في مقال قديم جدا ربما منذ ثلاث سنوات وضحت أن الانظمة الفاشية غالبا ما تطبق مقولة نيتشه ؛ فهذا الأخير وضح أن الفقير لا يعرف انه فقير وبائس الا بعدما يتذوق طعم المال. نيتشة قال أن الانفاق على الفقراء لأننا نشعر ببؤسهم هو وهم كبير فالفقير لا يشعر بأي بؤس لكونه ولد وترعرع داخل منظومته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تلك بحيث يعتبرها بيئته المثالية. فالأنظمة الفاشية تعمل دائما على ارضاء الطبقة الوسطى وحتى المسحوقة التي تعيش داخل المدن بحيث تتعرف بشكل وثيق نتيجة لمظاهر الطبقية الواضحة على جوانب نقصها. النظام اليوم طبق هذه النصيحة النيتشوية بحذافيرها. فنتيجة لضعف الخزينة العامة يحاول النظام توزيع القليل المتبقي فيها على المدن حيث لا تتحمل المجتمعات المتمدينة الضغوط الاقتصادية لفترة طويلة. لقد انتقص النظام من أموال الولايات ليبقي على سكان العاصمة في حالة استقرار نسبي الى حين يأتي الفرج ، واستقطع من أموال القرى ليخفف على بعض سكان المدن ، لكن هذا ليس بحل قطعي للأزمة. فهذا أكل من السنام. فالنظام يقتات على نفسه بشكل متسارع مما دفع البشير الغاضب من دول الخليج بمحوريها القطري السعودي ومعهما التركي الى الانقلاب الى المحور السوري الروسي وربما الايراني. لقد تخلى الجميع عن البشير ومحاولة تحالفه مع سوريا او اظهار ميله اليها لن يقدم ولن يؤخر فسوريا -رغم ان وضعها الاقتصادي افضل من السودان- الا انها تعاني بالتأكيد وبشدة من الحرب الطويلة التي خاضتها. كل ما فعله البشير كان مجرد محاولات يائسة ، ولن تفضي الى نتيجة. ربما خلال سبعة أشهر او اقل سيواجه النظام معضلة شاملة وهي الافلاس التام. ليس افلاسا فقط بل الطامة الاكبر أن اغلب القروض التي استقرضها النظام وضاعت هباء منثورا كانت مضمونة ضمانا سياديا ؛ أي ان الدول والشركات الدائنة تستطيع ان تبيع الملابس الداخلية للشعب برمته لتحصيل ديونها من دولة السودان. هذا يعني بالضرورة أن البشير خلال الاسابيع القادمة عليه ان يحدد موقفه بشكل أكثر وضوحا وحسما ؛ فإما ان تقوم دول الخليج بدعمه خلال اسبوعين او ثلاثة او حتى اربعة او يبدأ في لملمة اوراقه وممتلكاته وبيع اصوله العقارية وجميع ممتلكاته والاستعداد للهروب الى دولة يطمئن لها. ولا توجد دولة في العالم يمكن ان تجازف بإيواء البشير سوى دولة كوبا. فالبشير الذي حارب شيوعيي السودان بضراوة لن يجد سوى شيوعيي امريكا اللاتينية كملجأ اخير وهذا من سخرية القدر. الدول العربية كلها لن تجازف بإيواء البشير لا السعودية ولا مصر ولا حتى قطر. فهذه دول لها تقييم عال لمصالحها وأمنها القومي. أما باقي جوقة الاسلاميين فأغلبهم سيهرب الى دولهم التي يحملون جنسياتها (بريطانيا ، كندا ، امريكا ، استراليا ، المانيا...الخ). والباقي سيتم ذبحه او شنقه في الميادين العامة ؛ إن لم يشرع منذ الآن في تشكيل مليشيات تحميه اولا وتبقيه محل اعتبار في اللعبة السياسية القادمة ثانيا. هناك شائعات عن امتلاك بعض قيادات الاسلامويين لمليشيات كشيخ علي وشيخ نافع ولم تتح لي فرصة التحقق من صحة هذه الشائعات ولكن كما يقول المثل لا يوجد دخان بلا نار. على اية حال ولايات الشمال والشرق هي الاكثر فقرا من حيث الطبيعة ولذلك فهي الاسرع معانات من مشكلة افلاس الدولة ، أما ولايات الغرب ككردفان مثلا فهي ولايات تستطيع ان تتحمل الظروف الاقتصادية لأنها ولايات تتمتع ببيئة خصبة وموارد اكبر. غالبا ما سيبدأ الانهيار من الشمال والشرق ثم الوسط قبل ان يمتد الى الغرب والجنوب في آخر المطاف. غير أن هذا لا يقلل من خطورة الأمر على النظام ، فكل موارد الدولة تأتي من ثغرها البحري على الشرق ، واقل خلل امني هناك يعني انقطاع التموين عن الداخل. خلافا للولايات الاخرى التي غالبا ما لا تعتبر ذات موقع جيواقتصادي استراتيجي. فليعد بنا التاريخ الى عام 1989 ولنهتف مع البشير والاسلامويين: (أمريكا روسيا السعودية مصر قطر تركيا قد دنا عذابها).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة