رفض كلا من مشار وسلفاكير التفاوض في أثيوبيا ، واتفقا على السودان ، وهذا رفض لا اعرف مبرراته ، ربما كان كلا الطرفان يعولان على فهم السودان للمسألة بشكل اعمق ، وربما كانا يعولان على ان السودان كداعم لمشار يمكن ان يكون ضامنا لتنفيذ مخرجات التفاوض. وهذا في حد ذاته يعني انهما واقعان تحت ضغط دولي ضخم جدا. هناك اتفاقات عدة تمت وانقضت قبل ان يجف حبرها بين الطرفين الموقعين. في عام 2015 تم توقيع اتفاق اطلق عليه اتفاق نهائي للسلام . وقد اوردت الجزيرة تقارير باسم الخارجية الامريكية تؤكد ان واشنطن ستحاسب من ينتهك هذا الاتفاق. مع ذلك تم انتهاكه بالفعل عشرات المرات. كانت بنود ذلك الاتفاق تقضي باعلان وقف دائم للقتال ومنح مشار منصب نائب الرئيس وضع آلية مراقبة وتقييم لتنفيذ الاتفاق وغير ذلك ، حيث لم يحدث شيء سوى محاولات غدر متبادلة بين الطرفين وضعت العاصمة جوبا في حالة توتر أمني حاد. في ذات التوقيت الراهن رشحت انباء عن رغبة أمريكية لإعادة توحيد شطري البلاد ،؛وتنامى شعور عام لدى الشعب الجنوبي بخطأ تقريره للانفصال. وهنا يجب أن نتساءل عن نسبة احتمال عودة الجنوب الى التوحد مع الشمال؟ في الواقع هناك اشكاليات عديدة تجعل من العودة للتوحد أكثر جاذبية للاطراف من ضمنها ما عاناه الشمال من انقطاع موارد البترول بشكل مستمر سواء لحصول جوبا على اغلب مناطق البترول ، او للانقطاع الدائم عن تمرير البترول عبر السودان بسبب الحرب الاهلية في الجنوب او بسبب التوتر في العلاقات بين البلدين. بالاضافة الى هذا فشعب جنوب السودان وصل الى مرحلة خطيرة من الفقر والفساد وانتشار الطاعون والاوبئة والامراض وانهيار حاسم للعملة المحلية. وهذا ما وضع الجنوبيين الذين عادوا في مأزق معاناة دائمة من ابجديات الحياة الكريمة. هناك لاجئون بمئات الالاف على الحدود بين البلدين ، ويبدو ان الجميع -بعد هذه السنوات الثمانية- قد اعلن خسارته بسبب الانفصال. الا أن هذا لا يعني أن الوحدة حتمية ، فهناك عوامل تقلل من احتمال العودة ، وأولها الحالة النفسية للمواطن في السودان ، حيث أن حالة الشعور بالصدمة بسبب الانفصال قد انتهت ، ولم يعد هناك اهتمام جماهيري بما يحدث بالجنوب ، اي ان هناك انقطاع نفسي قد حدث ، وهذا الانقطاع يجعل عودة الجنوب او بقائه تحصيل حاصل بالنسبة للمواطن السوداني ، فوق هذا فهذا الانقطاع النفسي تعززه مخاوف من اعادة تحمل السودان لعبء صراع جديد ، هو في غنى عنه في ظل صراعات أخرى أكثر اهمية لم تحسم بعد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق. يعاني السودان حاليا من أزمة اقتصادية حادة ، واليوم بلغ سعر الدولار أربعين جنيها ، مما يجعل من خيار تحمل اعباء انضمام الجنوب امرا مرهقا جدا. فوق هذا فالدولتان تخوضان حروبا اهلية طاحنة وحصارا عالميا ، وتجمع المأزومين لا يفيدهما خاصة أن الانظمة الحاكمة فيهما هي انظمة دكتاتورية بلا منازع.
العنوان
الكاتب
Date
سلفاكير ومشار.. العرجا لي مراحا بقلم د.أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة