بعد توليك زمام الحكم لثلاثين عاما ؛ وبعد معاناة دامت لمدة ثلاثين عاما ، وبعد ان انهكت حياتي ودمرت أي رابط نفسي بيني وبين هذه الرقعة الأرضية القابعة في قلب أفريقيا حتى أنني لم أشعر حتى بطعم نهاية حكمك... أشير لك بالآتي:
أولا: باعتباري أخا لك ولباقي سكان هذه الرقعة البائسة في الانسانية أنبه سيادتك الى الآتي: منذ أن بدأت عملية الاعتصام الأخيرة قبل اربعة ايام تقريبا. تأكدت تماما نهاية حكمك حيث أصبحت أنت في واد والشعب كله في واد ومن حصافة المرء أن يعرف أنه قد حان الوقت لتلقي الحقيقة حتى لو كانت شديدة الكآبة... أشعر بك أكثر من نفسك فقد غرست الكآبة في أغلب ابناء جيلنا الذي تفتحت عيونهم على مأساة استيلائك على الحكم...وفي ذلك الوقت سيطرت وفوقك الترابي والاخوان المسلمون على السلطة. وبدأت في ملاحقتنا ونحن في خداجة النضوج فمنا من خطف وألقي به في أتون حرب زعمتم دينيتها وقداستها وهم لا يعرفون كيف يفكون السلاح ولا يعيدون تركيبه ، ومنا من قتل في معسكرات التدريب كالعيلفون وغيره. ومنا من وقع اسيرا لبيوت الاشباح ومنهم أصدقاء اعرفهم وأتذكرهم لم يبلغوا العشرين بعد من أعمارهم في ذلك الزمان تم اقتلاع أظافرهم بالزردية أو اغتصبوا فجن منهم من جن وانتحر منهم من انتحر. وبعضنا آثر الفرار من القمع فهجرنا هذه الرقعة البائسة ، وهاجر معنا ربيون كثيرا هم أهل كتاب بعد أن لاحقهم زبانية المتأسلمين تفريقا بين الناس وتنكيلا لا تراعي لنا ولا لهم إلا ولا ذمة. قتل من قتل وشنق من شنق وعذب من عذب وفر من فر وهاجر من هاجر. فجعلت نهارنا أسودا مدلهما قاتما بائسا. واستمرت حقب الزمان تتبادل تداولها بين الناس إن هنا حيث مكثتم ووطدتم شوكتكم أو هناك في المهاجر خلف المحيطات فاعتاد المنفيون ثلوجا لم يعهدوها وموسيقى لم يسمعوها وعالما غرائيبا اندمجوا فيه ومن خلفهم شعب مدفون كديدان الطين ، لا يعبره الزمان أبدا. فماذا حدث؟ أخبرك بما حدث وأخاطب انسانية فيك لم أرها أبدا. لقد اتسعت الفجوة الثقافية بين المنفيين في الخارج والمنفيين في الداخل. فألسن المنفيين وراء البحار لم تعرف ما طرأ من مفردات في ألسن الأجيال اللاحقة. وابناؤهم لم يترعرعوا في مفاهيم وتراث جذورهم. وربما لو عادوا لما تلقاهم الشعب المنفي في الداخل إلا كما تتلقى البهائم من لا يشبهها بالتهميش والنبذ وربما النطح. هذا أقل ما جنيته على هذا الشعب وهو أكبر من القتل لو كنت من العالمين. ثانيا: عدنا كما عاد البعض فلم نجد في دولتك تغييرا يذكر سوى المزيد من البؤس والقمع والاقصاء والقتل والموت بل وفوق هذا وجدنا أنفسنا مغتربين عن الواقع اغترابا لا يعلمه إلا المنفيون وأهل الكهف الذين استيقظوا في ذات الأرض بعد ثلاثمائة عام ولكن في مجتمع آخر لا يشبهونه ولا يشبههم. ففضلوا العودة لكهفهم مستسلمين لموت ينسيهم ذلك الكابوس الذي عاشوه بعد يقظتهم وليس في منامهم لقرون عددا. فمنا من فضل العودة للمهاجر ومنا من بقى محاولا التأقلم مع بؤس دولتك ما استطاع فما استطاع إلى ذلك سبيلا إلا بشق الأنفس وهم يطيقونه بلا فدية ولا عدة من حقب أخر.
ثالثا: الأخ في الانسانية إن كنت تتمتع بهذه الصفة حقا ، توافدت جموع الشعب مخالفة ما كانت وكنا نظنه جبنا وخمولا وخوفا من زبانيتك .. وارتكزت كجيش أعزل أمام سلطان جائر باطش وأعلنت رفضها لك... خامسا: أو سادسا او رابعا لا أذكر: منذ أربعة أيام انتهى أمر حكمك... ليس بفضل الشعب ولا بفضل أحد وإنما بفضل الله وحده الذي قضى بأمره أن تزول... وقضى ميقات الأجل وإذا قضى أمرا قال له كن فيكون...لقد انتهى حكمك بسرعة تذهل من رأى موت أهله في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والمناصير والشرق وجنوب السودان وخلافه حين يشاهد الطفل أمه تلفظ أنفاسها بعينين مفتوحتين نصف فتحة وقد خبا نورها ؛ ومن رأى ابنه وأخاه وشقيقه وأخته يزفرون نفسهم الأخير ويسلمون أرواحهم للقدير منطفئين وكأنهم لم يكونوا من قبل شيئا مذكورا. انتهى حكمك ومضت بضعة أيام لازلت أرى انك تقاوم وتقاوم بأن تقتل وتقتل وتقتل ، وهذا ليس من شيم الرجال ولا من شيم الإنسانية في شيء.. بل هي من شيم الجبناء أو المختلين عقليا. حينما يقرر المخبول الدفع بكل أسلحته في مواجهة شعب بأكمله فهذا جنون وكلاحة في العقل. سابعا او ثامنا لا أذكر ولا أريد أن أذكر فاداحسب إن كنت من العادين: لقد انتهى أمرك السيد الفريق البشير. فالشعب كله صار في كومة وأنت وحدك في كومة.. فمتى تفهم كما فهمها زين العابدين بن علي فكان من العاقلين. إنما الدين النصيحة ؛ والنصيحة أن تتوقف عن قتل مزيد من الأبرياء في معركة خاسرة..انتهت تماما وليكن خروجك مشرفا. وإني أرى أيها الأخ في الانسانية أن أشرف ما يمكن أن يحمي كرامتك الآن هو أن تذهب إلى لاهاي طوعا لا كرها...قد أنساك الله نفسك وهنالك في تلك الأيام تنسى. إن أدنت فسجونهم طيبة الرائحة فسيحة ونظيفة أكثر من دولة عبقتها برائحة البارود وجثث الموتى والمرضى والعطالة والبطالة والعوانس من الرجال والنساء اترابا وأبكارا. انتهى حكمك فلا تهرق ما بقى من ماء وجهك بمزيد من الجثث واترك هؤلاء الشباب ينعمون بحياة يذوقون فيه ما حرمتنا منه .. ماء طيبا وبلدا طيبا وخيرا كثيرا لا مقطوعا ولا ممنوعا. أما نحن... فمثلك منفيون إن كنت ستنفى كما نفيتنا قسرا وقهرا من قبل .. فلا زلنا منفيين.. ومن سيعودوا من منافيهم من بعدك سيجدوا أن أعماق بحارهم التي اعتادوا على تنفس أكسجينها المذاب فيها أسهل وأهون وأرفق من محاولة الاعتياد على التنفس خارجها هاهنا. فإن استطاعوا فلن يستطيع ابناؤهم ذاك إلا من أوتي العزم فيهم. ارحل أيها الأخ في الانسانية.. ولا أخاطبك -كما أسلفت باعتباري مواطنا- فقد اعتدنا نحن جيل الثمانينات على العيش بلا وطن - ولكني أنصحك نصيحة أشفق بها على قتل مزيد من الشباب بلا معنى ولا هدف.. فلتستمت في الدفاع عن نفسك ولكن بالقانون وليس بالقتل..فأنت تغرق نفسك بذلك في مزيد من أدلة الإدانة. وكان الله من وراء القصد..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست