الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة الرابعة والعشرون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 04:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-20-2019, 02:23 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة الرابعة والعشرون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    01:23 AM February, 19 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية

    الإنسان في الإسلام
    الباب الثاني
    مراحل الإنسانية
    الفصل الثالث
    إنسان الذكر _ مرحلة البشرية

    إنسان الملك، هو الإنسان بالمعنى الذي إصطلح عليه الناس.. فبرغم الوحدة التي تنتظم الوجود كله، إلا أنه لابد من تسميات محددة، تميز الأشياء بعضها عن بعض، في الخطاب البشري.. وإنسان الملك هذا، بدأ بآدم النبي، الذي هو أبو البشر الحاليين.. وهنالك قضايا هامة جداً، بخصوص آدم هذا، لابد من توضيحها منذ البداية.. أول هذه القضايا، وأهمها، هي أن آدم هذا، ليس هو آدم الخليفة، الذي خلقه الله كاملاً، أو يكاد، في الجنة، وأسجد له الملائكة.. وإنما هو طور من أطوار الخلقة التي انحطت من آدم الخليفة، إلى أسفل سافلين، فهو طور في المسيرة، نحو آدم الخليفة، تلك المسيرة، التي تعمل على تجسيده في عالم الملك.. فآدم الخليفة، خلق في الجنة _في الملكوت_ ثم طرد من الجنة، وأهبط إلى الأرض.. وقد جرى هذا الإهباط بالأمر التكويني، الذي إليه الإشارة بقوله تعالى "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ..".. يقول تعالى: "فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا* وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا* وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى* فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى* إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى* فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى* فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى* قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى".. وعن طرد آدم من الجنة، وإهباطه إلى الأرض، بعد خلقه في أقرب صورة إلى الكمال، ورد قوله تعالى، الذي سبق أن أوردناه: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.".. فعندما رد آدم إلى أسفل سافلين كان في بداية الخليقة في الأرض، وهي أدنى مستويات المادة.. ثم بدأ سيره، بكلاءة الله وتوفيقه في مراقي القرب، إلى أن وصل مبلغ النبوة على الأرض، فكان الإنسان المكلف الأول، وبذلك بدأ ينزل بصورة محسوسة، أقرب مقام القرب من مقام الخلافة العظيمة التي فقدها، ولكنه كان لا يزال بعيداً عن كمال هذه الخلافة.
    من المهم أن نذكر أن جميع هذه الأمور جرت ثلاث مرات، ثلاث مرات.. فآدم قد خلق ثلاث مرات: مرتين في عالم الملكوت، ومرة في عالم الملك.. إذ أن الأسماء المسيطرة على الخلق هي: العالم، المريد، القادر.. فبالعلم أحاط الله بمخلوقاته، في عالم الملكوت، وبالإرادة تنزّل بالإحاطة إلى التخصيص، فكان أقرب إلى التنفيذ، وإن لم ينزل في عالم الملكوت، ولكن مما يلي عالم الملك.. وبالقدرة نفذ في عالم الملك، ما تمت الإحاطة به إجمالاً، وتم تخصيصه تفصيلاً، في عالم الملكوت.. وعالم الملكوت عالم عقول، وعالم الملك عالم أجساد..
    نحن هنا يعنينا آدم النبي، فهو أول من نزل منزلة الذكر في ملكوت الله، بعد رحلة طويلة في طريق العودة من التيه.. فآدم هو صاحب أول نبوة في الأرض ولذلك هو الخليفة الأول في الأرض.. ويجب أن يكون واضحاً أن آدم هذا، لا يمثل بداية العقل في الأرض، وإنما هو يمثل بداية العقل الناضج المكلف.. وإلا فقد سبق آدم أبا البشر هذا، آوادم كثيرون، ولم يفلحوا في الوصول إلى مرتبة العقل المكلف.. فالكثيرون، من سلالة الطين، حاولوا نزول هذه المنزلة الشريفة، ولكنهم فشلوا.. وبسبب هذا الفشل ظن الملائكة أن البشر لن يفلحوا في تحقيق مقام الخلافة، فقالوا ما قالوا، كما ذكر لنا القرآن : "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ".. لقد عارض الملائكة إتخاذ الله تعالى خليفة من سلالة الطين قياساً إلى سابق علمهم، المستمد من سابق تجاربهم مع الأوادم السابقين.. فكشف الله لهم كمال النشأة البشرية، فأذعنوا، وكما سبق أن ذكرنا هذه الأمور جرت ثلاث مرات، ثلاث مرات.
    واضح جداً أن السمة الأساسية لهذه المرحلة هي بروز العقل، الذي ميز البشر عن بقية الأحياء.. ولم يكن العقل غائباً في المراحل السابقة، وإنما كان كامناً، فظهر بعد كمون.. والعقل لا يختلف عن بقية الجسد اختلاف نوع، وإنما يختلف عنه اختلاف مقدار.. فالحواس هي الطرف اللطيف من الجسد.. والعقل هو الطرف اللطيف من الحواس.. والاختلاف في مستوى اللطافة هو الاختلاف الأساسي، في الوجود.. وعن بروز العقل، ووسيلة بروزه، يقول تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ، أَمْشَاجٍ، نَّبْتَلِيهِ، فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شَاكِرًا، وَإِمَّا كَفُورًا".. فالنطفة الأمشاج تعني الماء المخلوط بالطين، وقد جرى هذا الخلط عند ظهور الحياة، بالمعنى الذي نعرفه، عند نهاية المرحلة الأولى، من مراحل نشأة الإنسان _مرحلة المادة غير العضوية.. وهذا الخلط يؤرخ بداية المرحلة الثانية من مراحل نشوء الإنسان _المرحلة العضوية.. ولا تزال الحياة في القاعدة، تستمد من هذا المصدر.. ثم أخذت الحياة، في مراحلها الدنيا، تلد الحياة، بطريقة أو بأخرى.. كان هذا قبل أن تتطور الحياة، وتتعقد، وتبرز الوظائف المخلتفة للأعضاء والأنواع.. وقبل بروز الأنثى بشكل مستقل عن الذكر.
    وعندما ارتقت الحياة، وتوظفت الوظائف، أصبحت الحياة تجيء من إلتقاء الذكر بالأنثى، وأصبحت النطفة الأمشاج هنا تعني ماء الذكر المختلط ببويضة الأنثى.. عبارة "نبتليه" من الآية، هي السر في كل التحول الذي حدث.. فهي تشير إلى صهر العناصر في الفترة التي سبقت ظهور المادة العضوية.. وتشير إلى صراع الحي مع بيئته الطبيعية، بعد ظهور أول الأحياء، وإلى هذا اليوم.. "فجعلناه" نتيجة لهذا الإبتلاء، والبلاء "سميعاً بصيرا" إشارة إلى بروز الحواس في الحي، الواحدة تلو الأخرى.. وبعد اكتمال الحواس الخمس التي أصبح بها الحي حيواناً سوياً، تم ختم المرحلة الثانية من مراحل النشأة البشرية، وبدأت المرحلة الثالثة، ببروز لطيفة اللطائف _العقل_ وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى، من الآية المذكورة "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا".. وهي تعني إنا هديناه إلى الشكر عن طريق الكفر، أو الصواب عن طريق الخطأ.. وإلى ذلك يشير أيضاً قوله تعالى: "أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ".. فقوله "ألم نجعل له عينين" إشارة إلى جميع الحواس.. وقوله "ولساناً وشفتين" إشارة إلى العقل، فهو يشير باللسان إلى النطق باللغة، ولذلك ذكر الشفتين لمكانهما من تكوين الأصوات المعقدة، المختلفة التي تقتضيها اللغة.. واللغة هي دليل العقل، والمعبر عنه.. وفي "وهديناه النجدين"، أصل النجد في اللغة ما ارتفع من الأرض.. والمقصود هنا، الطريق المرتفع.. "فالنجدين" الطريقين: طريق الخطأ وطريق الصواب.. فلقد هدى الله تعالى الإنسان طريقين.. فهو يعمل، فيخطئ، فيتعلم من خطئه.. وها هنا كمال الإنسان!!
    ففي حين هدى الله تعالى الإنسان النجدين، لم يهد الملائكة إلا نجداً واحداً، كما أنه لم يهد الشياطين إلا نجداً واحداً.. فالله تعالى خلق شهوة بغير عقل، وركبها في الشياطين، ومن قبلهم، إلى أعلى الحيوانات، ما خلا الإنسان، فهم يخطئون ولا يصيبون.. وخلق عقول بلا شهوة، وركبها في الملائكة، فهم يصيبون ولا يخطئون.. ثم جعل الإنسان برزخاً تلتقي عنده النشأتان، النشأة السفلية، والنشأة العلوية، وركب فيه الشهوة، وركب فيه العقل، وأمره أن يسوس شهوته بعقله.. فاصبح بذلك في صراع لا يهدأ بين العقل والشهوة، أو بين دواعي الشر، ودواعي الخير.. وبين موحيات الخطأ، وموجبات الصواب.
    وهذه النشأة البرزخية التي جمعت بين الخطأ والصواب، هي الطبيعة الإنسانية الأساسية، وبها تميز البشر عن جميع خلق الله.. وهي سر كمال الإنسان.. فهذه النشأة التي جمعت بين الخطأ والصواب جعلت مطلق بشر، أكمل من مطلق ملك!! كمال الإنسان على جميع الخلق، يأتي من أنه، دون جميع خلق الله أعطي حق الخطأ!! ولأهمية هذا الموضوع، لابد من الرجوع إليه، وبيان وجوهه المختلفة.. ولكننا نكتفي هنا بذكر جوهر القضية، وهي: عزة هذه النشأة الخطاءة، تأتي من مكان الحرية فيها لأن حق الخطأ هو حق أن تعمل، وتخطيء، وتتعلم من خطئك كيف تحسن التصرف في ممارسة حريتك، بغير حد، إلا حداً يكون منشأه عجزك عن حسن التصرف.. وذلك عجز مرحلي، لن تلبث أن تخرج منه إلى قدرة أكبر على حسن التصرف، وهكذا دواليك، إلى ما لا نهاية.. والحرية هي روح الحياة، فحياة بلا حرية هي جسد بلا روح.. ومجال الحرية عند الإنسان، هو الذي جعل من الممكن عنده التخلق بأخلاق الله، كما هي واردة في القرآن، وهذا هو السر في جعل الله تعالى، الإنسان خليفة له على جميع خلقه.. بالحرية بهذا المعنى الذي نتحدث عنه أصبحت حياة الإنسان منفتحة على الكمال المطلق.. وهذا ما ليس لغير الإنسان فيه نصيب.. فالإنسان هو المخلوق الوحيد، المنفتح على الإطلاق.. ونحن لنا إلى كل هذا عودة، ولكن يمكن أن نقول هنا أن الحرية هي الفيصل بين حياة الإنسان وحياة الحيوان.
    لما كنا هنا معنيين بأطوار ظهور الإنسان، فإننا نترك مناقشة هذه المسائل الجوهرية لموضعها من الكتاب.. ونواصل، فنقول أنه في بدء الحياة كان الشعور.. وأدنى درجات الحياة أن يشعر الحي بوجوده، وليس فيما دون هذا الشعور حياة، بالمعنى الإصطلاحي.. وهذا الشعور يوجب شعور الحي بالحر، وبالبرد، وباللذة، وبالألم وينتج من ذلك الحركة بالفرار من الحر المضر، ومن البرد المضر، ومن كل ألم وإلى كل لذة ممكنة.. ومن ذلك جاءت القدرة على تحصيل الغذاء، والالتذاذ به، وجاءت القدرة على التناسل، والالتذاذ به.
    "وقد كان الحي الأول _حيوان الخلية الواحدة_ يحس بكل جسده الرخو، ثم تعقدت الحياة، وارتقت، ورهف إحساسها بالخطر الذي يتهددها، فظهرت الحاجة إلى الوظائف المختلفة.. فكان على الجلد أن يتكثف، ويغلظ، ليكون درعاً، وكان على بعض أجزاء الجسد، غير الجلد، أن تقوم بوظيفة الحس التي كان يقوم بها قبل أن يتكثف.. فبدأ نشوء الحواس، فنشأت الحواس الواحدة تلو الأخرى، كلما ارتقت الحياة، وتعقدت وظائف أعضاء الحي.. وفي بداية الأمر كان اللمس بالجسد كله _بأكمله_ وعندما توظف الجلد في الوقاية، تخصصت بعض الأجزاء للمس، ثم ارتقت وظيفة الحس لما احتاج الحي للمس، والخطر على البعد، فامتدت هذه الوظيفة امتداداً لطيفاً، فكان السمع، ثم كان النظر، ثم كان الذوق، ثم كان الشم. ولا نقصد من هذا ترتيب وظائف الحس، ولا ترتيب اكتمالها، فبعض الأحياء يحتاج إلى حاسة معينة أكثر من احتياجه للأخريات، فتقوى عنده هذه الحاسة، على حساب أولئك، مع وجود الأخريات في صورة من الصور.
    وفي وقتنا الحاضر، انتهى بنا التطور، إلى أن أصبحت الحيوانات العليا، بما فيها الإنسان، ذات خمس حواس.. وهذه الحواس الخمس، ليست نهاية التطور.. فإن في الإنسان، الحاسة السادسة، والحاسة السابعة، في أطوار الاكتمال.. ولا يكون بعد الحاسة السابعة تطور في زيادة عدد الحواس، وإنما يكون التطور في كمالها، وهذا تطور لا ينتهي فهو تطور سرمدي"!!
    بظهور العقل المكلف، ظهر الإنسان في الصورة التي انماز بها عن غيره.. وبذلك بدأت خلافة الإنسان لله في الأرض.. فآدم النبي هو أول الخلفاء.. هو مقدمة وإعداد للخليفة المعرف بالألف واللام، والذي به يتوج مشروع الخلافة في الأرض، وتحقق إنسانية الإنسان، التي بدأت مع آدم أبي البشر الحاليين.. فمرحلة البشر ليست هي مرحلة الإنسانية.. يقول الأستاذ محمود: "الإنسان هو قمة هرم المملكة.. فإن المملكة مكونة هكذا: في القاعدة الغازات ثم السوائل، والجمادات.. (بما فيها وفي قمتها الطين والماء)، ثم النباتات، ثم الحيوانات، ثم البشر (بنو آدم)، ثم الإنسان.. قال تعالى في كرامة بني آدم: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم،َ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً".. وبنو آدم ليسوا قمة الخليقة، وإنما هم مرحلة من مراحل الخليقة في المملكة نحو مرتبة الإنسان.. بنو آدم بالنسبة للإنسان كالحيوان بالنسبة لبني آدم.. وفي حين أن بني آدم مفضلون على كثيرٍ من المخلوقات "وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا"، فإن الإنسان مفضل على سائر المخلوقات..
    وإنما من أجل الإنسان خلقت الأكوان، وما خلق الإنسان إلا من أجل الله.. قال تعالى في معنى خلق الأكوان من أجل الإنسان: "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء، لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ، وَمِنْهُ شَجَرٌ، فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ، وَالزَّيْتُون،َ وَالنَّخِيل،َ وَالأَعْنَابَ، وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَار،َ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُوم،ُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ* وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ، لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا، وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا، وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ، وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ، أَن تَمِيدَ بِكُمْ، وَأَنْهَارًا، وَسُبُلاً، لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلامَاتٍ، وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ" ... وفي معنى خلق الإنسان من أجله قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ، وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ".. وإنما من هذه الآيات ومن تلك، قال العارفون عن لسان الحق: "جعلت الأكوان مطية للإنسان، وجعلت الإنسان مطية لي" وهو قول يفرع أيضاً على الحديث القدسي: "ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن"، وعلى الآية الكريمة: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ".. ولم يكن الإنسان غائباً عن الأكوان، وإنما كان دائماً طليعتها، ورأس سهم تقدمها، من لدن الغازات.. ولا يزال التقدم يطرد به، ولما يبرز لمقام عزه بعد".. وتسخير الأكوان له إنما معناه إعانته في سيره الطويل من منفاه في البعد إلى مقامه في القرب عند الله.. كل شيء سخر لهذه الغاية _إبليس وذريته، والملائكة الأطهار، والرسل، والكتب، والشرائع، والقرآن بصورة خاصة.. ذلك بأن طريق الرجعى به قد بين أحسن تبيين.. وهو بصورته التي بين دفتي المصحف قد تنزل مؤخراً على خاتم النبيين، ولكنه في حقيقته، ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك.. هو في صورته التي بين دفتي المصحف قد نزل ليوجه تطور البشرية نحو الإنسان.. ليستخلص الإنسان من البشر.. وليرسم طريق رجعته إلى وطنه الذي طال إغترابه عنه.. أنظر كيف تحكي هذه الآيات الكريمة بداية هذا الطريق ونهايته: "حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ".. عبارة "لدينا" تعني عند الذات، حيث لا عند.. وهي تمثل خط السير في المطلق.. والآية "إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون" تحكي طرف هذا الطريق الذي لامس أرض الناس، حيث قامت الشريعة لتنظيم حياة الأفراد، من رجال ونساء، تنظيماً يوفق توفيقاً دقيقاً، ومتسقاً بين حاجة الفرد من رجل وإمرأة، إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة".. لقد نقلنا هذا النص المطول، لأنه يلخص قصة الإنسان في الأعالي، وفي الأداني، ويرسم خط سيره، وغايات سيره.. ولكن الأمر يحتاج إلى شرح وتوضيح.
    ثم إننا قد أشرنا، مجرد إشارة، إلى مرحلة الإنسانية المرتقبة، وهي موضوع الكتاب الأساسي.. وقبل ذلك وفوق ذلك هي جوهر دعوة الأستاذ محمود لبعث الإسلام، وخلاصة البشارة، التي تبشر بها هذه الدعوة.
    20/2/2019م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de