الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة اثنان وثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 08:19 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-05-2019, 00:24 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة اثنان وثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    00:24 AM April, 04 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)

    الإنسان في الإسلام

    الباب الخامس
    الفكر

    الأصل:
    المبدأ الأساسي، الذي يقوم عليه هذا الكتاب، هو أن أصل الإنسان وطبيعته يقومان بصورة كلية على أصل الوجود، وطبيعته.. وهذا، في الواقع، ينطبق على كل شيء في الوجود.. ولذلك، ونحن نتحدث عن الفكر كطبيعة أساسية، بالنسبة للإنسان، لا بد أن نرده إلى أصله، في طبيعة الوجود، وبما أن الفكر هو وظيفة العقل، فلا بد من رده إليه، في أصله الوجودي، ثم التنزل إلى عقل الإنسان وربطه بأصله القديم.
    العقل حسب الإسلام، عقلان: عقل كلي، قديم، وهو المسيطر على جميع العوالم، علويها، وسفليها، فإليه يرجع كل شيء في هذه العوالم.. وهذا هو الأصل.. أما العقل الثاني، فهو عقل جزئي، محدث، وهو ما يتمتع به الفرد البشري العاقل.. والعقل الكلي، مهيمن، هيمنة مطلقة على كل ما عداه.. وغاية العقل الجزئي، المحدث، هو أن يطابق ويوافق العقل الكلي القديم.. وسبيلنا إلى معرفة العقل الكلي القديم، في تنزل، هو القرآن.. القرآن هو قانون العقل القديم، وأثره، نزل إلى مخاطبة البشر، فبترسمه يستدل على العقل القديم.. فالقرآن هو منهاج حياة يقوم على أسلوب ينبه في العقل البشري القوى الكامنة التي إن هي إلا قبس من العقل الكلي القديم "الله".
    فالعقل المحدث، هو أول ما خلق الله، وإلى ذلك الإشارة بقول المعصوم: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر".. فالحقيقة المحمدية _آدم الأول_ هي عقل الوجود الحادث.. وهو عقل ليس بينه وبين الذات الإلهية المطلقة _العقل الكلي_ شيء، فهو يتلقى مباشرة من الذات، فيقيد من المطلق ما يمكن للعقول المحدثة أن تدركه.. وبذلك، يجعل صلة العقل الجزئي، دائماً قابلة لأن تكون موصولة بالعقل الكلي، والتلقي عنه، في تنزل.. الأمر الذي يعين العقل الجزئي على العمل على التطابق مع العقل الكلي.
    ولقد سبق لنا أن تحدثنا عن التنزلات من العلم إلى الإرادة إلى القدرة.. وبالنسبة لنا نحن البشر: (كل شيء نصنعه لا يتم صنعه إلا بعد أن يكون قد نزل ثلاث نزلات: نزلة إلى مرتبة العلم، وأخرى إلى مرتبة الإرادة، والثالثة إلى مرتبة القدرة.. وقد تكون هذه الثلاث نزلات منفصلة عن بعضها البعض ومتميزة، وقد تكون مندمجة، ومتصلة.. ولكنها موجودة، ثلاثتها.. ذلك بأنك لا يمكن أن تصنع صنعة لا تعلمها، ولا أن تصنع صنعة لا تريدها، ولا أن تصنع صنعة لا تقدر عليها.. والنزلة إلى مرتبة الفكر إنما جاءت من مرتبة العقل، والنزلة إلى مرتبة العقل إنما جاءت من مرتبة الذات، وليس وراء الذات المحدثة إلا الذات القديمة.. والذات المحدثة، فيما يصدر عنها، وكيفية صدوره، تحكي الذات القديمة.. فإن الله، تبارك، وتعالى، قد خلقنا على صورته.. فصناعتنا، في أطوار بروزها، تحكي صناعته.. وإنما عنانا، تبارك، وتعالى، حين قال: "أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؟ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ"، غير أن صنعنا نحن ناقص، وذلك لمكان نقص ذواتنا، ونقص عقولنا، ونقص فكرنا، ونقص علمنا، ونقص إرادتنا، ونقص قدرتنا.. ونحن، إلى ذلك، عندما نصنع شيئاً لا نصنع المادة التي نصنع منها، وإنما نتصرف في مادة ناجزة.. فإن لم تكن مادة ناجزة فإننا لا نعدو أن نجمع تكوينها من أجزاء ناجزة، لا دخل لنا في صنعها، وما ينبغي لنا، وما نستطيع..)..
    ولقد سبق لنا أن ذكرنا أيضاً أن العالم هو تجسيد علم الله، هو تجسيد فكر العقل الكلي، المحيط، والمطلق، في ذلك: "وإنه لحق أن العالم صنع من مادة الفكر، ومن أجل ذلك جاءت كرامة الفكر.. ولم يجعل الله هادياً في شعاب ظلمات العالم غير نور العقل القوي الفكر.. وإنما من أجل تقوية الفكر أرسل الله الرسل، وأنزل القرآن، وشرع الشرائع: قال تعالى: "بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" فكأن العقل، إذا روض، وأدّب بأدب الشريعة، وأدب الحقيقة، (أدب الوقت)، أصبح شديد القوى، دقيق الفكر، نافذه".
    هذا قول سبق أن أوردناه، ونحن نعيده هنا، لأهميته القصوى، لموضوع الفكر كخاصية أساسية، من خواص الإنسان، وعلاقة هذا الفكر بالأعالي ـ العقل القديم _وبالأداني_ المادة التي صنع منها العالم!!
    إذاً الأصل بالنسبة للعقل الإنساني، وما يصدر عنه من فكر، هو الكمال، وهو ما كان عليه الإنسان ابتداءً، في الملكوت، في أحسن تقويم.. وعمله في الفكر الآن، هو بصدد استرجاع ذلك الأصل الأصيل، وتجسيده في اللحم والدم.. وهذا أمر لابد أنه كائن في حينه، كان على ربك حتماً مقضيا.
    المعلم واحد:
    لقد تحدثنا عن وحدة الفاعل، وقلنا أن الله تعالى وحده، هو الفاعل الحقيقي، لكل كبيرة وصغيرة تحدث في الوجود.. ومن وحدة الفاعل هذه تأتي وحدة العلم ووحدة والمعلم.. فمن دقائق التوحيد الأساسية، أن كل العلم، على إطلاقه، هو علم الله _العقل القديم_ فلا يوجد علم، على الإطلاق، ولا يمكن أن يوجد خارج هذا العلم.. وكل العلم، ما كان، وما سيكون، هو كائن اليوم.. فالله تعالى لا يعلم علماً مستأنفاً.. فكل من عَلِم، فإنّما من علْم الله هذا، الذي لا علم غيره، عَلِم، وهو حين يعلم من علم الله، إنما يعلّمه الله _فالله تعالى هو المعلم الحقيقي_ يقول تعالى: "وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء".. ويقول: "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ".. فالله تعالى، علّم الإنسان، وهو في مرحلة العناصر الصماء، عن طريق مباشر، عن طريق القهر الإرادي للعناصر، وبالعناصر.. وكانت نتيجة هذا التعليم، الطاعة المطلقة للإرادة الواحدة.. ولقد علّم الله تعالى الإنسان، وهو في مرحلة المادة العضوية _الحياة البدائية_ وفي مرتبة الحياة الدنيا، عن طريق شبه مباشر، وذلك بإرادة الحياة.. ثم علّم الله تعالى الإنسان، في مرحلة البشرية، عن طريق غير مباشر، وذلك عن طريق إرادة الحرية، من خلال عقله.. والاختلاف في جميع مستويات التعليم، إنما هو اختلاف مقدار.
    فالله تعالى هو مصدر المعرفة، كما أنه موضوع المعرفة!! فهو تعالى المعلم الأصلي، والعناصر في البيئة هي المعلم المباشر.. ومادة التعليم الأساسية هي كيفية المقدرة على التواؤم بين الحي وبيئته، فهذا هو العلم الأساسي.. وعلينا أن نتذكر أن البيئة هي تجسيد إرادة الله.. وعن تعليم المعلم الواحد، للأحياء دون الإنسان، يقول تعالى، مثلاً: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا، وَمِنَ الشَّجَرِ، وَمِمَّا يَعْرِشُونَ".. وكون المعلم واحد، ومصدر المعرفة واحد، وموضوع المعرفة واحد، أمر تنبني عليه الكثير جداً من الحقائق.. ومن أهم هذه الحقائق، أنه لا يوجد باطل مطلق، وأن الحق نسبي، والباطل نسبي كذلك.. وكل معرفة هي معرفة نسبية، وتأخذ نسبيتها من المعرفة المطلقة، التي هي لله وحده.. وهذه حقائق هامة جداً، وعلى إدراكها يتم الكثير في التربية خصوصاً في مجال التواضع الفكري.. فوفقاً لهذه الحقائق، لا مجال لإنسان، أن يتوهم أنه عالم، مهما بلغ مقدار العلم عنده، يقول المعصوم: "لا يزال المرء يعلم، ما لم يظن أنه علم، فإن ظن أنه علم، فقد جهل".. ويقول: "أعلم عالم بجانب الله أحمق من بعير".
    فلما كان الأمر كما ذكرنا، من أن المعلم واحد، فبذلك تصبح المعرفة في أي مجال من مجالاتها، وفي أي مستوى من مستوياتها، هي نتيجة للصلة بالمعلم الواحد، والأخذ منه تعالى.. وفي هذا، في جانب الحقيقة، العامل وغير العامل سواء كما أن المؤمن وغير المؤمن سواء.. ففي جانب الحقيقة، الصلة بينه تعالى، وبين جميع خلقه قائمة دائماً، وبالتالي، تلقي المعرفة قائم دائماً.. ولكن المهم أن تقوم الصلة من جانبنا نحن _صلة الشريعة_ فهذه هي التي بها المعرفة، التي نسميها إصطلاحاً معرفة.. فصلة الحقيقة قائمة من جانب الرب وصلة الشريعة مطلوب أن تقوم من جانب العبد، لتكون مصاقبة لصلة الحقيقة، وهيهات!!
    وقيام الصلة من جانب العبد، لا تكون إلا عن طريق تجويد التوحيد، والرياضة الطويلة في العمل على الحضور مع الله، وعدم الغفلة عنه، وهذا هو موضوع الدين كله.. فالصلة بالله هي مصدر العلم، كما هي مصدر الحياة.. فالعلم هو وسيلة الحياة، والحياة الكاملة هي التي تعلم العلم الكامل وتتخلق به.. والصلة بالله، تقتضي الحضور في اللحظة الحاضرة.. فالإسلام، في كل عباداته، ومعاملاته، يقوم على المران والرياضة في خلق الصلة بالله تعالى، والحضور معه، دون غفلة.. ومنهج الإسلام، في ذلك هو "طريق محمد" صلى الله عليه وسلم.. ووفق هذا المنهج، المؤمن في عمله، يعمل عملاً دائماً، منظماً، ومفصلاً، في خلق الصلة بالله.. فجوهر الدين هو الحضور مع الله، دون غفلة عنه تعالى، وهذا يبدأ من بدايات بسيطة، ثم ينمو.. وفيه الغفلة دائماً تحدث، ويحدث الرجوع عنها، عند الأوابين.
    العقل الواعي والعقل الباطن:
    نحن هنا لا نستخدم مصطلحات علم النفس المعروفة، وإنما نتحدث عن مصطلحات الدين، وهي تختلف بصور جذرية.. لقد ذكرنا أن الله تعالى، هو مصدر المعرفة الوحيد، وأنه تعالى، في الحقيقة، هو المعلم الوحيد.. هذا في الأصل، أما في التنزل _في الشريعة_ فوسيلة المعرفة هي العقل!! والقلب هو موطن المعرفة _بيت الرب_ فهو منفتح على المطلق!! وهذا أمر يختلف بصورة كلية عن التصور العلماني، والمادي، للقلب ووظيفته..
    فالقلب هو ذات الحي، هو الحي بالأصالة.. والقلب، في سويدائه، هو حرمٌ آمنٌ من الخوف _هو بيت الله الحقيقي.. والجسد والدماغ، ليسا حيين إلا بالحوالة.. القلب هو الحي الذي يعطي الجسد والدماغ الحياة، فهو سيدهما، وليس خادمهما كما يتصور علم وظائف الأعضاء.. والقرآن يركز على القلب، في المكان الأول.. فالجسد بيت القلب.. ولما كان القلب بيت الرب، فقد أصبح القلب منفتحاً على الإطلاق!! وما هكذا العقل!!
    في الإسلام العقل والقلب هما موضعا الإدراك.. فالقلب عضو يعمل فيه "الفؤاد"، والفؤاد هو قوة الإدراك الوتري.. والإدراك الوتري هو مرحلة الخروج من شهود التعدد، في الوجود، إلى شهود الوحدة، التي ما التعدد إلا مظهرها.. ولذلك هي الحقيقة.. ومعرفتها هي المعرفة الحقيقية.. والجسد والدماغ معاً، هما عضوان يعمل فيهما العقل، والعقل هو قوة الإدراك الشفعي.. ومرحلة الإدراك الشفعي هي مرحلة شهود التعدد، الذي تكون في قمته الثنائية.. فالحواس تدرك التعدد، والعقل يدرك الثنائية، ولذلك، هما لا يدركان الحقيقة الواحدة، وإنما يدركان الحق في وجوهه المتعددة.. وفهمهما يقوم على الظاهر، ومشوب بخداع الحواس وخداع العقول.. والقلب هو وسيلة الإدراك الوتري، ومرحلة الإدراك الوتري هي وحدها مرحلة الإدراك الحقيقي، والكامل، كمالاً نسبياً.
    فالقلب، بصفته التي ذكرناها، هو العقل الباطن.. وفيه تكمن كل الحقائق المتنزلة من العقل القديم.. فالقلب موصول بالعقل القديم.. والمعرفة التي نسميها اصطلاحاً معرفة، هي انعكاس ما في العقل الباطن، على مرآة العقل الواعي.. ولأن القلب هو ذات الحي، هو بالنسبة للعقل قديم، وعلمه قديم.. العقل، عقل كلٍ منا، هو في الحقيقة، يرجع إلى العقل الأول "أول ما خلق الله العقل"، وهو الحقيقة المحمدية، كما سبق أن ذكرنا.. فهذا هو الأصل الذي صدرنا منه جميعنا، وإليه نعود.. ونعود هذه، تعنى أننا نعود فينا!! تعود عقولنا إلى قلوبنا، أو تعود نفوسنا الدنيا، إلى أصلها، في النفس العليا.. والعقل الأول، موصول بالعقل، الكلي، يقيد من إطلاقه، ما يكون به الإدراك.. ولما كان القلب، متصل بالعقل الأول، أو في الحقيقة، هو هو، أصبح تلقي العقل عن القلب، هو تلقي من الله، عبر الوسيلة الواسلة _الذات المحمدية_ ومن هنا جاءت تسمية القلب بالعقل الباطن.
    ما الذي يحول دون انعكاس حقائق القلب على العقل؟
    قلنا إن الإنسان من الله صدر، وإلى الله يعود.. وهذه العبارة، تحوي قصة الإنسان بأكملها، ولكنها لكي تفهم تحتاج إلى تفصيل.. وحديثنا، في هذا الكتاب، عن الإنسان، كله، في تفصيلها.. وتحدثنا كثيراً عن الخوف، وعن الكبت وإنقسام الشخصية، بين كابت ومكبوت أو بين عقل واع وعقل باطن.. وفي الواقع، الانقسام بدأ مع بداية الحياة، حيث هنالك طرف لطيف، وطرف كثيف، إلى أن أصبح اللطيف هو العقل، والكثيف هو النفس.. أو كما سبق التعبير، الكثيف هو إرادة الحياة، واللطيف هو إرادة الحرية.. والكمال الذي به تتحقق إنسانية الإنسان، لن يكون إلا إذا تم التخلص من الخوف، وتم فض الكبت، وتمت الوحدة.. وهذا هو السير إلى الله!!
    ما نحب أن نقرره هنا، هو أن العقل هو وسيلة العودة إلى الله.. هو الوشيجة التي تربط أسفل سافلين، بأحسن تقويم.. كما أنه وسيلة توحيد ذواتنا.. فالسير إلى الله، وتوحيد ذواتنا يقتضي رفع الحجب الحائلة بيننا وبين الله.. وهذه الحجب تقع في مستويين: مستوى حجب الظلمات ومستوى حجب الأنوار.. حجب الظلمات تتعلق بالنفس وشهواتها، وحجب الأنوار تتعلق بالعقل.. يقول تعالى في أمر الحجب: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ".. "فالرين" هو الحجاب القائم بين العقل الواعي، والقلب _العقل الباطن_ والرين هو الحجاب بيننا وبين الله.. وهذا الرين هو الذنب المكبوت، في حواشي القلب _بين العقل الواعي والعقل الباطن_ وهو الخطيئة أو الذنب.. يقول تعالى: "يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".. قوله تعالى: "ويكفر عنكم سيئاتكم" يعني يغفر لكم خطيئاتكم الموروثة عبر التاريخ البشري.. قوله تعالى: "ويغفر لكم" يشير إلى الخطيئة المكتسبة، في مقابل الخطيئة الموروثة.. والخطيئة المكتسبة تتمثل في الكبت الواقع على العقل الباطن، المكتسب أثناء عمر أحدنا.. والتكفير والمغفرة إنما يكونان "بالفرقان".. وهو نور العقل القوي.. وبقدر ما يرفع هذا الكبت _هذا الرين_ بقدر ما تكون قوة العقل، ودقة الفكر، ووحدة البنية البشرية.. وبقدر دقة الفكر ومقدرته على التمييز الدقيق، يكون سلامة السلوك، وسلامة القلب، وصفاء الذهن.
    عقل المعاش وعقل المعاد:
    مما تقدم، يتضح أن الدور الأساسي، في رفع الحجب التي تحول بيننا وبين الله، والدور الأساسي لسلامة القلب، إنما هو للعقل الصافي.. ولتحقيق هذا العقل الصافي، لا بد ابتداءً أن نميز بين مستويات العقل.. وأول هذا التمييز هو أن نعلم، أن العقل في الدين، عقلان: عقل معاش، وعقل معاد.
    أما عقل المعاش، فهو القوة الدراكة فينا، تلك التي استلها من الجسد الخوف، الذي وجدت الحياة نفسها فيه، منذ أول النشأة.. ولعلاقته بالخوف، هو قلق، مضطرب، خفيف، يجسد الخوف، ويجسد الحرص.. وعقل المعاش موكل بمجرد حفظ الحياة مما يجيء به المستقبل المجهول.. فهو غريزي، وليس مفكراً.. وهو "شاطر" وليس ذكياً، وإدراكه علماني، وليس علمياً.. ومن هذا العقل، يجيء الجبن، والحرص، وحب الإدخار، والبخل، وكل مذام الصفات.. وكل ذلك بسبب الخوف.
    أما عقل المعاد، فهو لا يختلف عن عقل المعاش اختلاف نوع، وهو أيضاً القوة الدراكة فينا.. وهو الطبقة، من العقل التي تقع بين عقل المعاش والقلب.. وهو أيضاً خائف، ولكن خوفه ليس عنصرياً، ساذجاً، وإنما هو خوف موزون بالذكاء الوقاد، الذي يملكه حين يفقده عقل المعاش الشاطر.. وعقل المعاد هو أيضاً موكل بحفظ الحياة، ولكنه لا يخاف عليها من كل ناعق، كما يفعل عقل المعاش، وذلك لأنه يملك موازين القيم.. فهو قد يستهين بالخطر الماثل، في سبيل الأمن الدائم، وهو قد يضحي باللذة العاجلة، ابتغاء اللذة الباقية.. هو ينشغل بالحياة الأخرى _حياة الإنسان_ أكثر مما ينشغل بالحياة الدنيا _حياة الحيوان_ فينا.. عقل المعاد هو عقل الدين، هو الروح.. فنحن لا نفهم الدين بعقل المعاش.. وحظ عقل المعاش من الدين هو العقيدة فقط.. وعقل المعاش، يتأثر بعقل المعاد، ويؤثر فيه.. وعقل المعاش حين يؤثر على عقل المعاد يزلزله ويخرجه من وقاره، ويذهله عن قيمه.. ومن أجل عقل المعاد جاءت الشريعة.. فهي بوسيلة العبادة، وبوسيلة العقوبة، تسيّر عقل المعاش ليتهذب، ويلتقي بعقل المعاد..
    وعقل المعاد، هو نفس عقل المعاش بعد أن يتم تهذيبه، وترويضه، فيصبح من القوة والدقة، بحيث يميز بين القيم ويلزم النفس بالتزام القيم المطلوبة، والتجافي عن القيم غير المطلوبة.. وهذا هو العقل الذي يعمل من أجل إنسانية الإنسان، ويتسامى في مراقيها، بالانتقال الدائم، والمتطور، من العمل الغريزي، إلى العمل الفكري..
    والاختلاف الأساسي بين العمل الغريزي والعمل الفكري، هو أن العمل الفكري، يقوم على دقة التمييز بين قيم الأشياء، ويقوم على تحديد القصد من العمل، وفقاً لهذا التمييز، وذلك قبل الشروع في العمل.. فهو يقوم على الإرادة، التي تحدد القصد من العمل، وتلزم النفس بالعمل وفق هذا التحديد.. وهذه هي إرادة الحرية.. وهي الإرادة التي تملك أن تعمل على أن تكون متسقة مع القانون _إرادة المريد الواحد_ (راجع مخطوطة: ديباجة الدستور، للأستاذ محمود محمد طه)..
    وفي دعوة الأستاذ محمود تتوفر التفاصيل العملية لرياضة العقول، التي عن طريقها يستطيع أن يحقق الإنسان إنسانيته.. ولكن هذا الموضوع لا يعنينا ونحن نتحدث عن تصور الإسلام للإنسان. وقد سبق أن أشرنا إلى كتابي "طريق محمد" و "تعلموا كيف تصلون" في هذا الخصوص.


    4/4/2019م























                  

العنوان الكاتب Date
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة اثنان وثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله محمد الفاتح عبدالرزاق04-05-19, 00:24 AM
  Re: الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الح� الماستر1 04-07-19, 00:20 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de