إن المقابر هي (دُور)، ومنازل، ومساكن، وبيوت، ومن دفنوا بهم هم (سكانها وأهلها) .. فهي ديارهم، وهم في دار تسمى دار (البرزخ) وحياتهم (برزخية)، ولذلك فإن من يدخل المقابر يقول : (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ ) رواه مسلم وغيره. فكما يسلم القادم على أهل البيت الأحياء فإنه قد ورد في هدي النبي عليه الصلاة والسلام السلام على أهل هذه الديار لمن يدخل دارهم.. كما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الجلوس والقعود على القبور، فقال في أحاديث كثيرة : (... وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا) رواه مسلم، وقال : (لا تقعدوا على القبور) رواه النسائي وصححه الألباني، ولما رأى عليه الصلاة والسلام من يمشي بين القبور بنعليه أمره بنزعهما، فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره : (وَحَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- نَظْرَةٌ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِى فِى الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ فَقَالَ : « يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ ». فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا) . وهو توجيه نبوي كريم نهى عن المشي بالنعلين بين مراقد أهل هذه المنازل. هذا جزء من حق هؤلاء الموتى، وبعض آداب وأحكام من يدخل هذه الديار ويمشي بين منازل أصحابها. وأما لحظات التشييع فهي في مجتمعات المسلمين وفي مقابرهم لحظات اعتبار وعِظة، وحزن وألم فراق، ولذلك فقد أحسن البراء بن عازب رضي الله عنه الوصف بقوله : (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير..) رواه أحمد وغيره وصححه الألباني، ومن كان الطير على رأسه فإنه لا يتحرك يميناً ولا يساراً فضلاً عن أن يرفع صوته بالتكبير أو التهليل أو ينشد القصائد أو يردد الهتافات . وفي المقابر خاصة بالمقابر القديمة بعاصمتنا الخرطوم مثل : (أحمد شرفي، البكري، فاروق .. وغيرها )، بعض الأعمال التي تحتاج إلى مراجعة عاجلة وينظر إلى الذي فيه خطأ منها ويحتاج إلى معالجة ليعالج وتبرَّأ الذمة فيه، فإن المقابر – كما تقدّم – بيوتٌ لساكنيها الذين سبقونا إليها وإننا في طريقنا إليهم وكل يوم يمضي نقترب منها يوماً ونقترب إلى جوارهم !! وإن أغلب ما يلاحظ على هذه المقابر وما يشبهها هو بسبب استغلال جميع أراضيها في دفن موتى سابقين، حتى بات من الطبيعي أن يجد من يقومون بحفر القبر فيه ميتاً مدفوناً !! وعندها تتنوّع الاجتهادات في تصرّفهم !! وهذا - والله - من أسوأ أنواع الاعتداء والظلم !! فإن إخراج الحي من بيته الذي يسكن فيه بغير حق جريمة منكرة عظيمة، فكيف إذن.. بإخراج الميت من بيته، وإن كسر عظم الميت مثل كسره حيّاً كما أخبر إمام الأنبياء والمرسلين الذي بعث بإرساء قواعد الحق والعدل، صلى الله عليه وسلم . وإن بلادنا - والحمد لله - بها أراضٍ شاسعة ومساحات واسعة، وإن الواجب المتحتّم إغلاق المقابر بعد امتلائها وتسويرها احتراماً وإجلالاً لسكّانها وأهلها المقيمين فيها، وتخصيص أرض أخرى في مكان مناسب لمقبرة جديدة، فإن الخطة الإسكانية هي للأحياء والأموات !! بل إن إسكان الأموات أولى من إسكان الأحياء !! ومما يؤكّد هذا الفرق أن الشريعة الخاتمة قد حثّت على التعجيل بإدخال الموتى بيوتهم والمسارعة في ذلك. لقد ذهبت قبل مدة قريبة للمشاركة في دفن إحدى القريبات بمقابر البكري بأم درمان ومما لم يعجبني بالمقابر ما يلي : 1- دفن بعض الأطفال في مدخل المقبرة في قبور اتجاهها - للأسف الشديد - إلى غير القبلة بسبب ازدحام المقبرة وعدم وجود أماكن شاغرة لحفر قبور في اتجاه القبلة. 2- فتح قبور بعض الموتى المتوفين قديماً بعد اختفاء معالم القبور بسبب البحث عن مدافن موتى جدد.. وهذا كما ذكرت يحصل في هذه المقبرة ومقابر أخرى وربما عدد من المقابر كما ذكرت، وهي قضية خطيرة جداً تحتاج لبسط الحديث فيها ومناقشتها . إذ يحصل ~ للأسف ~ بهذا الفعل المتكرر في الفترة الأخيرة انتهاك حرمة الميت والتعدي عليه بغير مسوغ شرعي وهذا من المحرمات العظيمة. ويصدق بهذا الفعل قول بعض الناس : ( حتى شبر الأرض الذي سنسكن فيه بات مجهجهاً) !! حيث إن كثيراً من الناس الذين لم يوفقوا لتملّك أرض أو بيت في هذه الدنيا الفانية يقولون في تسلية أنفسهم : (بيتنا هو الشبر الذي سنضجع فيه في الأرض وكلنا إلى الشبر)، وهذه القضية - أعني قضية استمرار الدفن في المقابر الممتلئة مما يترتب عليه فتح قبور موتى - باتت قضية تزعج كثيراً من الناس، بل إن ألمها شديد وجرحها عميق، ونطمع في معالجتها بطريقة عاجلة حفظاً لحقوق الموتى الذين سنكون بينهم قريباً جداً !! ولا حول ولا قوة إلا بالله .. 3- كما رأيت اضطرار كثير من الناس إلى المشي فوق القبور وبأحذيتهم – مخالفين بذلك الهدي النبوي – وذلك لأنه لا توجد طرقات بين القبور بسبب طريقة دفن الموتى وبسبب الأشجار والأشواك!! 4- صلاة بعض المصلين صلاة الفريضة في المصلى الذي يتوسط المقبرة وتحيط به القبور من الجهات الأربع وهذا خطأ كبير ومخالفة للتوجيهات النبوية فإن المقابر لا يصلى فيها. أرجو ممن لهم صلة بهذه المقبرة وبشبيهاتها التنبيه على هذه الأخطاء وما يشبهها فإن «الدين النصيحة»، والله المستعان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة