خلال ايام عيد الفطر المبارك شاهدت برنامجا في احدي القنوات السودانية ، وكان اللقاء مع بعض النساء يتحدثن عن امور شتى ، ومن خلال النقاش ، ذكرت احداهن كانت مقيمة خارج البلاد لفترة طويلة ، وقالت نحن في الطائرة سألها اولادها عن افضل دور السينما الموجودة في الخرطوم ، وقالت انها شعرت بالحرج لأنه لايوجد دور السينما في الخرطوم , وفعلا لايوجد دور السينما في السودان عموما ، بسبب بعض الاجتهادات الشخصية الخاطئة بتحريم السينما مثلها مثل غيرها من مواعين الثقافة الحديثة التي يرى بعض الظلاميين بحرمتها، لأنها في نظرهم لهو ينهي عن ذكر الله ، ومن قال ذلك. السينما او ما يعرف بالفن السابع هي احد نتاج التطور الحضاري للبشرية ، وعلى الرغم من انتشار وسائل الترفيه والتواصل الاجتماعي الا انها لم تفقد بريقها ، ولديها روادها ، ونسمع في كل يوم أن هناك فيلما حقق اكثر من مليار دولار امريكي ، وهناك العديد من الدول التي كانت ترى ان السينما من المحرمات الا انها قامت بفتح دور للسينما ، وفي كل يوم نسمع بافتتاح دار سينما باحدث المواصفات العالمية ، ومنذ اليوم الاول فهي تعج بالرواد ، وتحتاج للحجز حتى تجدل لك مكانا ، وخاصة في نهاية الاسبوع . ومنذ فترة سمعت الفنان الكبير جلال الشرقاوي يتحدث عن الارهاب الذي يحارب دور السينما والمراكز الثقافية والمسارح ، قال لا اتصور عالم بدون مسرح او بدون سينما او بدون موسيقى ، هذه قمة التخلف والرجوع للوراء ، والكثير من الفتاوى التي صدرت وتصدر بخصوص الثقافة والادب والفن ، خاضعة للرأي الشخصي البحت ولم تناقش بصورة مستفيضة من الناحية الاسلامية او من الناحية العقلانية. يجب على العلماء عدم اصدار الاحكام والفتاوى جزافا دون منطق او علم او روية ، الزمن تغير والحياة تسير بسرعة لايمكن تصورها ، لذلك علينا ان نواكب العالم المعاصر حتى لانصبح مسخرة بين الجميع. وهل السينما حرام ، لا اظن ذلك لأن السينما تسمح لك بقضاء لحظات رائعة وننهل من الثقافة وتكون قد اطلعت على رواية لم تتح لك الظروف بقراءتها في الكتاب ، وقضيت اكثر من ثلاث او اربع ساعات من يومك بعيدا عن القلق والفراغ الذي كان بالامكان أن يقود الكثير من الشباب إلى المخدرات او التفكير في اشياء خطيرة لايحمد عقباها.
واعلان اين تسهر هذا المساء الذي يظهر في صحيفتي الايام والصحافة وكان اهم مورد للصحف لأن الجميع كانوا يرغبون في معرفة ما تعرضه دور السينما في العاصمة المثلثة ، من افلام اجنبية وعربية وهندية ، حتى الواحد فينا يعرف اين يذهب ، وكانت دور السينما تعرض احدث الافلام التي تنتج في شتى انحاء العالم ، مع ترجمة خوري وعبيد على ما ظن واتمنى الا تخني الذاكرة . دور السينما في شتى انحاء السودان كانت مراكز للثقافة والتنوير ، ويرتادها الالاف يوميا من اجل الاستمتاع بمشاهدة الافلام وقضاء اوقات بريئة بعيدا عن أي تفكير في أي شيء آخر. كما أن الافلام الهندية كانت تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدا حيث ان الذين ينتظرون اكثر من الذين داخل القاعة ، فهؤلاء لايذهبون إلى بيوتهم بل ينتظرون الدور الثاني (العرض الثاني) . وكان الجميع ممن يرتادون دور السينما للاستمتاع بالأفلام وقضاء اوقات فراغهم مع الاصدقاء والعائلة ،وقد اسهمت السينما في نشر الثقافة والاستنارة بين الناس ، وكانت موزعة بصورة جغرافية في مختلف احياء العاصمة المثلثة وغيرها من المدن السودانية ، حيث تدخل ضمن الخطة الاسكانية.
مع انتشار القنوات الفضائية والانترنت ويوتيوب وغيرها من المواقع التي تعرض احدث الافلام الا ان السينما ما زالت هي الاساس لعرض احدث الافلام ثلاثية الابعاد ورباعية الابعاد وغيرها من احدث اساليب العرض التي تجتذب رواد السينما. وعلى الرغم من أني كنت استغرب ازدحام دور العرض في مختلف دول العالم ، الا اني في يوم من الايام دخلت احد دور السينما بالصدفة ، وفعلا بالصدفة ، لكن صدقوني استمتعت كثيرا ورأيت مدى سعادة هؤلاء الجالسين في القاعة وهم يتجاوبون مع العرض يضحكون كثيرا ، وأنا متأكد انهم قضوا لحظات رائعة ، خالية من التدخين ، والملل والتفكير في اشياء سالبة مثل ندب الحظ او التفكير في ارتكاب جريمة او أي عمل من الممكن ان يخل بالامن.
للذين تسببوا في اغلاق دور السينما وربطوها بالدين ، عليهم التفكير مرة أخرى إن السينما او الفن السابع ، فن راق ومتطور ولا اظن اذا تم عرض افلام جادة ودون ابتذال والقيام بحذف المشاهد التي تتعارض مع قيمنا يكون حراما ، الفراغ هو اخطر من دخول دور السينما ، لأن الفراغ يدعو للمخدرات ويدعو للاجرام ، الافلام السينمائية تمكنت من معالجة الكثير من الظواهر السالبة ، ومنذ البداية عندما شاهدنا افلام يوسف وهبي وكيف انها اسهمت في معالجة الكثير من العادات والتقاليد السلبية في المجتمع. كما ان دور السينما توفر الوظائف للالاف من الشباب بصورة مباشرة وغير مباشرة ، حيث يعمل دور السينما الالاف ، بالاضافة إلى هناك من يبيع تسالي ، وهناك ومن يبيع ترمس وهناك ومن يبيع سجائر وآخر ودعماري وتبش بشطة ومطاعم ومقاهي وكافتيريات تقدم الطعام والعصير للرواد. وكذلك تنشيط حركة المدينة حتى منتصف الليل وكذلك توفر الموصلات التي تنتظر رواد السينما وهذا وظائف تفتح الكثير من البيوت وتستوعب الالاف من الشباب الباحث عن عمل.
نرجو اعادة التفكير في اعادة فتح دور السينما واعادة مؤسسة الدولة للسينما حتى لو تمت خصخصتها ،حتى نحمي شبابنا من المخدرات وغيره من انواع اللهو غير البريء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة