قرار من امتنعوا عن استوزار المالية أو غيرها من وزارات التشكيلة الحكومية الجديدة قرار أراه صائبا تماما ؛ المسألة هنا لا تتعلق بموقف (مع أو ضد) النظام ، إنما تتعلق (ب هل ) يمكن علاج الوضع الراهن؟ الخطأ الذي يصر عليه الرئيس هو اعتقاده بأن المشكلة تكمن في برامج سحرية مفقودة لحل الاشكالية ، وهذا غير صحيح ، وزير المالية الأسبق من اكفأ الاقتصاديين وأحد نوابه خريجي جامعة الخرطوم ، لكن الأمر هنا لا يتعلق بمشاكل ادارية إنما بمشكلة منبعها العلاقات السياسية الدولية. لقد قال وزير المالية الأسبق وأعلنها صراحة:(لقد جارينا حتى من كذب علينا وقال بأنه سيمولنا ومع ذلك (نط) هو أيضا) أو ما معناه. وزير المالية الأسبق لم يفشل -على ما اعتقد- لجهالته وضعف قدراته ، إنما لأن من الواضح أن هناك تعليمات دولية بمحاصرة النظام اقتصاديا ، فالدول قريبها وبعيدها وقفت لتتفرج على الأزمة وهي مكتوفة الأيدي ، اثيوبيا التي وبدون مقدمات (نالت صخبا إعلاميا) من قبل قنوات خليجية وعالمية كالجزيرة والعربية وال CNN وال BBC وخلافه سارعت اليها الدول لتنقذها من انهيار عملتها ، فالإعلام العالمي آعلام موجه ، وبمراقبة تحركاته واهتماماته وتركيزه تعرف أكثر مما يطرحه لك من مشاهد مختلقة ، الاهتمام بأثيوبيا وصلحها مع اريتريا ، يشي بتحولات في سياسات الدول الكبرى في وسط وشرق افريقيا ، وتجاهل انهيار السودان يشي أيضا بوصول هذه الدول الى قرار حاسم بخنق النظام وشل قدرته على الحركة. الآن كل عمليات البنوك السودانية مع البنوك العالمية مشلولة تماما ، والدولة الى حد كبير نجحت في السنوات السابقة في الحد من هذه المشكلة عبر عمليات التفاف شرعية وغير شرعية على هذا الخنق ؛ مع ذلك فلم يكن ذلك ذكاء منها انما لأن تلك الدول الكبرى اتاحت لها امكانية التنفس الى حد يبقي النظام على قيد الحياة ، والواضح أن الأمر الآن تحول نحو الرغبة في الخنق الكامل. مالذي سيفعله أي وزير قادم مع سياسات دولية في ظل اجماع دولي تم طرحه سرا وعلانية بأن الحل في شيء واحد:(رحيل الرئيس) . الموضوع محسوم مسبقا من الطرفين ؛ طرف المجتمع الدولي وطرف الرئيس ، فكلاهما مصر على موقفه. الرئيس في القرارات الأخيرة وفي خطابه الواضح كالشمس في خاصرة النهار (كما اسماها الأديب عادل سعد) ، ارسل رسائل غير مشفرة بالرفض وقرر تبني المقاومة بنفسه عبر تركيز السلطة في يده لمراقبة الوضع بدقة ، والرئيس سيفشل في ذلك تماما شاء أو أبى . سيفشل لأن الكثيرين إما تخلوا عنه جهرا أو سرا ، ولم يعد بيده سوى القوة المسلحة. وهذا هو مكمن الخطر. رسائل مصر والسعودية والامارات وربما بالموقف السلبي لقطر نفسها كانت واضحة تماما. صراحة أو ضمنا لا مخرج للدولة إلا برحيل الرئيس والرئيس يأبى أن يرحل. وهكذا فلا رئيس وزراء جديد ولا وزير مالية جديد يملك عصا موسى ولا مسحة رسولية لإنقاذ ما يمكن انقاذه والفشل المؤكد هو السبيل المحتوم له. لكن من خلال هذه الأزمة ومن خلال ما تسارع من الاعلام الرقمي من معلومات حول اعتذار السيد حمدوك عن الوزارة ، ظهرت لنا شخصية حمدوك هذه بقوة حيث أنكر الكثيرون خبر قبول هذا الأخير للمنصب الوزاري ثم حدث تبادل للشائعات حول الرفض والقبول . وتم ارسال سيرة ذاتية لهذا الشخص وتاريخه ؛ ويبدو أن هذا الخطأ البسيط من النظام بتعيينه لحمدوك قد أعطانا شخصية يمكن الالتفاف حولها بثقة لقيادة المرحلة المقبلة -إن كان حمدوك طبعا لديه قدرات قيادية- الى جانب مؤهلاته وكفاءته العلمية المحسومة مع علاقاته الدولية التي يمكن أن تساعده كثيرا في الاسراع بتطبيب علاقة السودان بالمجتمع الدولي بسهولة وسرعة، أعتقد أن هذه الشخصية مؤهلة كفاية وموثوق فيها لتقود المرحلة الانتقالية بحيث تعبر بالدولة الى بر الأمان. ولذلك رب ضارة للنظام نافعة للشعب أن حدث هذا الخطأ من جانب الحكومة عرضا وتعيين حمدوك دون التثبت مسبقا من قبوله . لا أجد أي مانع من التفاف الناس حول هذه الشخصية سواء الشعب أو القوى السياسية ان تخلت هذه الأخيرة عن حسدها الفطري قليلا. فربما كان هذا هو البديل للجميع وليس لهذا النظام فقط. لكن من يقنع القط؟
العنوان
الكاتب
Date
الحكومة الجديدة والفشل المؤكد وظهور البديل الرئاسي بقلم د.أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة