وثيقة جهاز الأمن المسربة أوضحت مخاوف من حميدتي ؛ لكنها لم تستطع تحديد موقف قاطع لحميدتي ؛ فلقاؤه بالرزيقات الذين يحاولون اقناعه بالتدخل واستلام السلطة لم يجد منه رد فعل محدد. نفس هذا الموقف الرمادي سمعناه في خطاب تم تلقينه اياه سطرا سطرا إبان لقائه بقواته المدججة بالسلاح. خطاب حميدتي كان يمكن تأويله عدة تأويلات ؛ فالنظام يمكن ان يؤوله كاعلان تمرد والشعب يمكن ان يؤوله انضماما له والمحللون يمكن ان يؤولوه كقفز من السفينة. غير أن كل هذه التأويلات في رأيي غير صائبة. موقف حميدتي..لا يجب أن ينظر إليه بعيدا عن أفق السياسة الدولية وخاصة أوروبا وإلا نكون قد أغفلنا العلاقة الوثيقة بين أوروبا وحميدتي والتي توطدت في الآونة الأخيرة حينما قدمت أوروبا دعما بملايين الدولارات لحميدتي لكي يمارس دوره الشرطي في تأمين الحدود الليبية من تدفق المهاجرين غير الشرعيين. أوروبا وضعت برنامجا لوقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين من خلال اجتماع ثلاثي ضمها وضم النظام السوداني والأثيوبي وتم الاتفاق على تقديم دعم بأكثر من مائة وعشرين مليون دولار بشكل متدفق ومستمر ، هذه الملايين كانت تذهب لجيب النظام وقد رأينا كيف قام النظام -عبر جهاز الهجرة- برسم تمثيليات لتعذيب المهاجرين وقام أحد أمنجية النظام الاسلامويين (الصادق محمد أحمد) بتدبيج مقالات متتابعة يوهم فيها الآخرين بأنه مهاجر وأن الهجرة ذات آثار كارثية ؛ وخلال بضعة أسابيع قام السيد الصادق المكلف بالجانب الاعلامي بعمليات بروباغاندا واسعة النطاق ضد الهجرة. على أية حال ؛ يبدو أن أوروبا اكتشفت أن بامكانها الالتفاف على النظام وبموافقة أمريكية ذهبت إلى اللاعب الرئيسي بدلا عن اللجوء للنظام كسمسار وهكذا تم خلق اتصال مباشر بينها وبين حميدتي communication والاتصال المباشر أحد أهم أنواع الاستقطاب الأمني. وهكذا تلاقت مصلحة أوروبا مع مصلحة حميدتي ، فهذا الأخير أصبح له ظهر يستند عليه ، يوفر له غطاءا شرعيا دوليا ليتحرك بحرية بعيدا عن سيطرة البشير وجهاز الأمن. وهكذا يضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد؛ العصفور الأول : الحماية الأوروبية (غطاء دولي) ، تأمين سيطرته على مناطق الذهب ، الاستقلال والانفصال عن سيطرة وتوجيه النظام. وبالتالي يكون حميدتي قد كفل لنفسه أهم حاجتين لأي مليشيا عسكرية وهما الحماية الدولية والتمويل. يحصل حميدتي الآن على تمويل مباشر من أوروبا فوق استخراج قواته للذهب وبالتأكيد تسهيل أوروبا بالتنسيق مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على تصريف الذهب المستخرج. وربما خلال بضعة سنوات سيكون حميدتي أغنى قائد مليشيا في أفريقيا وشرطيا مطيعا للغرب. لكنه لن يحاول أبدا أن يرفع طموحاته متطلعا لعمل سياسي رسمي حتى لا يفقد ميزة عمله الحر. بالتأكيد سيستفيد حميدتي من أي نظام يسيطر على الدول الثلاثة (السودان ، تشاد ، ليبيا) وربما حتى جمهورية أفريقيا الوسطى ، وليس مستبعدا أن يتحول الى شركة أمنية ضخمة كالبلاك ووتر الأمريكية أو واغنر الروسية... لذلك أطمئن جهاز الأمن بأن حميدتي لن يقحم نفسه في موجة الصراع الدائر الآن في السودان. ليس لأنه ذكي ، ولكن يمكنني أن أؤكد - من خلال خطابه الذكي جدا- أن من كتب له ذلك الخطاب كان يوجهه نحو الوقوف داخل تقاطع دائرتي الصراع الأسود والأبيض ليحتمي بالرمادية المسالمة للجميع.. وهذا لا يمكن ان يكون صادرا عن عقلية حميدتي المحضة وإلا فعلى انشتاين السلام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة