياسة. تنسى الإنقاذ، أنها، ولا غيرها، هي التي أخرجت السياسة عن الدين. فليقرأوا نصح الناس لهم يردونهم عن إثم السياسة الحافة إلى جادة الدين بالآية والشكلة والحديث والموعظة الحسنة. فهم ربما لا يعتدون بالنكات الدائرة عنهم منذ زمان تنعي تفريطهم في الدين وإقبالهم على السياسة والدنيا مثل قول أحدهم تابعنا الشيوعيين كرَّهونا الدنيا، تابعنا الإخوان كرهونا الآخرة. غير أن الإنقاذيين سمعوا بالتأكيد شيخهم المخلوع الذي ظل يقول منذ واقعة رمضان أن الإنقاذ خلو من الدين لتورطها في السلطان بشهوة محضة للحكم. وما أظن د. الترابي وهو يروج هذه الإدانة للإنقاذ، في ندوات شتاء سخطه، أنه هو الفرقة الناجية. وهيهات. ولولا خشية المبالغة لقلت إن الذي ينبغي لمسلمي السودان عمله الآن هو أن يستردوا الدين إلى السياسة، وأن يجعلوا الدولة تتوب إلى الواحد القهار، بعد أن تشردت في الملك العضود في ظل الإنقاذ. فمنذ عقد من الزمان والإنقاذ تلحد بلسان أعجمي في أمر الدين والدولة معاً.
وكما تقول الوالدة إذا هالها الأمر: الحمد لله تسوق الحمد لله تسوق الحمد لله.
العنوان
الكاتب
Date
الإنقاذ هي التي فصلت الدولة عن الدين بقلم عبد الله علي إبراهيم
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة