قبل أكثر من عام نصبنا كمينًا للسيد معتمد الخرطوم .. وقد بدأت الحكاية قبل ذلك بشهر..كنّا بصحبة المعتمد أبوشنب في جولة مسائية انتهت بتناول طبق ساخن من الفول..قبل ذلك وأثناء التجوال اكتشفنا حمامًا يقدم خدماته للجمهور بالقرب من شارع (٦١ ) الشهير بالخرطوم.. كان الحمام مشغولًا حينما طرق الفريق على الباب..بعدها خرج شاب (مستحمي) ..على الفور أصدر المعتمد تعليمات بإغلاق الحمام التجاري.. نفذت تعليمات الفريق لمدة أسبوع .. بعدها عاد حمام المعتمد للخدمة. جئت مع فريق من برنامج الميدان الشرقي وقمنا بتصوير الحمام وهو يعج بالزبائن.. اللقطة الصادمة أغضبت المعتمد.. بالفعل بعد ذلك تم إغلاق الحمام فيما صمد مشتل وجّه المعتمد بتغيير مكانه.. والحقيقة أن المشتل المعني هزم أكثر من معتمد من السابقين وتلك قصة أخرى.
مشهد الحمام وغيره يوضح البيئة الصعبة التي يعمل فيها معتمد الخرطوم وغيره من المسؤولين.. بيئة تتعايش طوعًا مع المخالفات.. دون أن نخوض في دور المجتمع نلحظ جهدًا كبيرًا من معتمد الخرطوم في عدد من المحاور.. تمكن الرجل بذكاء من صناعة لوحة جمال في وسط الخرطوم اكتملت بحديقة ملتقى النيلين بمساحة ٣٠ ألف متر في مواجهة فندق كورال.. اتحاد الإضاءة والخضرة يمكن ملاحظته في شوارع المطار والقيادة العامة ونواحي القصر وعلى امتداد شارع النيل .. صحيح أن هذا المثلث يقع تحت بصر الحكام.. لكنه في ذات الوقت يمثل قلب الخرطوم النابض والضاج بالحركة.. عبره يلج الأجانب وفيه يتجول السفراء ..لهذا تركيز الجمال مع محدودية الموارد يصبح نظرية مقنعة في مثل هذه الظروف.
الآن المعتمد ينشط في محور غاية الأهمية وهو إزالة المخالفات.. بعض شوارع المدينة تحولت الى أقفاص حديدية.. كل صاحب مسكّن تمدد في الشارع العام..منهم من يصنع منزلًا كاملًا من الزنك ويزوده بمكيف أو حتى مراوح ثم يؤجره لعشرات من الأجانب .. بعض أصحاب المتاجر صنعوا ما يماثل اللكوندات الشعبية.. عشرات العناقريب تتناثر ليلًا.. في الصباح الباكر يتم قضاء الحاجة كيفما تيسر.. حتى الاثرياء صنعوا حدائق مغلقة ولكنها تتمدد في الشارع العام .. أكوام أنقاض البناء يمكن أن تغلق اي شارع لعدة أشهر .. رفع المعتمد شعار إزالة هذه المخالفات .. هذه معركة صعبة تحتاج الإعانة ولو بالدعاء الصالح.
الذي دعاني لكتابة هذه الزاوية اقتراح جريء جاء على لسان معتمد الخرطوم في حوار أجرته معه الزميلة السوداني الغراء.. ببعض الحذر رمى المعتمد باقتراح دمج فاتورة النظافة مع فاتورة الكهرباء.. في البداية لست متأكدًا إن كانت سياسة دمج الفواتير دستورية.. لكنها أثبتت فعاليتها في دمج فاتورتي الكهرباء والماء.. حتى سياسة الدفع المقدم في الكهرباء كانت فعالة في تحصيل العوائد بأقل جهد ممكن.. الحقيقة إن فكرة تحصيل رسوم النظافة بهذه الآلية الحالية ليست ذات جدوى.. كثير من المواطنين وتحت تأثير عدم الثقة في الحكومة يحجمون عن الدفع.. وكثير من الناس يعتقد ان الرسوم ضرب من الجباية التي يجب تجنبها ما أمكن ذلك.. كما أن هنالك العديد من الثغرات التي يمكن عبرها أن يضل المال طريقه وينتهي في العنوان الخطأ.
في تقديري.. من المهم الإقرار أن نظافة المدينة تقتضي تكاتف الحكومة والمجتمع.. وأن مستوى النظافة الحالي يحتاج الى جهود استثنائية .. من بينها زيادة فاعلية التحصيل المالي لهذه الرسوم.. دمج الفواتير يعتبر أقصر طريق.. لكن يجب أن يتم بشكل تدريجي بحيث يرى الناس مستوى النظافة في أحياء نموذجية يتم اختيارها بعناية.. الأمر الثاني ان يتم تخفيض الفاتورة لمن يوافق طوعًا على فكرة الدمج.. مع إيجاد طريقة تواصل فعال عند التقصير في الخدمة. .من بين ذلك إشراك شركات الاتصالات في هذه المهمة.. عبر إرسال رسائل تحدد وقت جمع النفايات حتى نتجنب تجميع الأوساخ في الشوارع.
بصراحة.. المعتمد أبوشنب يستحق إشادة حتى في فكرة التحصيل الفعّال في رسوم النظافة.. حافظوا على نظافة مدينتكم حتى ولو كان الثمن مرتفعًا بعض الشيء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست