بسم الله الرحمن الرحيم (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور) الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية
الإنسان في الحضارة الغربية الباب الثالث الإنسان ونظرية التطور الفصل الأول أصل الإنسان
لقد كنا طوال الوقت، في الباب الأول، نتحدث عن أصل الإنسان.. فأصل الإنسان، لا يخرج عن تصور أصل الوجود.. فطالما أن الحضارة الغربية، في آخر نظرياتها العلمية عن أصل الوجود، وأكثر هذه النظريات اتساقاً وقبولاً، ترى أن أصل الوجود هو (البق بانق)، فمن الطبيعي أن يكون هذا هو أصل الإنسان أيضاً، طالما أن الإنسان جزء من هذا الوجود.. فالحياة كما رأينا، برزت من اللاحياة!! المادة العضوية جاءت من المادة غير العضوية، ثم تطورت في المستويات المختلفة.. من التطور الكيميائي، جاء التطور البيولوجي.. والتطور البيولوجي أفضى في نهاية المطاف، إلى ظهور الكائن البشري، وتطوره.. فالقضية كلها مرتبطة بمفهوم التطور.. وفي هذا المنظور التطوري، الهيدروجين أصل كل شيء في كوننا. يلخص هيومارفون القضية بقوله: "ليس التاريخ قصة تتابع الممالك والمعارك والحضارات وحسب. إن التاريخ الفعلي يتجاوز ذلك بكثير. إنه يبدأ مع البيغ بانق، مع نشوء الهيدروجين والأجرام السماوية الأولى ويمتد من هناك بدون أية فواصل وبتسلسل صحيح عبر تشكل الكواكب مع أغلفتها الجوية حتى نشوء الحياة والأدمغة وأخيراً حتى ظهور الوعي والذكاء ونشوء التاريخ بمعناه التقليدي ونشوء العلم. لم تزل هناك مهمة مستقبلية للمؤرخين لم يتعرفوا عليها بعد وهي توسيع مجال بحوثهم ليشمل مجرى التاريخ بهذا المفهوم العلمي _ الطبيعي ومحاولة إشتقاق قوانين التطور "التاريخية" الأساسية من التاريخ الفعلي للعالم. لأن هذا "التاريخ الطبيعي"، كما أحب أن أسميه، الشامل يحتوي جذور وجودنا وبالتالي المفاتيح التي تؤدي إلى فهمه. إن هذا، الذي حصل آنذاك قبل زمن طويل عندما لم تكن توجد أفكار وقبل كل شيء لم تكن توجد أفكار إنسانية، هو الذي وضع الأساس والإطار لكل ما توجب أن ينتج لاحقاً عن هذا البدء. إن ما حصل آنذاك يشكل الصيغة التي صكَّتنا وصكَّت الوسط الذي نشأنا منه وفيه. إننا لم نوضع في هذا العالم جاهزين دفعة واحدة كما كان يُعتقد لقرون عديدة بل إن هذا العالم أنتجنا خلال مسيرة نشوئه كناتج من نواتجه. لهذا السبب حسمنا ووضعنا الشروط الجوهرية والأساسية لوجودنا في بدء الكون. عندما بدأت البروتونات والإلكترونات خلال الدقائق الأولى من البدء تتحد مع بعضها في الغيمة الناتجة عن الانفجار لتشكل ذرات الهيدروجين، ذي القدرة العجيبة على التطور كمادة بدئية أولى لكل ما هو قادم.. كان واضحاً أن الثبات والاستمرار الأبدي ليسا من خصائص هذا العالم. إن خصائص الصيرورة المستمرة التي يتصف بها هذا الكون المتمدد بصورة انفجارية يجب أن تنسحب بالضرورة على كل ما أنتجه هذا الكون المولود" (2 ص 37).. إن هذا النص، يلخص النظرة العلمية، التي تقوم عليها الحضارة الغربية، لأصل الإنسان، تلخيصاً منطقياً، ودقيقاً جداً.. فطالما أن نقطة الانطلاق هي (البق بانق)، فإن كل ما أورده النص، هو صحيح تماما في مجاله. فأصل الإنسان الأول، والأساسي، هو المادة الأولية _البدئية_ التي تكون منها الكون بكل ما فيه.. وهذه المادة البدئية، هي الهيدروجين.. ومن هذه المادة تشكل كل شيء في الكون، بما في ذلك الوعي والذكاء.. ولا مجال لخلاف ذلك، طالما أن ما نتج عن (البق بانق)، هو كل الوجود.. لا مجال لشيء يأتي من خارج الوجود.. ولذلك قلت، في كتاب "الوجود: بين الحضارة الغربية والإسلام" وأقول هنا، إن كل شيء في الوجود، يعتمد بصورة كلية، وحصرية، على تصورنا للوجود.. ولذلك، لا توجد أي قضية أهم من قضية تصور الوجود.. فعلى هذا التصور يعتمد وجود كل موجود. ففي التصور العلمي، أصل الوجود واحد، لكل موجود.. والنقطة الثانية، الهامة جداً، التي يؤكدها النص المذكور، هي أن كل صور الوجود، التي عليها الموجودات، التي نعرفها، والتي لا نعرفها، هي نتاج التطور.. وعليه، فإن التطور هو القانون الأساسي، الذي يحكم الوجود.. وأول ما يقتضيه التطور، هو إن جميع الموجودات، أصلها واحد.. فوجود الأصل، هذا هو المبدأ الأساسي للتطور.. والنقطة الثانية المكملة، والتي ترجع إليها كلمة تطور، هي أنه من هذا الأصل الواحد، وعبر التفاعل، وفي الزمن، ظهرت أشكال الموجودات، في مراحل، أو أطوار، فيها كل طور لاحق، هو أكمل من سابقه، وأكثر منه تعقيداً.. فالتطور البيولوجي _تطور المادة العضوية_ هو أكمل من التطور الكيميائي _تطور المادة غير العضوية_ وأكثر منه تعقيداً.. ووفقاً لهذه النظرة، لا يوجد ثبات في الكون، كل ما فيه متحرك، وفي حالة صيرورة.. وأهم سمات هذه الحركة، أنها حركة تطورية، دائماً تسير وتصير إلى ما هو أكمل. كما يقول النص، البدء وَضعَ الأساس لكل ما هو بعده "الذي حصل آنذاك يشكل الصيغة التي صكَّتنا وصكَّت الوسط الذي نشأنا منه وفيه". نحب أن نُذكر بالقضايا التي أثرناها في أول الباب الأول، ونحن نتحدث عن البق بانق، تلك القضايا المتعلقة بالمفردة.. ويمكن للقاريء أن يرجع إليها. نخلص إلى أن الأصل الأول للإنسان، وفق النظرة العلمية للحضارة الغربية، هو المادة، بصورتها التي تشكلت بعد (البق بانق). أما الأصل الثاني للإنسان، وفق هذه النظرة، هو الأصل البيولوجي.. وهذا الأصل الثاني، هو امتداد للأصل الأول، ولا يختلف عنه في طبيعته، وإن اختلف عنه في درجة الكمال، والتعقيد. والأصل الثاني، يحكمه نفس القانون _قانون التطور_ بل إن قانون التطور في المرحلة العضوية، أوضح وأكمل، مما كان عليه في المرحلة غير العضوية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد الفاتح عبدالرزاق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست