التجارب الدستورية والقوانين في السودان بقلم عبد الباسط محمد محمد يحي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 00:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-05-2018, 07:13 AM

عبدالباسط محمد الحاج
<aعبدالباسط محمد الحاج
تاريخ التسجيل: 12-12-2017
مجموع المشاركات: 10

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التجارب الدستورية والقوانين في السودان بقلم عبد الباسط محمد محمد يحي

    07:13 AM May, 05 2018

    سودانيز اون لاين
    عبدالباسط محمد الحاج-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر


    مقدمة :
    لقد مرت الدولة السودانية الحديثة بتجارب دستورية وقانونية عديدة متمايزة عن بعضها البعض نتيجة الاضطراب السياسي المستمر للدولة ولان الدستور اتخذ كالعادة في السودان ليكون انعكاس لتوجهات النخب الحاكمة وأيدلوجيات الأحزاب السياسية ليست كوثيقة تؤسس لترابط المجتمع وتعكس واقعه .
    عادة ما يتم تناول التجارب الدستورية والقانونية في السودان من تاريخ الاستقلال وعمل قطيعة تفصل فيها بين المرحلتين الاستعمارية والوطنية ، وهنا لا أريد أن احكم مباشرة على فشل التجارب الوطنية قبل تقديم الأدلة الدامغة على ذلك وان كان الفشل هو العنوان الرئيسي لها ولكل حاصف وحاذق سياسي سيحكم بذلك مبدئياً ، وذلك للتردي السياسي والقانوني الذي ظللنا نتعايش معه طوال التاريخ ربما لمكابرة النخب وعدم اكتراثها أو لعدم درايتها التامة بالوضع المجتمعي أو لربما لطغيان مشروعاتهم وتفاوتها أو لضيقها وعدم اتساعها واتساقها مع البنية الاجتماعية للدولة .
    دعوني اقتبس لكم جزء من جلسات البرلمان السوداني القديم في فتراته الأولى عقب الاستقلال مباشرة لتبين مدى تراكم الأزمات وتعقداتها القادمة إلينا من الجذالديمقة الاستقلال وكيفية المناقشات التي تمت واللغة المجافية للواقع :
    المكان : إحدى القاعات الأنيقة بدار البرلمان السوداني ( القديم ) .
    الزمان : جلسات اللجنة القومية لوضع مشروع الدستور الدائم للبلاد 14/1/1957 – 18/1/1958م .
    موضوع النقاش : شكل الدولة .
    رئيس الجلسات : السيد / بابكر عوض الله رئيس مجلس النواب .
    الوقائع :
    العضو احمد مير المحامي : اقترح أن يكون البند الأول في الدستور : ( السودان جمهورية برلمانية موحدة ) .
    العضو ميرغني ألنصري : اقترح إضافة ( إسلامية ) لهذا البند ليكون : ( السودان جمهورية إسلامية موحدة ) .
    العضو عمر بخيت العوض ( ممثل الهيئات الإسلامية ) : أؤيد التعديل ... وذلك نظراً إلى مناداة الحزب الوطني الاتحادي بالدستور الإسلامي ، وان جماهير حزب الأمة والشعب الديمقراطي لا تريد غير الإسلام .
    العضو ستانسلادس بياساما ( ممثل الجنوب ) :: أؤكد لكم أنكم لو أجزتم هذا التعديل فسوف أحس أنا الأفريقي الأصيل صاحب هذا الوطن بأنني غريب في بلدي فهل يصح أن أكون غريباً في بلدي ؟ أنني اقترح بدلاً من ذلك أن يكون هذا البند على النحو التالي : ( السودان جمهورية ديمقراطية فيدرالية ) .
    العضو عمر بخيت العوض يتمسك بالتعديل ويقول :يقولون أن هذا سيفصل الجنوب ..... إذا كنا نريد أن نسحب هذه التسمية لان غير المسلمين لا يرتضونها فلماذا نضحي برأي الأغلبية المطلقة , وهي مسلمة من اجل غير المسلمين وهم أقلية ؟ نحن نريد حكماً إسلامياً (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) (1) .
    هذا الاقتباس هو جزء لا يحصي من الحجم الهائل من السجالات و النقاشات العقيمة التي دارت في سجلات التاريخ السياسي السوداني الحديث الذي ابتدأ من بعد خروج المستعمر , فهذا النموذج من السجال ظل يولد نفسه في كل الأزمان والأمكنة باختلاف الشخوص وتشابه النتائج العاجزة عن وضع الحلول للازمات الدستورية والسياسية المتراكمة .
    مدخل تعريفي عن الدستور :
    أن المفهوم السائد للدستور في الفقه القانوني هو ذلك العقد الذي ينشا الدولة وبين شكلها وأجهزتها وطبيعتها ,كما انه الوثيقة التي تضمن حقوق المواطنين داخل الدولة وتحفظ وحدتها وتماسكها ,كما انه يحدد نظام الحكم فيها.
    وبما أننا بصدد تناول مفهوم الدستور بصورة عامة فنحاول أن نتجنب اللغة القانونية المضبوطة أو الصيغة القانونية الصرفة التي تنتمي لأهل التخصص وبحكم أن المعضلة الدستورية لا تنفصل عن الأزمة العامة .
    فتناول المفكر جون رولز في كتابه ( نظرية العدالة ) تعريف الأساسيات الدستورية وقضايا العدالة الأساسية ( Constitutional essentials and matters of basic justice ) بأنها : ضروب المسائل السياسية التي ينبغي البت فيها وفقاً للقيم السياسية للعقل العمومي ، حيث تتضمن الأساسيات الدستورية أسئلة الحقوق الأساسية والحريات وذلك فضلاً عن السلطات الدستورية والإجراءات الحكومية ، وتتضمن العدالة الأساسية القضايا المرتبطة بتكافؤ الفرص ، والحد الاجتماعي الأدنى ، وكل القضايا الأخرى ذات العلاقة بالممارسة الفعالة للحريات الأساسية والفرص المنصفة (2) .
    فمفهوم الدستور لا ينفصل في سياقه الكلي عن قضايا الحقوق الأساسية للمواطنين داخل الدولة ، ولقد تناول فلاسفة العقد الاجتماعي صورة العقد المنشأة للدولة الذي ارتضاه السكان في شكل وثيقة أساسية تحفظ حقوقهم وتبين العلاقة ما بين الدولة ورجال الدولة من جهة والمواطنين من جهة أخرى كما توضح هذه الوثيقة الطرق المتبعة في حال إذا ما خالف احد الأطراف التزاماته تجاه الأخر فالدولة تحتكر وسيلة العقاب لمجازاة كل الأطراف المخترقة للالتزام ، كما المواطن يلجأ لطريقة مختلفة تتمثل في السعي لتغيير الحكومة إذا كانت منتهكة لحقوقه الأساسية وفشلت في الالتزام بواجباتها .
    هنا نجد أن رولز قد أسس لمفهوم متطور لفكرة الدستور والعقد المؤسس نفسه فيها سماه ( بإعادة صياغة ) لنظرية العدالة أو الحالة الأولى التي انطلق منها كل من روسو وهوبز وجون لوك ، فهو وضع شرط الحريات والحقوق الأساسية في قلب عملية الصياغة الدستورية كعقد مشيء للمجتمع فيما سمي بعملية ربط ( العدالة بالحرية ) والإنصاف وتكافؤ الفرص ، ربط المفاهيم المذكورة هذه بالديمقراطية والإصلاح السياسي الديمقراطي ، فهي أطروحة مركزية في القرن السابق والحالي ومحورية من حيث مفهوم الدولة الحديثة .
    يحضر الدستور الرولزي كوعاء معياري ومرجعي لمبادئ العدالة الاجتماعية وهو قبل ذلك يشكل مرحلة مسار التعاقد الافتراضي ، عندما تصل الشخصيات الأخلاقية المشكلة لإطراف التعاقد إلى اللحظة التأسيسية الدستورية وهو في الأخير مؤسسة مركزية في ديمقراطية الليبرالية السياسية وفي بناءها للشرعية (3) .
    أن التنظير الرولزي ومن قبله فلاسفة العقد الاجتماعي يقوم على أساس فرضية الحريات الفردية التي يقوم عليها المذهب الليبرالي ، فان التعاقد الدستوري ما بين أفراد المجتمع المعين يقوم على تقديم الحريات الشخصية كحق أصيل وعلى أساسه يرتضى لأشخاص طوعاً بتكوين الكائن الافتراضي المسمى دولة وعلى أساس طوعي يتم اختيار ممثليهم والأشخاص والمكونات كما الحياد في الجانب العقدي من حيث الدستور أو الممارسة العملية للمؤسسات كامتداد لحياد الدولة .
    الدستور والحريات :
    أن قيم الحرية والكرامة والمساواة هي حق أعلى القيم التي يمتلكها الإنسان لذلك نجد أن جميع الدساتير وتاريخياً قد أفردت لهذه القيم مساحة خاصة حفاظاً عليها واعلاءاً من شانئها ، وقد ذهب جميع الفلاسفة الليبراليين إلى هذا المنحى بحكم المذهب وأعمق من ذلك لارتباط مفهوم الدولة الحديثة بنظريات العقد الاجتماعي التي تأسس عليها المذهب الليبرالي الحديث والكلاسيكي أيضا ، إذاً أن الدولة تقاس تقدماً أو تأخراً بالمدى الذي يتسع لحريات للأشخاص ، وهنا نأخذ رأي رولز الذي يحدد ( الحريات والحقوق الأساسية في حرية الضمير وحرية الفكر والتفكير والحريات السياسية على سبيل المثال : حق التصديق والمشاركة في السياسة وحق إنشاء الجمعيات وكذلك الحقوق والحريات المحددة بحرية الشخص الجسدية والنفسية وكرامته ، وأخيرا الحقوق والحريات التي ينظمها القانون ) (4) .
    وقد ذهب بعض الفلاسفة إلى تعريف الدستور من محور الحرية ومنهم العلامة الدستوري الفرنسي اندريه هوريو والذي يقول أن الدستور هو التعايش السلمي بين السلطة والحرية ( أن مدلول القانون الدستوري أي معناه العميق أو كما يقال مهمته هو تنظيم التعايش السلمي بين السلطة والحرية في إطار الدولة ) (5) .
    منذ منتصف القرن العشرين دخل العالم مرحلة جديدة في الصياغ التشريعي وهي الحقبة التي تم فيها ابتكار صيغ لصون كرامة الإنسان والحريات فيما سمي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع عليه في العام 1949م وتلي ذلك العهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فهذه الاتفاقيات الأصل فيها حريات الإنسان وكرامته ولمساواة على أساس الإنسانية وقد وقع عليها غالبية دول العالم وأخرى انضمت انضمام وتعتبر هذه الاتفاقيات جزءاً أصيلاً من دستور أي دولة طرف فيها .
    العلاقة ما بين الدستور والديمقراطية :
    كما هو متفق في السياق السياسي العام بان الديمقراطية هو أكثر وسيلة متطورة ومفضلة وكأخر ابتكار لأنماط الحكم ووسائل تغيير الأنظمة عن طريق الاعتقاد أو بالأحرى من غير سفك قطرة دم واحدة من الشعب وذلك عن طريق الانتخابات كطريقة رئيسية لهذا النهج وتصنف كجانب شكلي للديمقراطية ، وقد ذهب علماء السياسة لأبعد من ذلك بتعميق فكرة الديمقراطية وتجذيرها وسط المجتمع ويسميها جون رولز بــ ( العقل العمومي ) فيقول : انه يخاطب أنواع المبررات الملائمة للقرارات الحكومية والخطاب والتبرير السياسيين الموجهين إلى الجمهور في التفكير الفلسفي للعقد الاجتماعي لدى روسو وكانت ثمة فكرة عن العقل العمومي حيث يفترض الفيلسوفان أن على القوانين والدساتير كي تكون مقبولة من الجميع أن تكون مبررة لدى الجميع لأسباب يستطيعون قبولها أيضا (6) .
    أن العقل العمومي لا يتحدد إلا على خلفية وجود مؤسسات ديمقراطية لا يقوم إلا على افتراض التسامح مع سائر المواقف الدينية والفلسفية والأخلاقية المختلفة ، وهو عقل يخاطب الأشخاص باعتبارهم مواطنين ديمقراطيين لا على أنهم وكلاء اقتصاديون أو معتنقون لدين معين أو لأي تصور شامل أخر للخير ، بل بوضعهم مواطنين لا اقل ولا أكثر (7) .
    فإذا أخذنا في الاعتبار المبدأ الديمقراطي الأصيل المتمثل في التداول السلمي للسلطة فان يكون متأصلاً Inherent في البنية الاجتماعية وجوهر الوعي العمومي لهم وبالتالي عملية التداول ما هي إلا عملية ظاهرية إجرائية In principle انعكاساً للقيم الديمقراطية وهذا يقودنا للقول أن وجود دستور لأي دولة لا يعني أن هذه الدولة ديمقراطية والعكس هو الصحيح فالدولة الديمقراطية بالضرورة دستورها ديمقراطي .
    ولكي نجعل ذلك أكثر وضوحاً فان عملية وضع الدستور في أي دولة ديمقراطية تمر بمرحلة بالضرورة ديمقراطية ( انتخابات ) أو فيها يسمى في الفقه الدستوري بـ ( الجمعية التأسيسية ) التي يجب أن تكون منتخبة من الشعب مباشرة ومن ثم تشرع في وضع مسودة الدستور ويتم الاستفتاء عليه من الشعب وإجازته بواسطة البرلمان أو المجلس العمومي للنواب بالدولة وهذا من الجانب الإجرائي ، أما من الجانب الموضوعي فالدستور يجب أن يضمن مبادئ أساسية مثل مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومبدأ المساواة على أساس المواطنة فيها وتضمين وثيقة الحقوق ( Bill of rights ) والاعتراف بالتعدد والتنوع واحترامه والسعي للحفاظ عليه ، كما تحييد الدولة حياد تام وعدم استمالتها لأي فئة من فئات المجتمع وإتاحة الفرص المتساوية للمجتمع فيقول ( نهرو ) أن الديمقراطية ليست سياسية فحسب ولا اقتصادية فقط بل يرى أنها شيء عقلي ككل شيء في النهاية أنها تقتضي بالضرورة فرصاً متكافئة لكل الناس سياسياً واقتصادياً ، أنها تعني حرية الفرد في أن ينمو وفي أن يعمل كل قدراته وإمكانياته (8) . أمام ( لبزت ) فيقول عن الديمقراطية أنها : ( النظام السياسي الذي يوفر فرصاً دستورية مستمرة لتغيير الحكام . وإنها الإلية الاجتماعية التي تسمح لأكبر نسبة من المواطنين بالتأثير في عملية صناعة القرار (9) .
    يستفاد من الديمقراطية أنها ( نظام سياسي تتحدد قواعده الأساسية بقانون أسمى يدعى الدستور ، ويتيح لكل المواطنين رجالاً ونساءً على قدم المساواة هو المشاركة في تبرير الشأن العام ) (10) .
    من خلال السردية السابقة عن الديمقراطية والدستور يتضح لنا أن علاقة الدستور بالديمقراطية هي علاقة وطيدة ومركزية في المقام الأول ، فهنالك دول ديكتاتورية ولها دساتير شكلية لا تتقيد بها في كثير من الأحيان أو يتم تعطيل نصوصه لمصلحة الديكتاتور وتفصل هذه الدساتير بناءً على أهواء رأس الدولة المهيمن على أجهزتها وغالباً ما يتداعى النظام الأحادي الديكتاتوري بأنه ديمقراطي وتجري انتخابات شكلية ولكنها ليست ديمقراطية حقه إنما هي زائفة .
    تتجلى الديمقراطية ألحقه وليس الشكلية في تفعيل المساواة وفي ضمان كرامة الأفراد ، في جعل السيادة والسلطة في يد الشعب ، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتأتى دون سن قوانين تنظيم علاقات الأفراد بالأفراد ، علاقات الدولة بالأفراد ، علاقات الدولة بالأفراد ، على رأس تلك القوانين نجد الدستور (11) .
    فالدولة التي تعطل نصوص الدستور وتخترقه من اجل مصلحة أشخاص أو نظام حاكم أو ديكتاتور مستبد فهي الخطوة الأولى من خطوات الفساد السياسي في الدولة وذلك لعدم اكتراث الفئة ألحاكمة وعدم تقيدها بالنصوص التأسيسية أو العقد الإنشائي للدولة والانحطاط الأخلاقي لقادة النظام السياسي وأجهزة الدولة مما يجعل القانون الأدنى غير رادع أو في أحسن الأحوال هم خارج إطار تطبيق القانون .

    الدستور والقوانين :
    كما أوضحنا مسبقاً أن الدستور هو أم القوانين وهو الذي ينشأ الدولة ويمنح السلطة وأجهزتها شرعية ممارسة أعمالها لطالما هي منتخبة من قبل الشعب بطريقة ديمقراطية حقه فهي تمتلك الشرعية ( Legitimacy ) لسن القوانين الداخلية التي تنظم أعمال الأفراد وتضع العقوبات في حالة انتهاك أيما شخص حق الأخر أو الدولة بما أنهى ارتضوا الحكم بالأغلبية الديمقراطية الواعية أو فيما سماه رولز ( الوعي العمومي ) ، وعليه فان الدستور يحدد توجهات الدولة ويجب أن يلتزم المشرعين للقوانين الاهتداء بنصوص الدستور وعدم الخروج عليه ( المشروعية ) التي تجعل القوانين ( دستورية ) مما يعني اي أن قانون يخالف نصوص الدستور بفقد الصفة المعيارية الدستورية ويصبح باطل محض .
    لمحة مختصرة عن التجارب الدستورية السودانية :
    أن التجربة الدستورية الأولى للسودان كانت أبان فترة الاستعمار وقبل خروجه فيما سمي بدستور الحكم الذاتي والذي هو امتداد للقانون رقم (7) للعام 1942م الذي أصدره الحاكم العام البريطاني وأوصى بإنشاء مجلس استشاري لشمال السودان وقد تم اعتراضه إلى أن جاء القاضي البريطاني استانلي بيكر بمشروع قانون الحكم الذاتي للعام 1951م (12) .
    وفقاً لدستور الحكم الذاتي منح السودان استقلاله من داخل البرلمان ودخل السودان تجربة دستورية جديدة وهو الدستور المؤقت لسنة 1956م لحكومة إسماعيل الأزهري التي سقطت بعد بضعة سنين نتيجة لاحتدام الصراع بين الزعماء الطائفيين لأسباب أبرزها السياسة الخارجية والوحدة مع مصر ( تم حجب الثقة من الأزهري وانتخب عبد الله خليل رئيساً للوزراء في 5 يوليو 1956م ) (13) وهذا الائتلاف لم يدم طويلاً بين السيدين بعد احتدام الصراع مرة أخرى الأمر الذي جعل خليل يبلغ قيادة الجيش باستلام السلطة عن طريق الجنرال عبود وبذلك كتب على أول دستور بالفشل والسطو عليه بواسطة الجيش في العام 1958م وسرعان ما تحول الوضع السياسي إلى قبضة نظام ديكتاتوري أحادي وهي بداية ما يسمى بالحلقة الشريرة .
    استمر الجنرال عبود إلى العام 1964م إلى أن حدثت ثورة أكتوبر وتم تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة احمد المحجوب وتم انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم للبلاد ولكن سرعان ما طفت الخلافات الطائفية مجدداً على السطح وظهور الزعيم الطائفي في الساحة السياسية ( الصادق المهدي ) كرئيس وزراء خلفاً للمحجوب وتم حل الجمعية التأسيسية التي لم تكمل أعمالها الجادة لوضع دستور دائم إلى حين حدوث انقلاب عسكري ثاني بزعامة الجنرال نميري في العام 1969م وقد سعى النميري لتقنين نظام الحزب الواحد عبر وضعه لدستور 1973م الذي وضعه بنفسه وبغير الطرق الديمقراطية المعروفة فاستمرت البلاد مجدداً متورطة في نظام ديكتاتوري عسكري زهاء العقد ونصف إلى اندلاع انتفاضة 1985م وتشكيل حكومة ائتلافية بزعامة المهدي مرة أخرى وقد شرعت أيضاً لتكون جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم ، ولم يرى النور بعد استيلاء السلطة ع طريقة طغمة الإنقاذ في العام 1989م عن طريق انقلاب عسكري بقيادة الجنرال البشير وزعامة الترابي وقد سعت الإنقاذ وفقاً لخلفيتها الإسلامية لوضع دستور اسلاموي سمي بدستور التوالي السياسي أو دستور الترابي الذي وضعه بنفسه باعتباره الأب الروحي لنظام الإنقاذ في العام 1998م ، استمر هذا الدستور إلى العام 2005م حيث دستور جديد وهذه المرة ثنائي الوضع ما بين الحركة الشعبية وحكومة الإنقاذ فهو نتاج اتفاقية ( CPA ) التي أبرمت بين الجيش الشعبي وحكومة الإنقاذ ، ويعاب عليه بعدم ديمقراطيته حيث انه وضع نتاج اتفاق ثنائي روعيت فيه مصلحة الطرفين أكثر منه تأسيس نظام سياسي ديمقراطي ، وبعيداً عن ذلك فهو دستور يختلف عن ما قبله ومتقدم نوعاً ما في بعض الأمور التي كانت تشكل عائقاً على مر التاريخ ، وهذا طبعاً من الجانب النظري أما عملياً فالدستور ظل على الورق ولم يطبق على الواقع وقد طالته الكثير من الاختراقات والتجاوزات لمصلحة الحاكم وما فتئت من التعديلات والتفصيلات إلى ألان ليتماشى مع أهواء النخب الحاكمة .
    قانون النظام العام :
    هذا القانون يعبر عن الوجه الايدولوجي لنظام الإنقاذ الذي يستعمل أجهزة الدولة والسلطة لغرض نمط حياة يتواكب وأهوائهم ، فهو قانون يفقد مبدئياً الشرعية الدستورية فيما يسمى بـ ( دستورية القوانين ) ولكن هذا القانون هو ذات وجهة مختلفة تماماً عن القوانين المألوفة فهو يذهب ابعد من مرامي القانون إذ يحاكم الضمير ويمكن أن يعاقب الفرد فقط من مظهره العام دون أن يرتكب أيما جريمة في حق الأخر إذ أن المعادلة القانونية تقول أن طالما هنالك متهم يجب أن يكون هنالك مجني عليه متضرر من أفعال المتهم . ولكن الجبهة الإسلامية لها برنامج أخر وهو محاولة اسلمة المجتمع السوداني وفرض رؤيتهم وتصوراتهم عن حياة الناس عن طريق سن قوانين مثل هذا القانون سيء السمعة والسعي لتنميط المجتمع وإرهابه وإذلاله .
    خاتمة :
    أن ما قدمناه في هذه الورقة هي محاولة متواضعة لتسليط الضوء على إحدى أزمات الدولة السودانية التي ظللنا نعاني منها لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية وغيرها ولعدم حظينا إلى ألان بنظام ديمقراطي حقيقي يحترم الشعب السوداني ويرسخ القيم الديمقراطية لتكون حجر أساس للانطلاق نحو التقدم واللحاق بركب المجتمعات الأخرى ، عليه لزاماً علينا كجيل أن نتحرك من وعي ديمقراطي حقيقي واعي لتغيير هذه الوضعية المأزومة وخلق حوار بناء في فضاءات عامة لمعرفة تاريخنا والتنظير لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا .
    # تحياتي ومودتي .
    عبد الباسط محمد محمد يحي
    المحامـــــــي – الخرطـــــــوم
    Email : [email protected]
    30/4/2018

    المراجع :
    1-الديموتنامية المعرفية ، نحو افق سياسي تنموي جديد ، شمس الدين ضو البيت .
    2-نظرية العدالة ، جون رولز .
    3-فكرة الدستور عند جون رولز ، محمد هاشمي ، مقال .
    4-نظرية العدالة ، justice as a fairness ، جون رولز .
    5-مبادئ القانون الدستوري ، ميرغني ألنصري .
    6-فلسفة العدالة ، صموئيل فريمان .
    7-المرجع السابق .
    8-الامير ، نيقولو ميكافيلي .
    9-الثقافة السياسية الجديدة ، عبد الغفار العلمي .
    10-المصدر نفسه .
    11-الدستور والديمقراطية ، عبد الرحمن علال .
    الدستور والديمقراطية : أي علاقة ؟ ، الحوار المتمدن .
    12-مبادئ القانون الدستوري ، ميرغني ألنصري .
    13-تاريخ السودان الحديث ، روبرت كولينز .























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de