لا أرى سبباً لقيام السفارات والسفراء بزيارة بعض أطراف عاصمتنا ومدننا للتصدق ببعض إغاثاتهم على شعب (عوج الدرب) الذي ينشر أفراده عمائمهم ويتراص شبابهم على شوارع الأسفلت ليرغموا البصات والسيارات على التوقف حتى يتناول ركابها إفطاراً (إجبارياً) مشفوعاً بالطلاقات والحرامات خلال شهر رمضان المبارك مما وثقته كاميرا قناة الجزيرة الفضائية التي بلغ بها الانبهار مداه وهي تحكي عن شعب لا تشبهه شعوب الدنيا كرماً ونبلاً ومحتداً.
أقسم بالله أن السفارة الأمريكية لا تريد بنا وبشعبنا خيراً حين تصور بعض فقراء شعبنا وهم يتسابقون ويتدافعون بالمناكب للحصول على بعض الفتات الذي يقدمونه لمواطنينا في ضاحية سوبا أو غيرها بل تريد نزع تلك الروح المتوثبة إلى المعالي من شعب عزيز يتحلى بقيم ومباديء وتقاليد لا توجد في شتى أنحاء الدنيا.
من يصدق أن سفارة الدولة التي حاصرت شعب السودان لأكثر من 20 عاماً وضيّقت عليه الخناق وحالت بينه وبين مقومات التطور والنهضة والعيش الكريم ترفق به من خلال التكرم عليه بحفنة من فتات الذل والعار ؟!
ثم تبارت عدد من السفارات العربية في توزيع إغاثاتها - أمام الكاميرات - على فقراء بلادي ومتسوليها ! هل تراهم يسمحون لسفارتنا أن تفعل في بلادهم ما يفعلون في بلادنا؟!
كم بربكم قيمة الوجبة التي تقدم لمجموعة من مئة أو مئتي فقير لكي تتفاخر بها تلك السفارات وتنشرها في صحفنا بل في أجهزة إعلامها وصحافتها ولماذا نسمح بما يمرغ أنف وطننا ومواطنينا في التراب ويُظهرهم أذلة متسولين؟!
لا يمكن لدولة عزيزة تضم شعباً عزيزاً يتباهى شعراؤه ويصدح مغنوه بأشعار الكرم والمروءة والشهامة أن تقبل بتلك الممارسات من السفارات الأجنبية التي تتبارى في إظهار (تفضلها) على فقراء شعبنا وتصر على توثيق عطاياها الرخيصة من خلال صحافتنا وصحافيينا.
عندما ردت صحافتنا وإعلامنا الإسفيري قبل أشهر على استفزازات أراذل الإعلام المصري تراجعوا وثاب الكثيرون منهم إلى رشدهم ولكن من يأمن أولئك الأشرار الذين يتلونون في تخرصاتهم وأساليبهم الماكرة وهاهم يستخدمون هذه المرة الدراما للإساءة إلى شعب السودان الذي لو توقف عن السياحة العلاجية فقط لسبب لهم كثيراً من الأذى.
ألا يكفي ما يهرف به سفهاؤهم من تهكم وسخرية من إنسان السودان الذي شهد أكبر علماء الآثار في العالم بأن أرضه تضم أول حضارة إنسانية في كرمة ويشهد له أصحاب الفضل بأن علماءه ومتعلميه ومثقفيه هم الذين أسهموا في إزالة الأمية في موطن متهكمي بعض الدول الخليجية وفي تخطيط شوارعهم وإدارة مؤسساتهم وبلدياتهم وبذلوا ولا يزالون الدم الغالي دفاعاً عن أرضهم وأعراضهم؟! من تهكموا بلهجتنا في ذلك العمل الدرامي الخليجي القبيح نسوا أن يسألوا أنفسهم كيف ولماذا تستقدمون معلمي أطفالكم من أعاجم كسالى لا يجيدون لغتكم لا يحسنون حديثاً ولا صنعاً؟!
لو أنصفوا لتذكروا خصائص وصفات الشعب السوداني بين كل الشعوب التي عايشوها من خلال تفرده بسلوك لا يأتيه إلا أفراده ولتذكروا بعض الوقائع التي تحدث عنها إعلامهم وضجّت بها أسافيرهم مثل حادث مشعر منى قبل سنوات والذي كشف معدن الشعب السوداني المتفرد.
هزني خبر اعتذار سلطنة عمان عن قبول أي عون أو مساعدات خارجية للتخفيف من كارثة الإعصار المدمر الذي ضربها مؤخراً .. لا أحتاج أن أجيب عن السؤال: لماذا يا ترى رفضت السلطنة ذلك العون بالرغم من أنه مبرر في مثل تلك الظروف الاستثنائية القاهرة؟!
حدثني سفيرنا في إحدى تلك الدول أنهم تلقوا قبل سنوات طويلة رسائل بالمسموح والمحظور الذي لا يجيز لهم التواصل مع مجتمعات تلك الدول إلا عبر وزارة الخارجية وليس كما يفعل بعض سفرائهم المستبيحين لأرضنا وشرفنا وكرامتنا فأين وزارة خارجيتنا من تلك التقاليد الدبلوماسية الراسخة التي تمنع التطفل والتطاول على كرامة البلاد والعباد؟
عاتبني بعضهم لماذا رفضت استقبال نائب رئيس بعثة السفارة الأمريكية فقلت لهم أنّي لا أفرق بين هؤلاء ورئيسهم ترمب ، ذلك المغرور المتحالف مع أعدى أعدائنا وما أولئك الذين يتوددون إلينا بابتساماتهم الصفراء وإغاثاتهم الموبوءة بالعار والشنار إلا ممثلين لروسائهم الأشرار الذين احتلوا العراق وأفغانستان وجثموا على مقدساتنا ونهبوا أموالنا ومنحوا قدسنا وأقصانا للصهاينة ونحتاج أحيانا أن نقدم لأولئك المغرورين صورة أخرى لإنسان السودان نبيّن لهم فيها أننا أعزة أمام الدنيا بأجمعها فإن كان البعض يتهافتون لاسترضاء أمريكا فلسنا كذلك ولن نستكين إلا لرب العالمين.
أعلم أن تردي أوضاعنا الاقتصادية وبؤس سياساتنا أسهم كثيراً في رسم تلك الصورة الذهنية السالبة للسودانيين فالشعوب تنال احترامها من مكانة دولها قوة وضعفاً.. فوا حر قلباه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة