نظرية الدولة و القانون في الدول الإشتراكية السابقة (مقاربة نقدية) بقلم د.أحمد عثمان عمر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 01:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-05-2018, 11:03 PM

د.أحمد عثمان عمر
<aد.أحمد عثمان عمر
تاريخ التسجيل: 01-13-2014
مجموع المشاركات: 194

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نظرية الدولة و القانون في الدول الإشتراكية السابقة (مقاربة نقدية) بقلم د.أحمد عثمان عمر

    11:03 PM April, 05 2018

    سودانيز اون لاين
    د.أحمد عثمان عمر-الدوحة-قطر
    مكتبتى
    رابط مختصر


    • مدخل:
    أزمة نموذج الدولة و التشريع لم تكن أزمة عارضة في دول المعسكر الإشتراكي السابق، بل كانت أزمة عميقة متجذرة في الفهم الماركسي لطبيعة الدولة و القانون، و تنزيله إلى إطار الممارسة العملية حسب فهم القوى التي سيطرت على السلطة في تلك البلدان. لذلك بدون مراجعة المفاهيم الأساسية التي كرستها الماركسية للدولة و القانون، لا يمكن تقديم قراءة نقدية متكاملة لنموذج الدولة و القانون الذي قدمته دول المعسكر الإشتراكي السابق، حيث يصبح النقد نقداً لتجربة لا للفكر المؤسس لها.
    و لا بد في البدء من التأكيد بأن الدراسة المنفصلة للدولة و القانون في الفكر والممارسة الإشتراكية لا تتأتى إلا بصعوبة كبيرة، و ذلك لأن الفكر الماركسي يربط ربطاَ محكماً بين الدولة و القانون. فوفقاً للينين " القانون لا يساوي شيئاً بدون جهاز يفرض الإنصياع لسيادة حكم القانون". و هما في تلازم تام منذ النشأة و في تكامل، إذ من الممكن أن تلخص ظاهرة و جودهما و العلاقة بينهما فيما يلي: "
    1. الدولة و القانون ظهرا في نفس الوقت كعناصر للبنية الفوقية السياسية القانونية، و في تداخل وثيق.
    2. التداخل بين الدولة و القانون في محتواهما و في إنعكاساتهما الشكلية طابعه موضوعي.
    3. الدولة و القانون في تداخلهما محكومان في النهاية بالعوامل الإقتصادية الإجتماعية ( لديهما أساس إجتماعي و إقتصادي موحد ).
    4. الدولة تصنع القانون بصورة مباشرة و تعطيه شكله و تتعهد بإنفاذه، والقانون في حركته يمر بالضرورة عبر الدولة.
    5. القانون يوفر شكل الدولة و يعمل كأحد و سائلها اللازمة للقيام بوظائفها ، وينظم نشاطات أجهزة الدولة.
    6. الدولة و القانون في القيام بوظيفتيهما يشترط و يكمل بعضهما بعضاً (وجود الدولة مستحيل من دون القانون و العكس صحيح).
    7. الدولة و القانون لهما نفس الأهداف و ينجزان نفس مهام الطبقة المهيمنة، ويشكلان الروافع التي تحكم بها" 1.
    بالرغم مما تقدم أعلاه، لا مناص من محاولة تقديم قراءة تشريحية للدولة أولاً، والقانون ثانياً، في تداخل بين المستوى النظري و الممارسة العملية التي تمثّلت في تجربة الدول الإشتراكية السابقة، في إطار تفكيك و تركيب يسمح بالوصول لنتائج موحّدة في ختام هذا البحث الموجز.
    • الدولة النموذج الذي إنهار:
    الدولة في الفكر الماركسي أداة نشأت في معرض التناقضات المستعصية على الحل بين الطبقات الإجتماعية التي ظهرت نتيجة لظهور الملكية الفردية وتقسيم العمل. و هي بهذا المنظور، " ناتج للمجتمع في مرحلة معينة من نموه وهذه المرحلة تتمثل في وجود التناقضات التي يصعب التوفيق بينها، ولهذا تعد الدولة عند الفلسفة الماركسية: * أداة إستغلال سواء أن كنا بصدد دولة الطبقات و فيها تكون طبقة مستغلة لطبقة أو دولة الديمقراطية حيث أنها لا تعبر عن إرادة الطبقة العاملة. * ضرورة مؤقتة فهي مرحلة إنتقال من فترة ظهور المتناقضات و حتى حدوث التوفيق، و هذه المتناقضات تتمثل في السلطة و الحرية" 2.
    "الدولة هي الآلة التي تحمي سيطرة طبقة... و هي كما يقول إنجلس نتاج المجتمع عند مرحلة محددة من تطوره ، إنها إعتراف بأن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يحل، إذ انقسم إلى تعارضات مستعصية هو عاجز عن تجنبها. لكن لكي لا يهلك الأعداء، أي الطبقات ذات المصالح المتعارضة، هي والمجتمع، في نضال عقيم تفرض نفسها الحاجة إلى سلطة، موضوعة في ظاهر الأمر فوق المجتمع، يتعين عليها التخفيف من حدة الصراع، أن تبقيه في حدود النظام، وهذه السلطة الناشئة عن المجتمع و التي تضع نفسها مع ذلك فوقه وتضحى غريبة عنه أكثر و أكثر هي الدولة. و الحال ليس لكل طبقة المصلحة نفسها في مثل هذه الصيانة العامة للمجتمع، و ستستخدم الدولة في المقام الأول لجعل الطبقة التي ترى في ذلك أمراً منافياً للطبيعة تقبل به، و ستكون هذه الدولة بالتالي دولة الطبقة الأقوى، دولة تلك الطبقة التي تسيطر اقتصادياً، و التي تصبح بفضل الدولة الطبقة المسيطرة سياسياً ايضاً ، وتحصل بالتالي على وسائل جديدة لقمع و استغلال الطبقة المضطهدة" 3.
    و هذا التصور لطبيعة الدولة ، يؤكد أن الدولة ليست فوق المجتمع بل هي نتاج له، كما يؤكد أن الدولة هي أداة في يد الطبقة المُستَغِلة لإضهاد الطبقة المُستَغَلة، و أيضاً يؤكد أن طبيعة الدولة و جوهرها إجتماعي محض لا تجريد يفصلها عن قاعدتها الطبقية، بالإضافة إلى أنه يؤكد أن للدولة بداية و من الطبيعي لذلك أن تكون لها نهاية. و طالما أن بدايتها هي ظهور التناقضات المستعصية على الحل، فإن نهايتها لابد أن تواكب حل هذه التناقضات وفقاً لنظرية الصراع الطبقي التي تجعل من الطبقة العاملة طبقة مؤهلة لإنهاء الصراع و دفن المجتمع الطبقي لمرة و إلى الأبد. و لهذا حددت الماركسية بداية الدولة و ظهورها بظهور التناقضات ، و حتمت إضمحلالها و زوالها في المجتمع اللاطبقي الشيوعي. و لكن التجربة العيانية للدول الإشتراكية السابقة، أكدت أن التنظير الطوباوي حول إضمحلال الدولة، واجهه تطور معاكس عند ظهور الدولة الإشتراكية التي تمركزت وازدادت سلطتها بدلاً من أن تضمحل. و قد يكون ذلك لأن الدولة لم تكن إشتراكية كما توهمت و كما طرحت نفسها، أو لأن وجود خطر خارجي إمبريالي منعها من ذلك، أو لأن النظرية الخاصة بإضمحلال الدولة نفسها غير صحيحة إبتداءً. فالواضح أنه " في سياق تجربة الثورة السوفياتية ، كانت اطروحة اضمحلال الدولة و طرق تطبيقها موضوع مناقشات صعبة. و كانت صيغ الدولة و الثورة تتعارض في التطبيق مع تحليلات ظرفية لاحقة للينين، تبين ضرورة مركزة و بناء دولة إشتراكية. و قد انتهت هذه الصيغ إلى أن تعد بدورها طوبائية تحت غطاء الأرثوذكسية اللينية. و في الوقت ذاته فقد وبخ (وصفي شخصياً أيضاً) اولئك المنظرين السوفيات الذين حاولوا، مثل باشوكانيس، ليس أن يحصروا بل على العكس أن يوسعوا محتوى تلك الصيغ، مؤكدين ضرورة إضمحلال القانون" 4.
    بالطبع ترتب على إعتبار الدولة مجرد أداة في يد الطبقة الحاكمة نتائج كبيرة جداً على الدولة الإشتراكية كأداة لابد أن تكون مختلفة عن الدولة البرجوازية ، بإعتبارها أدة الطبقة العاملة التي تكرس ديكتاتوريتها المعروفة بديكتاتورية البروليتاريا ، و تؤكد الصلة الوثيقة بين الأساس الإجتماعي والشكل التجريدي لسلطة الطبقة الحاكمة. والواضح أن أثر التصور الماركسي للدولة في إطار الممارسة قد أدى لما يلي: 1- إعتبار الدولة – وهي بحكم الفكر الماركسي نفسه جزء من البنية الفوقية- مجرد إنعكاس مباشر و ناتج لأساسها الإجتماعي. 2- أن شكل الدولة أو نموذجها لا بد أن يختلف عن الدولة البرجوازية و نموذجها وشكلها بإعتبار أن الشكل يعكس محتوى طبقي، و أن التلازم بين الشكل والمستوى أمر حتمي حسب المقولات الماركسية. و قبل أن نتفرغ لرصد نتائج هذا التصور التي أدت في النهاية لإنهيار نموذج الدولة الإشتراكية و سقوطه، لا بد أن نثبت أمرين مهمين هما : أ. إعتبار الدولة مجرد أداة و انعكاس مباشر للأساس الإجتماعي خاطئ . فالدولة كمؤسسة من مؤسسات البنية الفوقية، هي إنعكاس معقد و جدلي لأساسها الإجتماعي، ينفك نسبياً من هذا الأساس و يؤثر فيه تبادلياً. و هذا يعني أن لا تلازم أو تطابق في كل الأوقات بين الدولة و أساسها الإجتماعي، و أنها ليست في كل الأحوال أداة طبقية، بل من الممكن بأن تظهر بمظهر محايد عند تعادل و توازن القوى الطبقية، كما أنها من الممكن أن تتأثر بالعناصر الأخرى في البنية الفوقية مثل الدين و العرف و التقاليد و الثقافة. فالدولة طبقية في التحليل النهائي مثلما أن علاقات الإنتاج هي أساس البنية الفوقية تتسبب في نشوئها و لكن يصبح لها إستقلالها و انفكاكها النسبي. ب. أن الدولة هي مظهر لأساس و جوهر إجتماعي و ليست شكل و انعكاس مباشر لأي محتوى طبقي. و هذا يجعل تقدمها أو تأخرها على جوهرها أمراً ممكناً و يتيح تبني أشكال و نماذج للدولة نشأت قبل قيام الدولة العمالية أو الإشتراكية كدولة سيادة حكم القانون البرجوازية لتحقيق أهداف هذه الدولة.
    ترتب على الفهم القائم على أساس أن الدولة مجرد أداة في يد الطبقة المستغلة، و أن ديكتاتورية البروليتاريا هي الأداة اللازمة للإنتقال من المجتمع البرجوازي للإشتراكية، و أنها لذلك لابد أن تخالف الدولة البرجوازية ونموذجها ما يلي من نتائج:
    (1) إنكار الحق في المساواة أمام القانون الذي يشكل أساس دولة سيادة حكم القانون . إذ أن تعريف دولة ديكتاتورية البروليتاريا للمواطن يقوم على أساس الشخص المنتج العياني بحسب موقعه من العملية الإنتاجية لا بحسب تجريد يرفع كل شخص من أشخاص الدولة إلى درجة المواطنة. وعلى هذا خلت دساتير الإتحاد السوفيتي من نص يكرس المساواة أمام القانون (دستور العام 1936 مثالاً). إذ " يعتبر الدستور السوفياتي المصاغ في العاشر من تموز 1918 البنية القانونية الأولى المجسدة لفكرة ديكتاتورية البروليتاريا . عليه و بالرغم من أخذها ظاهرياً شكلاً قانونياً تقليدياً ، فقد أحدثت قطيعة حقيقية مع كل ما خلفته المجتمعات الرأسمالية . فاعلان الحريات السابق للدستور (اعلان حقوق الشعب العامل و المستغل يوم الرابع من كانون الثاني 1918) هو أول إعلان يبلور تحديداً جديداً للحرية. فهي ليست مسلّمة طبيعية تفوق قدرة البشر ، وتتطلب حماية المجتمع: هي مكسب ينتزعه من الظروف الإجتماعية والسياسية التي أوجدها رأس المال. ستحقق البروليتاريا هذه العملية مفسرة بذلك اللا مساواة القانونية التي يطرحها مبدئياً هذا النص و التي ينظمها الدستور لاحقاً. فكما أنه لا وجود للمستغلين في أي جهاز من السلطة ، و أن السلطة يجب أن تكون بأكملها حكراً على الطبقات العاملة و ممثليها المعترف بهم، حرم على بعض الطبقات و الشرائح الإجتماعية حق الإنتخاب (أصحاب الأراضي ، البرجوازيين، الأكليروس ...... الخ) أو صير إلى إعتماد اللا مساواة في تمثيلهم" 5.
    و عدم المساواة لم يقتصر على مستوى الحقوق السياسية الدستورية كالحق في التمثيل و الإقتراع، بل تعداه للقوانين الجنائية و المدنية، حيث تتفاوت العقوبات وفقاً للموقع الطبقي و تصدر قوانين تدخلية بالمخالفة لمبدأ حرية التعاقد سنعرض لها لاحقاً عند الحديث عن القانون. " كانت المادة 10 من المبادئ الموجهة للقانون الجزائي الصادرة في كانون الأول 1919 تذكر بأن العقوبة المفروضة في النظام الإشتراكي يجب أن تكون عقلانية و خالصة من أي عنصر آلام غير عادلة و كريهة، لأن الجرم يولد في مجتمع طبقي من البنية الإجتماعية و ليس خطأ مقترفه. ينبغي ألا يكون للعقوبة طابع التكفير عن الخطأ أو طابع الإفتداء . و مفهوم الخطأ الموضوعي مستبعد بحزم. من جهة أخرى ، كانت مصادر القاعدة الحقوقية تعطي مكانة مهمة لمفاهيم (الوعي الثوري) و (وعي طبقة الشغيلة) و (الوعي الإشتراكي) . و هذا يعني أن للحق السوفياتي ، من وجوه كثيرة ، طابع طبقي واضح. هكذا من أجل تقرير العقوبات التي يجب تطبيقها، تأخذ المبادئ الموجهة للقانون الجزائي بالحسبان الخطر الذي يشكله بالنسبة للمجتمع، سواء الجانح : هل ينتمي إلى الطبقة البرجوازية أم لا؟ و سواء الجنحة: هل تم إقترافها من أجل إعادة السلطة للطبقة المضهدة أم لا؟ و إذا كان الجواب بالإيجاب يجري إنزال عقوبات أشد" 6.
    و الواضح أن التمييز بين المواطنين يقوم على ممارسة ترمي إلى تأكيد الطبيعة الطبقية للسلطة، و تقوم على أساس سيطرة البروليتاريا على المجتمع بدلاً من مفهوم الهيمنة الذي طرحه جرامشي. فالدولة هنا تلجأ إلى مفهوم السيطرة لكسر الطبقات الإجتماعية المهزومة وإستبعادها، بدلاً من أن يتم التباري على قدم المساواة بين بروليتاريا مهيمنة على المجتمع قادرة على هزيمة تلك الطبقات عبر آلية الإنتخابات نفسها التي تعيد الدولة إلى المجتمع و تزرعها مجدداً بين أفراده. و النتيجة هي غياب للأساس الأول لدولة سيادة حكم القانون كتجريد عام للمساواة بين مواطنين أحرار . فبالرغم من أن الإنقسام الطبقي يكرس عدم المساواة في واقع النظام البرجوازي، إلا أن التجريد النظري والحقوقي على مستوى القانون و الدساتير يطرح هذه المساواة كحق لجميع الأفراد و يكرس مفهوم المواطنة. و كان من الأفضل للدولة الإشتراكية أن تتبنى المفهوم التجريدي كمظهر، وتغنيه بجوهرها البروليتاري عبر هيمنة البروليتاريا الإجتماعية، بدلاً من التمييز ضد المواطنين من الطبقات التي هزمت بالفعل و سقطت سلطتها. و لكن الواضح هو أن دولة ديكتاتورية البروليتاريا التي لم يقدم لها ماركس نموذجاً، بناها لينين و حزبه على أساس السيطرة على السلطة قبل إنجاز مهمة الهيمنة على المجتمع، بحيث تصبح البروليتاريا و حلفائها أغلبية سائدة في المجتمع بالفعل، لذلك إحتاجت للتمييز و القمع ، بدلاً من التباري و الإنتصار، و هذا طبع هذه الدولة بطابع التمييز و الإستبداد، و كرس إنحيازها و لا عدالتها.
    (2) رفض مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث تقرر الماركسية أن السلطة السياسية في أية دولة تستحوذ عليها الطبقة السائدة إقتصادياً ، والسلطة السياسية تجمع بين يديها كل من السلطة التشريعية و التنفيذية والقضائية. و ذلك بإعتبار أن وحدة مصدر السلطة يستدعي وبالضرورة و حدة هذه السلطة و عدم الفصل بين السلطات. و استناداً لما تقدم" لا يعترف النظام السوفيتي بفكرة الفصل بين السلطات و إنما يقوم على وحدتها. فالسلطة العليا يمارسها مجلس السوفيت الأعلى كما تمارسها رياسته في فترات عدم إنعقاده"7. هذا التصور الرئيسي الذي تم تقديمه من قبل المؤسسات الآيدلوجية السوفيتية على أساس أنه نموذج متقدم للديمقراطية يتفوق على دول المجتمعات الرأسمالية. ومثال لذلك القول بأن " المؤسسات الديمقراطية التمثيلية لسلطة الدولة في الإتحاد السوفيتي هي سوفيتات نواب الشعب التي تدير نشاطات كل أجهزة الدولة الأخرى. و كل أجهزة الدولة تخضع لسيطرة السوفيتات. و نظام السوفيتات يوحد التشريع و الإدارة و السيطرة. وتنظيم السوفيتات الجمهوري يسمح بجمع ميزات النظام البرلماني مع الديمقراطية الفورية المباشرة، أي الوظيفتين التشريعية و التنفيذية. وبالمقارنة مع النظام البرلماني البرجوازي، هذا النظام تقدم في تطور الديمقراطية و له قيمة تاريخية على مستوى عالمي" 8.
    و بالطبع يترتب على الأخذ بنظرية و حدة السلطة و عدم الفصل بين السلطات نتائج خطيرة ، أهمها هو نزع الصفة المؤسسية عن الدولة وإفراغها من مضمونها. و ذلك لأن المؤسسية أحد نتائج مبدأ الفصل بين السلطات. فالدولة لا تأخذ شكلها المؤسسي ، إلا في وجود جوهر يساند هذا الشكل هو السلطة بعينها. و هذه السلطة تتمأسس عبر تنظيمها و ضبطها و تحديد معالمها ليس بمعزل عن سياق بقية المؤسسات، بل بالذات في مواجهة مؤسسات السلطة الأخرى بحيث يتكرس التخصص و توقف السلطة السلطة الأخرى. إذ أن أهم سمات تطور الدولة هو تحولها من دولة فرد (شخص طبيعي) تجتمع بين يديه جميع السلطات، إلى دولة مؤسسة (شخص إعتباري ) تحكمه النظم وتوقف كلاً من سلطاته السلطة الأخرى وفقاً لنظرية الرقابة المتبادلة . "والجمع بين السلطات الثلاث يجعل الحديث عن دولة متسامية ومنفصلة عن شخص الحاكم أمراً مستحيلاً . إذ أن مبدأ الفصل بين السلطات هو المصاحب الوظيفي لفكرة إنفصام وتسامي الدولة عن شخص الحاكم . ولكن لكي لا يكون هذا الانفصام كاملاً ومتطرفاً لابد أن يتضمن نظام الفصل بين السلطات آلية معينة لإعادة الصلة بين الاثنين وتتمثل هذه الآلية في عملية الانتخابات . هذه بتبسيط شديد – هي أهم ملامح فكرة الدولة كما تعبر عنها المدرسة الليبرالية الأوربية في القانون الدستوري . وأهمية الفصل بين السلطات الذي يعني فيما يعني أن السلطة توقف السلطة ، هو أنه لايمكن بدون وجوده الحديث عن مؤسسات في الدولة أو توزيع سلطات وغيابه يعني مباشرة غياب الدولة – المؤسسة . فالدولة " هي أولاً السلطة الرأسية عبر المؤسسات ، مما يعني بعبارة أخرى أن الدولة ليست الأرض أو السكان ونظام القوانين الإجبارية . الدولة تتسامى عن كل هذه المعطيات" 9 .
    و موقف الدول الاإشتراكية السابقة، يعني أنها ألغت مفهوم الدولة – المؤسسة، و بالتالي أعادت مجتمعاتها للدولة- الفرد التي سبقت ظهور البرجوازية و نظامها الرأسمالي الصناعي الحديث، بدلاً من أن تنقلها إلى مستوى أعلى و أحدث في سياق التقدم في تنظيم العلاقة بين المواطن و السلطة و الفرد و المجتمع. فالدولة عادت لتصبح دولة القيصر عبر إختزالها في هيئة تجمع كل السلطات و تخضع لسلطة الحزب الذي اختزل في شخص سكرتيره العام.
    كذلك أدى تبني نظرية وحدة السلطة إلى عدم خضوع الدولة للقانون وعدم مساواتها أمام القانون مع مواطنيها بحيث تخضع السلطة للقانون أسوةً بالمواطن. ففي غياب الفصل بين السلطات ووجود المؤسسات التي توقف بعضها بعضاً ، أصبحت السلطة الموحدة فوق القانون وخارج الرقابة القضائية. ففي الدولة السوفيتية " تسود الغاية الشيوعية كافة النظم و تعلو على القانون، والحكم على مدى ملاءمة إجراء ما يكون للحكومة السوفيتية تحت رقابة مجلس السوفيت الأعلى ورياسته. و لا يدخل ضمن اختصاص القضاء أن يحكم بعدم مشروعية أي إجراء يتخذه مجلس السوفيت مهما بلغت جسامة مخالفته للشرعية، فالقادة هم الذين يحتكرون وضع السياسة العامة ، و هم الذين يقدرون دون معقب عليهم مصالح الطبقة العاملة و مستلزمات البناء الإشتراكي، فإذا اقتضت هذه السياسة العليا أمراً فلا يمكن معارضته بحجة مخالفته لأي قاعدة قانونية و لو تضمنها الدستور. فالقاعدة العامة أنه ليست للقضاء سلطة الرقابة على أعمال الإدارة لأنه لا يتمتع بإستقلال ذاتي يرفعه إلى مرتبة سلطات الدولة . فهو لا يستطيع إلغاء الأعمال الإدارية غير المشروعة، و إنما كل ما يملكه هو توقيع الجزاءات الصارمة على الموظفين الخارجين على القانون، حماية لنظم الدولة و أموالها" 10.
    ففي الدولة السوفيتية مجلس السوفيت الأعلى نظرياً هو الدولة، و " صلاحيات السوفييت الأعلى هي في آن معاً واسعة جداً و هشة. نظرياً إنه السلطة الرئيسة في الإتحاد السوفيتي و يمسك بجميع السلطات. و بما أنه لا يوجد في الإتحاد السوفيتي تمييز حقيقي بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، فإن السوفيت الأعلى يمكنه إتخاذ القرارت في جميع الحقول دون أي حصر. و لكن عملياً سلطته ضعيفة . قليلاً ما ينعقد. يلحظ الدستور دورتين سنويتين، لكن غالباً لا تعقد إلا دورة واحدة، في أي حال، تدوم إجتماعات السوفييت الأعلى دوماً أقل من أسبوع في السنة. يصوّت على الموازنة و تقر القرارات التي اتخذها البريزيديوم (الهيئة الرئاسية). في الحقيقة يمارس هذا الأخير غالبية صلاحية السوفيت الأعلى" 11.
    و غياب إستقلال القضاء لا يرد على مستوى التنظير العام و الممارسة العملية فقط، بل تكرسه دساتير الإتحاد السوفيتي نفسها. فدستور العام 1936 أشار إلى إستقلال القضاة و لم يشر إلى إستقلال القضاء من قريب أو بعيد و الفرق بين الإثنين كبير. و القضاء لا يفتقر فقط لسلطة الرقابة الإدارية، بل يفتقر أيضاً إلى سلطة مراقبة دستورية القوانين و القرارات التي تتخذها الإدارة المشرعة أو المشرع الإداري . فدستور العام 1977م للإتحاد السوفيتي، عهد " بمهمة الرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة رئاسة السوفيت الأعلى.... و من المفيد أن نقرر أن الفقه في الإتحاد السوفيتي السابق يرفض بشدة و جود رقابة قضائية على دستورية القوانين ، لأن وجودها يتنافى تماماً مع الآيدلوجية التي يقوم عليها النظام و المذهب الماركسي و فكرة القانون و الدستور والعلاقة بينهما ، و تدرج القواعد القانونية. إذ أن هذا النظام كان يقوم على فكرة وحدة السلطة و ليس توزيعها ، و الدستور عندهم ليس له قيمة ذاتية أو إحترام ذاتي ، و السلطة التشريعية تستطيع أن تنتهك أحكامه كما تشاء و تستطيع أن تطرحه تماماً، إذا ما رأت أن في ذلك مصلحة لها" 12. لذلك فقدت المحكمة العليا للإتحاد السوفيتي سريعاً سلطتها الخاصة بالرقابة الدستورية، فقد " كان للمحكمة العليا عند إنشائها وفقاً للدستور السوفيتي عام 1924 م سلطة الرقابة على دستورية القرارات التي تصدرها مجالس السوفيت و الحكومات في جمهوريات الإتحاد، و لكنها فقدت هذه السلطة بموجب دستور عام 1936 م" 13. و لكن واقعة أنها امتلكت هذه السلطة في يوماً ما، تؤكد أن التنظير الفقهي حول مخالفة وجود هذه السلطة للنظرية الماركسية مجرد تنظير واكب المرحلة الستالينية و دستورها المقنن لدولة الإستبداد في العام 1936م ، و هو لا يمنع من تقديم إجتهادات مخالفة من دون الوقوع في المخالفة المزعومة للفكر الماركسي.
    فالحديث بالأساس حول وجود مبدأ لعدم الفصل بين السلطات في الماركسية ووحدة السلطة إستناداً لوحدة مصدرها الإجتماعي، هو تكريس لإعتبار الدولة مجرد إنعكاس ميكانيكي لأساسها الإجتماعي و أنها مجرد شكل لمحتوى طبقي لا أكثر و لا أقل. و مخالفة هذا التصور بتأكيد أن الإنعكاس المذكور إنعكاس معقد و غير بسيط و أن الدولة مظهر لجوهر طبقي، يجعل من الممكن قبول الفصل بين السلطات ذات المصدر الواحد. إذ لا تلازم حتمي بين وحدة المصدر ووحدة السلطة. فالمصدر الواحد من الممكن أن تصدر عنه سلطات متعددة في إطار التجريد الذي لا يشكل إغتراباً بل تعميماً يحقق الغاية النهائية، في إطار التخصص و تكريس مفهوم الرقابة المتلادلة التي تقلل من فرص إساءة إستعمال السلطة و استغلالها إن لم يكن منع هذا الإستغلال.
    و الواضح هو أن الدول الإشتراكية السابقة قد أنتجت تنظيراً و تقنيناً مواكباً لتحولها لدول شمولية، جرّد الدولة النموذج من وصفها المؤسسي و أعادها إلى دولة فرد مستبد، و أفقدها إستقلال قضائها وبالتبعية الرقابة على دستورية قوانينها، و بالتالي حول دستورها إلى مجرد قانون أساسي فقد العنصرين الأساسيين للدستور (المؤسسية و الدستورية) ، بحيث يصح القول بأنه لم يكن دستوراً بأية حال من حيث الجوهر، حتى و إن اتخذ شكلاً مظهر الدستور و سمته. و لكن من المهم التنبيه إلى أن ما تم لم يكن نتيجة حتمية للفكر الماركسي، بل كان محصلة تطور المجتمع السوفيتي و مؤسساته و صعود نجم الستالينية، إذ ليس من المنصف نسبة الأمر إلى ماركس و هو لم يضع تصوراً لدولة الإنتقال إلى الإشتراكية و اكتفى فقط بتسميتها دولة ديكتاتورية البروليتاريا. فالنظرية الماركسية تسمح بقراءة مغايرة لشكل الدولة، تتقبل مفهوم فصل السلطات برغم وحدة مصدرها، وتقبل مفهوم الرقابة على دستورية القوانين. و الشاهد على ذلك السلطة التي كانت تمتلكها المحكمة العليا في الإتحاد السوفيتي قبل الدستور الستاليني في العام 1936م ، و الرقابة السياسية على دستورية القوانين التي لم ترتق لرقابة قضائية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية وفقاً لدستور العام 1949م. " وقد عهد هذا الدستور بمهمة الرقابة على الدستورية إلى لجنة دستورية يشكلها مجلس الشعب و لمدة مماثلة لمدته، تمثل فيها مختلف هيئات الدولة بحسب أهميتها ، و يكون من بين أعضائها ثلاثة من أعضاء مجلس الشعب ممن لهم الخبرة في مسائل القانون العام، تكون مهمتها التحقق من الصفة الدستورية للقانون إذا أثير الشك حولها من ثلث أعضاء اللجنة الرئاسية بالمجلس أو من رئيس الجمهورية أو الحكومة أو المجلس الثاني" 14.
    و لعله من المهم أن ننوه إلى أن تغييب الرقابة على دستورية القوانين وغياب المحكمة الدستورية و عدم خضوع الدولة للقانون، يجعل المواطن لقمة سائغة لجهاز الدولة الذي توحدت سلطته الموضوعة فوق القانون، و يجعله مكشوفاً أمامها من دون أية حماية. و هذا يعني أن ما ترك للمواطن هو فقط إفتراض أن الدولة لن تظلمه لأنها دولته و لأنها هو نفسه في تجريده الطبقي الذي تحول إلى دولة! و ماذا إذا لم يكن هذا الإفتراض صحيحاً كما حدث بالفعل في المعسكر الإشتراكي السابق؟
    و لا يفوتنا ان ننوّه إلى أن محاولة الإصلاح التي تمت للدولة السوفيتية، حاولت إدخال مفهوم سيادة حكم القانون الذي يقوم على المساواة أمام القانون و فصل السلطات و استقلال القضاء و الدستورية و حق التقاضي و تنفيذ الأحكام كمبادئ رئيسة للنظام القانوني . إذ " أدخل جورباتشوف فكرة سيادة حكم القانون في الخطاب العام في كلمته للمؤتمر التاسع عشر للحزب في العام 1988م. و ذلك لتحقيق دقرطة حياة الدولة و المجتمع. و قال جورباتشوف بأن على الإتحاد السوفيتي أن يمر عبر طريق خلق دولة إشتراكية تحت سيادة حكم القانون. و لشرح فكرته ركز جورباتشوف ابتداءً على الحاجة لتوصيف المهام بين الفروع التنفيذية و التشريعية و القضائية، بهدف تقوية الفروع التشريعية والقضائية" 15.
    (3) رفض التعددية الحزبية بإعتبار أن الحزب يمثل الطبقة و هو وسيلتها لإستلام السلطة الموحدة في دولتها التي هي مجرد أداة في يدها لتكريس هذه السلطة و الإنتقال إلى الإشتراكية. و استناداً لذلك أصبح حزب الطبقة ممثلاً للطبقة أو بديلاً عنها ، و أصبحت قيادة الحزب بديلة عن الحزب بعد تعطيل مبدأ المركزية الديمقراطية ، فترسخت الدولة الشمولية. فنظرياً ، كان على الحزب أن يعمل وفقاً لنظرية المركزية الديمقراطية على مستوى عمله الداخلي و على مستوى الدولة أيضاً، بإعتبار أن المركزية الديمقراطية هي قانون التنظيم المبني على القانون الديالكتيكي الأول "وحدة و صراع الأضداد" الذي يعرف ماركسياً بقانون الحركة. و لكن إنتصار المركزية على الديمقراطية داخل الحزب، و كذلك على مستوى الدولة التي وضع مركزها فوق القانون، أبطل مفعول القانون بإلغاء أحد طرفي التناقض فمنع الحزب والمجتمع من الحركة و أنتج الجمود الذي أدى لفشل حتمي. و مبادئ التنظيم الماركسية القائمة على المركزية الديمقراطية و الصراع الفكري و النقد الذاتي، تستلزم وجود الصراع المؤسس على التناقض لتوجد الحركة و ليستمر التطور في إطار الجدل العام. و هذا يستلزم وجود تناقض داخل المجتمع بل و داخل الطبقة الواحدة نفسها يستلزم التشيؤ في شكل منظم هو الحزب على مستوى سياسي، وبالتالي يشترط وجود تعددية حزبية و إن كان لتمثيل الطبقة ذاتها. فالطبقة حينما تتحول لطبقة واعية بذاتها و لذاتها، تختلف فئاتها في تصورها لمصلحتها كما تختلف الأحزاب التي تمثلها في تصور هذه المصلحة. و لذلك تبنى بعض المفكرين الماركسيين إمكانية تعدد الأحزاب في دولة ديكتاتورية البروليتاريا و منهم تروتسكي. " في (الثورة المغدورة) لم يكتف تروتسكي بتفسير أن منع الأحزاب السياسية في العشرينات كان إجراءً أملته ضرورة الحرب الأهلية و لم يكن أمراً مبدئياً ، بل أكد تأييده للتعددية الحزبية. (في الحقيقة فالطبقات غير متجانسة ، تمزقها التعارضات الداخلية، و لا تتوصل إلى غايتها المشتركة إلا بصراع التيارات و التجمعات و الأحزاب). بقوله ذاك فإن تروتسكي لا يعارض فقط أحد العناصر الأساسية في الستالينية (الحزب الواحد)، بل يبدع في الواقع مقارنة مع التقليد الماركسي...... من جانب آخر ، ففي العديد من نصوص الحقبة نفسها، أشار تروتسكي إلى أن منع الأحزاب البرجوازية ليس مسألة مبدئية. غير أن هذا الدفاع عن التعددية الحزبية بالإشارة إلى الأساس الطبقي للأحزاب فقط يمكن أن يكون مثار جدل. لكن البرنامج الإنتقالي، وهو النص المؤسس للأممية الرابعة، يفسر أنه ( لا يمكن تخيل دمقرطة السوفيتات دون تشريع الأحزاب السوفيتية. سوف يظهر العمال و الفلاحون بأنفسهم ماهي الأحزاب السوفيتية). تعود الكلمة الأخيرة إذن إلى الديمقراطية ، و ليس إلى تعريف مسبق للطابع العمالي أو غير العمالي لحزب" 16.
    و الطبيعي هو ان توجد أحزاب متعددة حتى و إن كانت تدعي جميعها تمثيل طبقة واحدة، لأن هناك فرق كبير بين الإدعاء و حقيقة التمثيل. فإفتراض حزب أنه يمثل طبقة ما، لا يخوله منع أحزاب أخرى أن تزعم تمثيل نفس الطبقة، بحيث تكون الطبقة هي الحكم في صحة هذا التمثيل، و يكون لها حق اختيار من يمثلها من أحزاب.


    • ماهية القانون و دلالاته ( وظيفية القانون في الماركسية):
    "لم يفرد ماركس و انجلس باباً خاصاً لدراسة الحق (القانون) و يندرج التحليل الذي ورد متناثراً في مجمل إنتاجهما ضمن دراسة الأشكال السياسية التي ظهرت في صلبها الرأسمالية خلال القرن التاسع عشر . وهكذا يحتل القانون مكانة أساسية. و عندما يخاطب ماركس و انجلس في 1847 في صيغة بالغة التكثيف البورجوازية معلنين: ليس قانونكم سوى إرادة طبقتكم و قد صيغت في قانون، هذه الإرادة التي تحدد محتواها الشروط المادية لوجود طبقتكم)، فإنهما يحددان الجهاز السياسي القانوني بالوظيفة المحددة له تاريخياً لتأمين إعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية " 17.
    " يتحدد القانون بوصفه التعبير الضروري عن علاقات الإنتاج الرأسمالية، وهو يفترض بما هو كذلك الشخص الخاص الذي و هب إرادة حرة مستقلة و يتطلب أن يجري إنتاجه و تقديمه آيدلوجياً بوصفه عمل جماعة سياسية من المواطنين. و برده إلى المجتمع المدني البرجوازي ، يمكن التفكير في القانون من جانب ماركس و انجلس و فقاً لأطروحة إضمحلاله. و الواقع أن إضمحلال القانون المرتقب في الوقت الذي يجري فيه إضمحلال الدولة، يندرج في إطار تخطي المجتمع البورجوازي" 18.
    " القانون – في المفهوم الماركسي- نشأ مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، و هذه الملكية أدت إلى إنقسام المجتمع إلى طبقتين ، طبقة مسيطرة و طبقة ضعيفة. و القانون صنعته الطبقة المسيطرة مادياً لقهر الطبقات الأخرى. و هكذا يتضح أن الماركسية تنادي بأن العامل الإقتصادي هو العامل الأساسي الذي أدى إلى نشأة القانون. و تبدو خصوصية القانون في المفهوم الماركسي في أنه ليس ظاهرة قاعدية. و من ناحية أخرى نجد أن القانون ليس ظاهرة مستقلة و محايدة بل هو ظاهرة مشتقة، بمعنى أن القانون ظاهرة مشتقة من القاعدة الإقتصادية للمجتمع، فالقانون ليس إلا إنعكاساً للروابط الإجتماعية التي تتشكل وفقاً للقاعدة الإقتصادية التحتية. و عليه فإن القانون في المفهوم الماركسي ليس إنعكاساً لفكرة و إنما إنعكاساً لرابطة. و يترتب على الربط المنهجي بين القانون و الأساس الإقتصادي، نجد أن الفقه الماركسي يقف موقف العداء من الإتجاهات الشكلية في القانون. وهي الإتجاهات التي ترى أن القانون مجرد بناء شكلي من القواعد. و من هنا يتأتى تكييف النظرية الماركسية في القانون على أنها نظرية موضوعية على أساس أنها تنظر للقانون إستناداً إلى محتواه و لكنها في نفس الوقت تنتمي إلى التفسيرات الوضعية للقانون، و ذلك إستناداً إلى أمرين ، لأنها من جهة تفسر القانون إستناداً إلى الواقع المادي متمثلاً في الواقع الإقتصادي، و من جهة ثانية لأنها تستبعد كل بعد ميتافزيقي عن القانون، فالقانون في نظرها لا يعد فكرة و إنما هو رابطة ، و لأنها من جهة ثالثة تستبعد فكرة القانون الطبيعي. فالقانون ذو طبيعة طبقية و إرادية، طبقية لأنه يرتبط بالطبقة المسيطرة، و إرادياً لأنه نابع من إرادتها في إطار العلاقات الإقتصادية في المجتمع" 19.
    و يلخص بعض المهتمين موقف الفكر الإشتراكي من القانون بالقول " القانون عند الماركسية هو وسيلة توضع تحت تصرف الحكام لتحقيق أهدافهم و بالتالي فإن القانون عند الماركسية يتميز بأنه: مؤقت حيث أن ظهور القانون مرتبط بظهور الدولة و عندما تختفي الدولة تختفي مظاهرها و منها القانون. و سيلة و ليس غاية، فهو وسيلة تصفى بها الرأسمالية وتعجل بقيام الشيوعية الكاملة، و لذلك فالقانون مجرد من قيمته بمعنى أنه إذا رأت السلطة إهدار القانون فإنها يمكن أن تهدره كاملاً" 20.
    إستناداً لما تقدم ، وضعت نظرية القانون في الإتحاد السوفيتي، حيث كان " فكر لينين هو الذي يلهم رجال القانون الأوائل في الإتحاد السوفيتي. والمواقف اللينينية متسقة مع مواقف ماركس و انجلس: في مرحلة الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يبقى القانون البورجوازي بدون برجوازية، وهو يبقى بما هو منظم لإعادة توزيع المنتجات و العمل، و لا يلغيه تأميم وسائل الإنتاج إلا بصورة جزئية. و قد رفض لينين في جوهره القانون البروليتاري ذاته. غير أن إعادة تقييم السياسة التي أجرتها الثورة و نظمها دستورا 1918 و 1924 قد جعلت تحديد مكانة تنظيم قانوني في فترة إنتقالية مسألة شائكة" 21. و قد كان المنظرون القانونيون في فترة لينين مناهضين لفكرة القانونية الصارمة و النضالية. فعلى سبيل المثال كان با شوكانيس – وهو الشخصية الرئيسية في تلك الفترة يؤكد بأنه يمكن للقانون البرجوازي أن يكون أداة تستخدمها البروليتاريا غير أنه ليس هناك قانون بروليتاري، وينوه لحتمية إضمحلال الدولة والقانون معاً. " وفي الثلاثينيات سيكون على باشيوكانيس أن يتنكر لأطروحاته حول إضمحلال الدولة و القانون، وسيكون فيشنسكي المدعي القانوني في محاكمات موسكو الكبرى، هو الذي سيكلف حينئذ بأن يضع رسمياً نظرية القانون الخاصة بالعهد الستاليني. إن الإتحاد السوفيتي الذي يقدم نفسه على أنه بلد لم تعد فيه سوى طبقات صديقة ، يتخلى عن كل إضمحلال للدولة و ينهمك في وضع القانون الإشتراكي. و يعد هذا القانون من طراز جديد تماماً في شكله أو مصدره (الديمقراطي رسمياً) ، كما في محتواه الذي تحدده الدولة. و يصبح القانون مجموع قواعد السلوك التي ترسيها الدولة" 22. و القانون السوفيتي كنموذج للقوانين الإشتراكية ، إتسم بالسمات الآتية:
    (1) " القانون في الإتحاد السوفيتي ليس شيئاً مقدساً في ذاته ، و ليس تعبيراً عن عدالة مثلى أو نظام طبيعي للأشياء، و إنما هو أداة مسخرة لخدمة الآيدلوجية الماركسية ، بمعنى أنه وسيلة تستخدمها البروليتاريا لتحقيق البناء الإشتراكي وصولاً للشيوعية الكاملة. فالقانون ذو صفة سياسية ، هو تعبير عن سياسة القادة السوفيت. و قد أكد لينين هذا المعني بقوله (القانون هو إجراء سياسي، إنه السياسة)" 23. و هذا يعني أن القانون لا وجود له إلا في حالته الوظيفية المرتبطة إرتباطاً وثيقاً بسياسة الدولة وأساسها الطبقي. و يترتب على ذلك أن أي قانون تصدره الدولة هو قانون طبقي يحمي مصالح الطبقة المهيمنة عبر نشاط الدولة السياسي. و هذا النظر الوظيفي للقانون ، يجعله مجرد إنعكاس مباشر لأساسه الإجتماعي، و لا ينظر للتدخل التجريدي في صناعته و عموميته المتصلة بدور ووظيفة الدولة في إنفكاكها النسبي عن قاعدتها الإجتماعية. و هو بالحتم لا يستطيع تفسير طبيعة القوانين التنظيمية الطابع كقوانين المرور أو قوانين السلامة أو الأطعمة الصالحة للإستهلاك الآدمي أو القوانين الإجرائية المحضة. فالدولة لها وظيفة تنظيمية و حمائية تستلزم تعميماً لمصلحة جميع سكانها ، في المجالات غير ذات الصلة المباشرة بمصلحتها الطبقية التي تبدو واضحة في قوانين الملكية و القوانين الإقتصادية والعقابية مثلاً. و يستتبع هذا الموقف إضعاف لدور القانون في حالة ليس كونه أداة لتنفيذ ما تريده الدولة في إتصال وثيق بمصلحة من يقودونها.
    (2) القانون بصفته أداة في يد الدولة الطبقية البروليتارية لقهر البرجوازية، تحددت مصادره بصفة ضيقة و ثيقة الصلة بصفته السياسية. وهذا ما جعل " النظام السوفيتي لا يعترف – كقاعدة عامة – بمصادر غير القانون المكتوب. فهو لا يعترف بالقانون الطبيعي والعرف والعدالة إلا في حدود ضيقة في إطار التشريعات القائمة. و مرد هذا أن النظام البلشفي ينهد إلى التجديد الشامل للمجتمع إقتصادياً و إجتماعياً ، وهو أمر لا تقوى المصادر الأخرى للقانون على القيام به. وسيادة القانون المكتوب وهيمنته تؤدي إلى إستبعاد الفقه و القضاء و العرف من مصادر القانون. فالفقه تسيطر عليه الدولة وتوجهه بطريقة تضمن سيادة التشريع. والقضاء كذلك لا يقوى على منافسة التشريع ، فالسلطة القضائية لا تتمع بإستقلال ذاتي ، وإنما تخضع فيما تصدره من أحكام لأوامر وتوجيهات" 24.
    " ونظراً لإرتباط القانون بالدولة في النظرية الماركسية، يصعب الحديث عن قانون عرفي إلا إذا تبنته الدولة فعاقبت على مخالفة قاعدة عرفية. و لا شك أن القواعد العرفية ترجع في روسيا إلى العهد الإقطاعي، فمن غير المقبول أن تطبق في ظل النظام الإشتراكي" 25. " في الإتحاد السوفيتي خلال فترة الإنتقال من الرأسمالية في مجال الأراضي والقانون المدني تم السماح بتطبيق الأعراف المحلية للفصل، على سبيل المثال، في منازعات الممتلكات المنزلية، وفي حال إنفصال الأطفال الكبار والأزواج المطلقين. وبعد إنتصار الإشتراكية وتطور التشريع وإنجاز التغييرات في العلاقات الإجتماعية الإقتصادية في الريف، إختفت الحاجة لتطبيق الأعراف بالتدريج. وفي الدولة السوفيتية الحديثة احتفظ العرف القانوني بأهميته فقط في مجال القانون البحري متأثراً بالقواعد الدولية في هذا المجال. ولهذا السبب، يسمح القانون التجاري البحري السوفيتي في بعض الأحيان بتطبيق أعراف تجارة الموانئ في علاقات الشحن البحري. و هذه هي الحالة الوحيدة لتطبيق مصدر غير مكتوب للقانون (عرف قانوني)، المقننة بتشريع ساري للإتحاد السوفيتي" 26.
    و بالرغم من عدم إستقلال القضاء وضعف دوره في منظومة الدولة السوفيتية، إلا أنه يمارس دوراً في صناعة القانون في إطار منظومته الخاصة (في دائرة المحاكم وعملية تطبيق القانون)، في إطار التوجيه السياسي الذي يفقده من ناحية أخرى حياده المطلوب. حيث أن " الدوائر المجتمعة بالمحكمة العليا للإتحاد السوفيتي لها أن تصدر توجيهات ملزمة للمحاكم. و هذه التوجيهات تنقسم إلى قسمين: الأول توجيهات مفسرة للقوانين القائمة وترمي بها المحكمة إلى إرشاد القضاة إلى التفسير الصحيح للقانون إذا وجدت أنه فسر على نحو خاطئ، أو إلى بيان كيفية تفسير قانون بالقياس لقانون آخر. والثاني توجيهات تعدل بها المحكمة العليا القانون القائم أو تنشئ مبدأ قانونياً جديداً. وهذا النوع الثاني من التوجيهات من المصادر الهامة للتشريع في الإتحاد السوفيتي. وهذا الدور التشريعي الذي تقوم به المحكمة العليا لا تقوم به محكمة النقض عندنا أو في الدول اللاتينية أو الأنجلو أمريكية. ومن ناحية أخرى ، فإنه من الناحية العملية يصبح الحكم الذي تصدره المحكمة العليا بمناسبة الطعن أمامها مؤثراً ليس فقط بالنسبة للقضية المعروضة ، بل أيضاً بالنسبة لجميع القضايا المماثلة في المستقبل" 27.
    و يتضح مما تقدم أن مصادر القانون في الإتحاد السوفيتي إقتصرت على التشريع كمصدر رسمي ، مع مشاركة خجولة من القضاء في تبني لشكل من أشكال السابقة القضائية. و لكن إستناداً للطبيعة الوظيفية للقانون في الفكر الماركسي بصفة عامة، تم التضييق في تبني المصادر الأخرى و أسقط العرف كمصدر تشريعي معتبر ، وكذلك أسقط الدين. والنتيجة الحتمية لذلك هي القصور في معالجة مشكلة النقص في القانون لضيق المساحة في اللجوء للمصادر المادية للقانون أو المصادر غير الرسمية، علماً بأن الفكر القانوني الماركسي يقر بمشكلة النقص في القانون أو التشريع الذي ينشأ عن غياب النص التشريعي، إذ لا أحد يزعم بكمال التشريع الوضعي.
    ( 3) " المساواة بين الأفراد في الحقوق و الواجبات ليست مطلقة، فلا تكون هناك مساواة بين الأفراد إلا إذا تساوت ظروفهم. و في المجال الإقتصادي يؤدي الأخذ بالمذهب الإجتماعي إلى تدخل الدولة في كافة نواحي النشاط الإقتصادي، مما يؤدي إلى تملك الدولة لجميع وسائل الإنتاج و تشجيع القطاع العام و الحد من المبادرة الفرديةفي المجال الإقتصادي إلى أقصى درجة ممكنة. وإحلال مبدأ الإقتصاد الموجّه محل مبدأ الإقتصاد الحر. وفي الميدان القانوني فقد أدى تدخل الدولة في كافة المجالات إلى تعظيم أثر القانون و تدخله في مختلف آفاق نشاط الجماعة، فكثرت القواعد الآمرة و تقلص مبدأ سلطان الإرادة و الحرية التعاقدية، حيث تدخلت الدولة بقواعد آمرة لإقامة مساواة فعلية بين المتعاقدين ولمنع تحكم فريق في آخر إستناداً إلى قوة إقتصادية أو إلى ظروف غير مواتية" 28.
    " وتنظر الفلسفة الإجتماعية إلى الجماعة لا إلى الفرد، بإعتبارها غاية القانون. ويتجه المذهب الإشتراكي إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الأفراد، و ذلك بتدخل الدولة في النشاط الإقتصادي، عن طريق فكرة النظام العام التي أصبحت تتجسد شيئاً فشيئاً ، بحيث تحمي بتدخلها هذا الجانب الضعيف في العلاقة التعاقدية، وكذلك بالتوجيه الإقتصادي بفرض توزيع الثروات توزيعاً عادلاً، وتنظيم نشاط الأفراد لمنع الإستغلال و الإحتكار، و لكي يساهم النشاط الخاص في خدمة الجماعة وفقاً لتخطيط سابق. فتدخل الدولة. فتتدخل الدولة بوضع تنظيم قانوني في مجال العقود قد يصل إلى فرض عقود معينة" 29.
    و ذلك لأن " المذهب الإشتراكي لا يترك للقوانين الطبيعية كقوانين العرض والطلب تنظيم المجتمع ، بل يفرض على الدولة أن تتدخل بقوانينها للتنظيم، فهو لا يكتفي بإعلان المساواة بين الأفراد من الناحية النظرية ، فالمساواة عند أصحاب هذا المذهب تختلف عما إذا كانت مساواة قانونية أو مساواة فعلية . فهذه تختلف عن تلك لأن الأفراد يختلفون من الناحية الإجتماعية قوة و ضعفاً، فهناك الأقوياء الذين يملكون رؤوس الأموال كأرباب الأعمال و الشركات الإحتكارية، وهناك أيضاً الضعفاء كالعمال والمستهلكين . والوضع على هذه الصورة يجعل من الحرية الفردية والمساواة القانونية سلاحاً في يد الأقوياء موجهاً إلى الضعفاء، ووسيلة في يد بعض الطبقات لإستغلال البعض الآخر، لذا لا مفر من تحقيق المساواة الفعلية وهذا يحتم على الدولة أن تتدخل عن طريق القوانين لتحقيق المساواة من الوجهة العملية و عدم إستغلال الإنسان للإنسان، لأن العقد و حده لا يكفي لتنظيم العلاقات القانونية بين الأفراد" 30.
    ومن الواضح أن فكرة القوانين التدخلية، تأتي خصماً على مبدأ حرية التعاقد وسلطان الإرادة البرجوازي، الذي نشأ لتسهيل عملية التبادل ومثل الوسيلة القانونية للتبادل السلعي. و هو يقوم على إفتراض تكافؤ الأطراف في عملية التعاقد، و يتنافى بالفعل مع الواقع الذي يؤكد وبوضوح عدم التكافؤ. إذ لا تكافؤ بين العامل و رب العمل عند التفاوض على عقد العمل، و لا تكافؤ بين المؤجر والمستأجر عند إبرام عقد الإيجار. لذلك توجب تدخل الدولة عبر فكرة النظام العام لرفع القدرة التفاوضية للطرف الأضعف، حتى يصبح بالفعل مكافئاً للطرف الأقوى، وتمتنع عملية الإستغلال. فالشاهد هو أن التشريع التدخلي يجعل التكافؤ المفترض واقعاً فعلياً، ويكرس حرية التعاقد بدلاً من أن يلغيها، بتوفير الفرصة لتفاوض عادل يوصل لعقد متوازن لا إستغلال فيه. و لا يعني ذلك تغليباً للجماعة على حقوق الأفراد بإعتبارها غاية القانون، بل هو يؤكد أن الجماعة حينما تتحرر توفر شرط التحرر للفرد عبر تدخلها لمنع الإستغلال. فقد " رأي ماركس أن تحرير الكتل الشعبية هو الشرط الرئيسي لتحرير الفرد، فالفرد لا يتأتى له التحرر إلا من خلال المجموع برمته" 31. ولكن تحرر المجموع أو الجماعة لا يقود بصورة ميكانيكية أو آلية لتحرر الفرد، بل يوفر الشرط لتحرره، مما يعني أن حرية الفرد تحتاج لأكثر من توفر هذا الشرط. و الواقع هو أن القوانين التدخلية لم تكن حكراً على الدول الإشتراكيةـ بل تبنتها دولاً لا تمت للفكر الإشتراكي بصلة، حيث سنت القوانين التدخلية التي ترفع من قدرة الطرف الأضعف على التفاوض في مجال قانون العمل و الإيجار وحماية المستهلك. وأصبحت هذه الممارسة عامة و مؤكدة في دلالة واضحة على صحتها التي أجبرت الدول التي تتبنى مناهجاً رأسمالية على تبنيها. فهي و إن أصبحت ليست محل جدل في المجتمعات الحالية، إلا أنها تظل محل تساؤل فيما إذا كانت فكرة سائغة في المجتمع الإشتراكي نفسه أم لا، حين تصبح دولة البروليتاريا نفسها هي المخدم و صاحبة السكن و بائعة أو موزعة المواد الإستهلاكية. و ذلك لأن القول بحقها في التدخل لا يجعلها الطرف الأقوى في عملية التفاوض فقط، بل يعزز قوتها بإصدار التشريعات التدخلية اللازمة. و لا يعقل إفتراض أن الدولة ستشرع لرفع قدرة العامل مثلاً للتفاوض في مواجهتها. فحتى بإفتراض صحة الزعم بأن الدولة هي دولة عمالية و أن العمال هم من إختاروا مشرعيها، لا يصح الإفتراض بأن هؤلاء العمال الذين أصبحوا نواباً سوف ينحازون للعمال ضد الدولة التي أصبحوا سلطتها التشريعية. لذلك يبقى صحيحاً أن وصول هؤلاء العمال لمواقع التشريع الذي يسمح لهم بالتدخل تشريعياً لمصلحة العمال يبقى شرطاً عاماً لتحرر العمال، بشرط أن يبقى لهؤلاء العمال الحق في مراقبة الجهاز التشريعي وفي الحفاظ على نقاباتهم المستقلة و بحقهم في التنظيم و التجمع ، ليتمكنوا من مواجهة أي تشريعات تدخلية، تسنها الدولة في مواجهتهم وضد مصلحتهم. فالدولة التي تدعي تمثيلهم، يجوز أن تكون لا تمثلهم و أن يكون إدعائها غير حقيقي. فالدولة في الإتحاد السوفيتي السابق مثلاً ، كانت دولة عمال مشوهة بيروقراطياً كما رأى تروتسكي. إذ " أصبحت البيروقراطية سائدة في النظام السوفيتي ، و تم الإعتراف بذلك منذ 1919، من خلال حركة مزدوجة متناقضة ومتكاملة في آن معاً: 1/ إضمحلال الديمقراطية المباشرة: إذ كانت السوفيتات الريفية معدومة في أغلب الأحيان، وفي غياب كوادر كثيرين و مؤهلين ، لم تكن الإدارة السوفياتية سوى الإدارة القديمة التي أعيد تنصيبها بممارساتها الإبتزازية، وأخيراً فإن السوفيتات كانت مقيدة في سلطتها بالهيئات الإدارية المركزية. 2/ الإتجاه نحو البيروقراطية في الحزب و ذلك جزئياً من أجل مقاومة حركة إضفاء الطابع الإستقلالي على الجهاز الإداري و من أجل السيطرة على جهاز الدولة و إخضاع التنظيمات المستقلة للطبقة العاملة ( خضوع لجان المصانع للنقابات و خضوع هذه الأخيرة للحزب)" 32.
    ومفاد ما تقدم أن تدخل الدولة بسن القوانين لخلق تكافؤ فعلي بين المتعاقدين، شرطه هو وجود حق للتنظيم و التجمع لهؤلاء المتعاقدين ، وقدرتهم على مراقبة هذا التدخل ، حتى يكون هذا التدخل بالفعل لمصلحة الطرف الأضعف لا الطرف الأقوى، و حتى تتوفر حرية فعلية للتعاقد ويسود سلطان الإرادة من موقع التكافؤ لا من موقع الإستغلال.
    (4) مبدأ الشرعية الجنائية يقوم على أنه " لابد من تمكين المواطن من العلم بموقف القانون العقابي من أنواع السلوك المختلفة ، فيعرف المواطن أي سلوك يجرم القانون العقابي وأي عقوبة يضعها للمخالفة المعينة فإذا لم يخطر الفرد بالحظر الواقع على السلوك المعين مسبقاً ، فإن معاقبته على مخالفة القاعدة القانونية إنما تكون قسوة عديمة الجدوى . هذا هو منطق ما يسمّى بمبدأ الشرعية وهو يعني في معناه الضيق المحدّد أنه لايجوز إدانة أي شخص بجريمة إلا على أساس نص سابق ، كما لايجوز معاقبته بعقوبة أشد من العقوبة التي سبق تحديدها. وبعبارة أخرى فان الشخص مسئول عن الإنصياع للقانون العقابي القائم فعلاً وقت التصرف ، وهو خاضع للعقوبة المقررة فعلاً فلا يحاسب بموجب أي نص لاحق لتصرفه .
    ومبدأ عدم رجعية القوانين أو عدم سريان القوانين على الماضي ، مبدأ أساسي يعتبر من قديم هو الأصل في حل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان . وهو يقوم على أساس من المنطق والعدالة والمصلحة العامة .
    حيث يقضي المنطق بعدم سريان القانون على الوقائع التي حصلت في الماضي قبل نفاذه ، بحيث يقتصر سريانه على الوقائع المستقبلة التي تحصل بعد هذا النفاذ . إذ أن القانون خطاب موجه إلى الأشخاص يتناول ما يجب أن يكون عليه سلوكهم في خصوص أمر معين ، فلا يتصور أن يفرض هذا السلوك بالنسبة الى وقائع مضت وإنتهى أمرها قبل أن يوجه هذا الخطاب ، وإنما يكون ذلك بالنسبة الى ما يقع منها في المستقبل .
    وتأبى العدالة أن يسري القانون على أفعال أو تصرفات سابقة على نفاذه فليس من العدل أن يأتي الأفراد أفعالاً مباحة ، ثم يصدر قانون بفرض عقوبة تسري على ما وقع من هذه الأفعال قبل نفاذه . أو يبرم الأفراد تصرفات تخولهم حقوقاً معينة وفقاً لأحكام القانون القائم ، ثم يصدر قانون جديد يعدل من هذه الأحكام ويسري على ما تم قبله من تصرفات .
    وتوجب المصلحة العامة للجماعة ألا يسري القانون على الماضي حتى تتحقق ثقة الناس في القانون ويتوفر الاستقرار الواجب للمعاملات ، وبدون ذلك تهدر هذه الثقة، فلا يطمئن الناس الى أفعال يأتونها رغم كونها مباحة ولا الى تصرفات يبرمونها وفقاً للقواعد القائمة ، الأمر الذي يبعث القلق ويؤدي الى تعطيل الأعمال وتقويض النظام في المجتمع" 33.
    و هذا التصور للشرعية الجنائية يعرف بالشرعية الشكلية الضيقة التي تبنتها مدرسة الفكر القانون الحر برجوازية المنشأ. و "على نقيض الفكر الحر المحافظ في صورته السابقة ، نجد الفكر التقدمي المستند الى الوضعية القانونية . فقانون العقوبات يجد مبرراته في كونه وسيلة لحماية الجماعة في مصالحها المتطورة والمتجددة . ولذلك فان مبدأ الشرعية بصورته التقليدية لابد وأن يحول دون قيام قانون العقوبات بوظيفته الأساسية .
    فأساس التجريم ليس في النص التشريعي وانما في الخطورة الاجتماعية للفعل بالنسبة للمصالح الجوهرية للمجتمع . ومن أجل ذلك لا يجب على القاضي أن يقف مكتوف اليدين أمام الفعل المتصف بالخطورة الاجتماعية وغير المندرج تحت نص من النصوص التجريمية . وإنما عليه أن يعمل القياس حتى يحقق الحماية الفعالة المنوطة بقانون العقوبات .
    وظاهر مما سبق مدى تأثر الفكر التقدمي بالنتائج التي قدمتها المدرسة الوضعية في محيط القانون الجنائي. ولذلك فان الجريمة فقدت صلتها بالنص التجريمي واستبدلت الشرعية الموضوعية بالشرعية الشكلية" 34.
    " هذا و قد أثرت الأسس الآيدلوجية للنظام السياسي السوفيتي المستمدة بدون شك من الماركسية اللينينية، في نظامه القانوني. فظهرت فيه إتجاهات أخطرها تقبل مبدأ القياس في تفسير القوانين الجنائية، و هو مبدأ يصعب المواءمة بينه وبين مبادئ إستقرار القانون" 35. فالنظام السياسي الماركسي الثوري يسعى إلى إنشاء مجتمع جديد و يسعى بالضرورة إلى حمايته ، و هذه الحماية تستلزم ركوناً واضحاً إلى نظرية الخطر الإجتماعي الموضوعية بدلاً من الأخذ بالشرعية الشكلية التي يعتبرها الفقهاء محصلة طبيعية لمبدأ الفصل بين السلطات الذي لا تعترف به النظم الماركسية بالأساس. و لكن الإنصاف يحتم أن نثبت إنكار الفقهاء القانونيين السوفيت المتأخرين لحق الدولة في التجريم وفقاً للقياس. إذ " هناك نوعين من القياس: قياس قانون معين و وقياس القانون بعامة. و قياس قانون معين يعني الفصل في نزاع (دعوى) إستناداً لقاعدة قانونية مشابهة (الأقرب من حيث المحتوى) بتخيل حالة قياسية. فإذا لم توجد مثل هذه القاعدة القانونية في التشريع، يجوز لهيئة إنفاذ القانون اللجوء للقياس القانون بعامة. و قياس القانون بعامة يعني الفصل في نزاع (دعوى) إستناداً للمبادئ العامة للتنظيم القانوني...... وتطبيق نوعي القياس في القانون الجنائي ممنوع بتشريع الإتحاد السوفيتي. إذ لا يجوز لأي محكمة أو أي هيئة من هيئات إنفاذ القانون أن تعتبر أي فعل فعلاً جنائياً إلا بعد أن يتم النص عليه في التشريع الجنائي" 36.
    و إن كان هذا النص الإعتذاري صحيحاً أم خاطئاً، فإنه يعكس تحولاً واضحاً من نظرية الخطر الإجتماعي إلى الشرعية الشكلية البرجوازية. و بما أنه جاء في فترة بيروسترويكا جورباتشوف الشهيرة، يصبح الأرجح أنه أتى في سياق الإصلاحات التي تمت للنظام السوفيتي ، و خلقت تصوراً جديداً للنظام القانوني، بإعتماد الكثير من التصورات البرجوازية في سياق إشتراكي. و لكن هذا الإصلاح لا ينفي حقيقة أن النظام السوفيتي التقدمي، كان يركن إلى نظرية الخطر الإجتماعي الموضوعية ، ويرفض نظرية الشرعية الشكلية البرجوازية، في سياق الدفاع عن المجتمع الإشتراكي ضد أعدائه، وفي رفض لتداعيات نظرية الفصل بين السلطات، مما جعل التجريم بالقياس و خصوصاً في الجرائم الإقتصادية أمراً منطقياً ، ونتيجة حتمية لتصور دور القانون الوظيفي وتغليب الموضوعي على الشكلي، و الجوهري على المظهري، إستناداً لفقه ماركسي معادٍ للشكلية وباحثاً في توق شديد عن الجوهر الإجتماعي بإستمرار. و غياب الشرعية الجنائية الشكلية أدى بلا شك لعدم إستقرار نظام التجريم و أفقد القانون الجنائي إستقراره، كما قيض للمحاكم المسيسة وغير المستقلة أن تكون أداة خطرة و فاعلة، في يد السلطة الإستبدادية الشمولية الستالينية. والعودة المتأخرة لمبدأ الشرعية الجنائية الشكلية – إن صحت- تؤكد أن العديد من المبادئ العامة التي تم نبذها و مفارقتها في مرحلة الثورة البلشفية الأولى في سياق تحول القانون و إنتظار إضمحلاله أو حتى في سياق تحوله لقانون إشتراكي على يد فيشنسكي، لم يكن من الصحيح رفضها و إسقاطها بإعتبار أنها ليست بالضرورة في تلازم لا فكاك منه مع أصلها البرجوازي، و أنها من الممكن تكون مبادئاً مقبولة في المجتمع الإشتراكي بعد إغنائها بمضمون المجتمع الجديد، واستبدال جوهرها مع إبقاء مظهرها ليتبدل دورها في المجتمع بتبدل السياق الإجتماعي الإقتصادي.
    • موضوعات حول الدولة و القانون:
    القراءة المقتضبة التي تضمنتها هذه المساهمة في مقاربة لموضوع معقد من مواضيع فلسفة القانون لم يوفى حقه فيها بالضرورة، تسمح بالتوصل لإستنتاجات عامة ليست مطلقة الصحة و لا تدعي ذلك ، و لكنها تبين أن الدول الإشتراكية السابقة وقعت في أخطاء كبيرة بل خطايا، في فهمها لطبيعة الدولة و القانون على مستوى التنظير و الممارسة، من الممكن تلخيصها بإيجاز فيما يلي:
    1- إعتبار الدولة مجرد أداة و انعكاس مباشر للأساس الإجتماعي خاطئ . فالدولة كمؤسسة من مؤسسات البنية الفوقية، هي إنعكاس معقد و جدلي لأساسها الإجتماعي، ينفك نسبياً من هذا الأساس و يؤثر فيه تبادلياً. و هذا يعني أن لا تلازم أو تطابق في كل الأوقات بين الدولة و أساسها الإجتماعي، و أنها ليست في كل الأحوال أداة طبقية، بل من الممكن بأن تظهر بمظهر محايد عند تعادل وتوازن القوى الطبقية، كما أنها من الممكن أن تتأثر بالعناصر الأخرى في البنية الفوقية مثل الدين والعرف والتقاليد والثقافة. فالدولة طبقية في التحليل النهائي مثلما أن علاقات الإنتاج هي أساس البنية الفوقية تتسبب في نشوئها ولكن يصبح لها إستقلالها و انفكاكها النسبي. و الدولة التي نشأت في معرض التناقضات المستعصية على الحل وكرست الإستغلال، ليس هنالك تلازم شرطي بين وجودها واستمرار هذا الإستغلال. و لذلك لا يصح القول بأنها ستزول بزوال الإستغلال. فالأصح أنها تضمحل، و الإضمحلال غير الزوال، وهو يقوم على فقدان الدولة لجوهرها الطبقي وفقدانها صفة الأداة في يد طبقة لإضطهاد أخرى، مع بقائها كمؤسسة تقوم بدور الدولة التنظيمي و التنسيقي و الخدمي، بعد إغنائها بطابع إنساني يجعل منها دولة لجميع مواطنيها. و المفارقة هنا هي أن هذا التنظير من حيث الشكل يتوافق مع رؤية فيشنسكي جزئياً من حيث وجود الدولة الإشتراكية و يخالفه في موضوع إضمحلالها، و يتعارض مع مفهوم المنظّر الأول باشيوكانيس الذي استمات في الدفاع عن إضمحلال الدولة في إلتباس واضح بين الإضمحلال و الزوال. و لكنه بالطبع يلحظ أن موقف فيشنسكي انبنى على الرؤية الخاطئة لستالين حول ضرورة الدولة وعنفها في مواجهة الرأسمالية المهزومة لإكمال البناء الإشتراكي.
    2- أن الدولة هي مظهر لأساس و جوهر إجتماعي و ليست شكل و انعكاس مباشر لأي محتوى طبقي. و هذا يجعل تقدمها أو تأخرها على جوهرها أمراً ممكناً ويتيح تبني أشكال و نماذج للدولة نشأت قبل قيام الدولة العمالية أو الإشتراكية كدولة سيادة حكم القانون البرجوازية لتحقيق أهداف هذه الدولة. وفي تقديرنا أن المدرسة السوفيتية قد قدمت قراءة خاطئة لطبيعة الدولة . فتلك المدرسة تعاملت مع الدولة على أساس أنها مجرد شكل لمحتوى طبقي، وبما أن الشكل ماركسياً هو مجرد انعكاس للمحتوى، فانه لا يصح أن يتقدم أو يتأخر عنه. و هذا يعني استحالة الأخذ بالديمقراطية الليبرالية في دولة عمالية، وذلك لأن الديمقراطية الليبرالية مجرد انعكاس وشكل لمحتوى برجوازي. فالدولة العمالية بهذا الفهم، لابد أن تأخذ شكلاً مختلفاً تم التعبير عنه بمفاهيم الديمقراطية الجديدة ودولة الحزب الواحد. والواضح هو أن التحليل السوفيتي لطبيعة الدولة خاطئ ماركسياً، فالماركسية تعتبر الدولة جزءاً من البنية الفوقية التي تعتبر انعكاساً معقداً للبنية التحتية، ينفك نسبياً عن بنيته التحتية بعد نشوئه عنها. وهذا الإنفكاك يتيح للبنية الفوقية وللدولة بالتبعية، أن تتقدم على أساسها الطبقي أو تتأخر عنه، وبالتالي لا يصح أن تعتبر مجرد شكل يعبر عن محتوى يواكبه وقع الحافر على الحافر، بل هي مظهر لجوهر يصح أن يتقدم عليه أو يتأخر عنه. والأخذ بهذه القراءة المبنية على مقولتي المظهر والجوهر بدلاً عن القراءة السوفيتية القائمة على المحتوى والشكل، كان من الممكن أن يعطي الماركسيين الفرصة للقول بأن الديمقراطية الليبرالية مظهر تقدم على جوهره البرجوازي وبالتالي يصح أن يكون مظهراً لدولة جوهرها عمالي.
    و هذا التصور لا يتناقض و جوهر دولة ديكتاتورية البروليتاريا اللازمة للإنتقال من الرأسمالية للإشتراكية. فهو يتماهى معها بحيث " تصبح الدكتاتورية المزعومة مفهوماً ماهوياً يدل فقط على مضمون سياسة ما، بصورة مجردة من الشكل و الوسائل. لذا من الممكن قيام ديكتاتورية البروليتاريا بشكل ديمقراطي و بوسائل سلمية. و يمكن الدفاع عن هذا التأويل منطقياً، بل إن انجلس إنتهى أخيراً للدفاع عنه في مختلف نصوص عام 1891. ففي المقدمة التي كتبها ذلك العام للطبعة الألمانية لكتاب كارل ماركس الحرب الأهلية في فرنسا، يشدد إنجلس على كون الكومونة ديمقراطية حقة. و تنتهي المقدمة بنوع من الصرخة يقول مضمونها و بشكل تقريبي ما يلي: انكم تخافون من فكرة ديكتاتورية البروليتاريا و تريدون معرفة ماهيتها، أنظروا إلى كومونة باريس و لا تخافوا بعد، لأن هؤلاء الثوار كانوا ديمقراطيين، إنها كانت ديكتاتورية البروليتاريا. و يصرح في نفس السنة متحدثاً عن الجمهورية الديمقراطية في نقد مشروع برنامج ايرفورت : انها (كومونة باريس – المترجم) الشكل الخصوصي لديكتاتورية البروليتاريا. بصورة عامة فقد إكتشف إنجلس في السنوات الأخيرة من القرن، مجدداً أهمية الشكل، بما في ذلك في مجال السياسة" 37.
    3- إنكار الحق في المساواة أمام القانون الذي يشكل أساس دولة سيادة حكم القانون. إذ أن تعريف دولة ديكتاتورية البروليتاريا للمواطن يقوم على أساس الشخص المنتج العياني بحسب موقعه من العملية الإنتاجية لا بحسب تجريد يرفع كل شخص من أشخاص الدولة إلى درجة المواطنة. و لا ندري لماذا يتنكر الفكر الماركسي للمساواة بين المواطنين أمام القانون بالرغم من أن الطبقات المستغلة قد تمت هزيمتها و انتزاع السلطة منها في دولة ديكتاتورية البروليتاريا وأن الأساس الإقتصادي المكرس للإستغلال قد تمت إزالته بزوال الملكية الفردية لأدوات الإنتاج. المنطقي هو مساواة الجميع أمام القانون بما في ذلك جهاز الدولةن طالما أنه لا يوجد أساس إجتماعي إقتصادي للإستغلال، و طالما أن القانون نفسه يكرس حماية الجميع في دولة كل الشعب كما كان يدعي الدستور السوفيتي مثلاً. ففي تقديرنا أن عدم المساواة أمام القانون ، سمحت بتوسيع دائرة الظلم الإجتماعي، ووضعت اللبنة الأساسية لوضع الدولة فوق القانون بإعتبارها دولة للبروليتاريا لا تعترف بتجريد الشخص وتصر على عيانيته وفقاً لموقعه الطبقي، في تناسي تام أن القانون في كل الأحوال هو مفهوم تجريدي يرفع العياني لمستواه النظري وينقله من وجود موضوعي إلى وعي مصاغ في شكل قواعد تحكم السلوك العام و العلاقات بين البشر.
    4- الإصرار على وحدة السلطة ورفض مبدأ الفصل بين السلطات بإعتباره مبدأ برجوازياً الغرض منه إخفاء طبيعة الدولة الإستغلالية وتضليل البرجوازية بزعم وجود عدالة ناتجة عن ايقاف السلطة للسلطة. و لا نرى سبباً لزعم بأن وحدة مصدر السلطة الإجتماعي، يحتم وحدة مظهرها أو المؤسسة التي تمثلها. فوحدة المصدر تصبح أساساً أو جوهراً للسلطة، لا يمنع بأي حال من تشيؤها بأنسقة مختلفة مستقلة و مكملة لبعضها بعضاً، في ظل تبادل الرقابة. و الإفتراض المنبني على أن أي تجريد أو تعدد لمظاهر السلطة يخفي حتماً طبيعتها و يقود إلى تضليل، أمر لا تصدقه الوقائع و لا يسنده المنطق. فالسلطة في الواقع يتم تجريدها في حال قوننتها بأي صورة من الصور، والذي يحدد مدى تضليلها للآخر وإنكار طبيعتها هو خطابها السياسي و آيدلوجيتها و ليس مظهرها ومؤسساتها. فالمؤسسات التي تمثل السلطة لا تعكس بصورة آلية طبيعتها وليس مطلوباً منها أن تقوم بذلك، بل تعكس هذه الطبيعة بشكل معقد جدلي وديالكتيكي يأخذ مظاهراً متعددة، مما يتيح الفرصة لأن يتشيأ جوهر السلطة ذات المصدر الواحد في مؤسسات مستقلة و متعددة في حالة وحدة وصراع يضمن عمل قانون الحركة الماركسي نفسه. و بالتالي يمكن أن تتعدد مظاهر السلطة فتنفصل التنفيذية عن التشريعية و عن القضائية للتبادل الرقابة فيما بينها و يوحدها الدستور في محافظة بينة على التنوع في إطار الوحدة. و أخذ الفكر الإشتراكي القانوني بعكس ذلك يبين عجزه عن فهم العلاقة بين طبيعة جوهر السلطة و تمظهراتها و جدل الوحدة و التعدد في إطار يسمح بتكريس مفاهيم مرنة تؤسس لقضاء مستقل، وجوده ضرورة لحماية الحقوق و الحريات العمالية التي تدعي الدولة البروليتارية تمثيلها. و موقف الدول الاإشتراكية السابقة المتبني لرفض مبدأ فصل السلطات، يعني أنها ألغت مفهوم الدولة – المؤسسة، و بالتالي أعادت مجتمعاتها للدولة- الفرد التي سبقت ظهور البرجوازية و نظامها الرأسمالي الصناعي الحديث، بدلاً من أن تنقلها إلى مستوى أعلى و أحدث في سياق التقدم في تنظيم العلاقة بين المواطن و السلطة و الفرد و المجتمع. فالدولة عادت لتصبح دولة القيصر عبر إختزالها في هيئة تجمع كل السلطات و تخضع لسلطة الحزب الذي اختزل في شخص سكرتيره العام.
    5- رفض التعددية الحزبية بإعتبار أن الحزب يمثل الطبقة و هو وسيلتها لإستلام السلطة الموحدة في دولتها التي هي مجرد أداة في يدها لتكريس هذه السلطة و الإنتقال إلى الإشتراكية. و استناداً لذلك أصبح حزب الطبقة ممثلاً للطبقة أو بديلاً عنها ، و أصبحت قيادة الحزب بديلة عن الحزب بعد تعطيل مبدأ المركزية الديمقراطية ، فترسخت الدولة الشمولية. فنظرياً ، كان على الحزب أن يعمل وفقاً لنظرية المركزية الديمقراطية على مستوى عمله الداخلي و على مستوى الدولة أيضاً، بإعتبار أن المركزية الديمقراطية هي قانون التنظيم المبني على القانون الديالكتيكي الأول "وحدة و صراع الأضداد" الذي يعرف ماركسياً بقانون الحركة. و لكن إنتصار المركزية على الديمقراطية داخل الحزب، و كذلك على مستوى الدولة التي وضع مركزها فوق القانون، أبطل مفعول القانون بإلغاء أحد طرفي التناقض فمنع الحزب و المجتمع من الحركة و أنتج الجمود الذي أدى لفشل حتمي. و التعددية الحزبية شرط لإعمال قانون الوحدة والصراع، و لذلك لا ديمقراطية بدون أحزاب. فإصرار الدولة السوفيتية ونموذجها على دولة الحزب الواحد، و إصرار دول الديمقراطيات الشعبية على تعددية حزبية شكلية، كان أحد عناصر فشل التجربة خصوصاً بعد إندماج هذه الأحزاب في جهاز الدولة و جمعها السلطات الثلاث بزعم وحدة السلطة لوحدة مصدرها و طبيعتها الواحدة. و المعلوم هو أن المادة السادسة من الدستور السوفيتي نصبت الحزب الشيوعي قائداً للمجتمع وجميع أجهزة الدولة. " و قد مر عصر كامل كان الحزب خلاله ، بحكم أسباب مختلفة بما فيها أسباب موضوعية، يفرض سلطته دون منازع بصفته قوة فكرية سياسية. و لكن حتى بالنسبة إلى ذلك العصر لا يجوز بأن نقر بأن نظام الحزب الواحد هو الخيار الأمثل للمجتمع. فبقدر ما كان المجتمع والدولة يزدادان تطوراً ، كانت مسائل البناء تزداد تعقداً بدرجة لا تقاس، و كانت الضرورة تفرض الإحاطة الشاملة بجميع الظروف و الآراء ، و بوجهات النظر المختلفة، والتفتيش عن الحلول المناسبة، بما فيها الحلول الوسط، من البدهي أن نظام الحزب الواحد لم يكن بإستطاعته القيام بذلك...... وعند إعتماد الجهاز التشريعي الأعلى للإتحاد السوفيتي القانون القاضي بإلغاء المادة السادسة من دستور الإتحاد السوفيتي ، إنهار نظام الدولتية بكامله، وبدأ ذلك في مناطق محلية محدودة في البداية، ثم اتخذ شكل السيل الطاغي الذي اكتسح البلاد ككل" 38.
    6- النظر الوظيفي للقانون يجعله إنعكاساً مباشراً لأساسه الإجتماعي و يلغي حقيقته التجريدية التي تنقله من وجود إجتماعي إلى جزء من بنية فوقية العلاقة بينها وبين أساسها معقدة تمر عبر عملية تجريد حتمية عند الإنتقال من الملموس للمجرد. ويترتب على ذلك نتائج مهمة تشكل علامات فارقة في تمييز القانون في الفكر الماركسي الممارس في الواقع العملي. إذ ينتج عنه رفض للطبيعة التنظيمية و التنسيقية التي يقوم بها القانون، و بنسبة كل القوانين التي تسنها الدولة بصورة ميكانيكية للطبقة الحاكمة حتى دون البحث في طبيعة المصلحة التي تحققها أو تحميها تلك القوانين. وهذا الأمر و ثيق الصلة بتصور زوال القانون في الدولة الإشتراكية الذي تبناه باشيوكانيس في المدرسة السوفيتية و أعلن على أساسه أن القانون برجوازي دائماً وليس هناك قانون إشتراكي. و الصحيح هو إضمحلال القانون لا زواله. و الإضمحلال يعني تخلف وغياب الوظيفية الرئيسية المتمثلة في تكريس إستغلال الطبقة المسيطرة، مع بقاء الوظائف الأخرى التنظيمية والتنسيقية المتصلة بالخدمات التي تقدمها الدولة. أي أن القانون يفقد طابعه الطبقي ليكتسب جوهراً إجتماعياً عاماً في مجتمع خال من الطبقات يشكل جوهره، و لا يمنعه من أن يستمر من حيث الشكل بمظهر سابق لظهور دولة كل مواطنيها، التي بنتها البروليتاريا.
    7- غائية القانون الرامي لصناعة و حماية و تكريس المجتمع الإشتراكي، كرست عملياً التشريع كمصدر وحيد للقانون. و بالتالي أضعفت ومن ثم أنهت دور المصادر الأخرى في النظام القانوني. فدور العرف كمصدر مادي للتشريع تمت مصادرته وإلغاؤه، و كذلك دور الدين و مبادئ العدالة و الإنصاف بصفة عامة. و بالرغم من الإعتراف بدور جزئي للمحاكم غير المستقلة في صناعة القانون عبر تبني لشكل من أشكال نظام السوابق القضائية، إلا أن واقعة عدم إستقلال القضاء في مواجهة السلطتين المندمجتين التشريعية و التنفيذية، يجعل من هذا الدور دوراً شكلياً و محدوداً بسقف التدخل المستمر في عمل القضاء من قبل السلطتين المندمجتين. و هذا بالطبع أدى إلى قصور كبير في معالجة النقص في القانون، الذي ينشأ من القصور التشريعي الواقع لا محالة. وكان من الممكن الحفاظ بدور لهذه المصادر المادية التاريخية للتشريع، بعد تقييدها بالمبادئ الدستورية العامة للنظام الإشتراكي، و لكن الدول الإشتراكية السابقة آثرت إلغاءها جملةً و تفصيلاً بإعتبار أن القانون أداة في يد البروليتاريا و لا يجوز أن يتم تشريعه إلا عبر ممثليها المنتخبين للقيام بدور المشرع.
    8- التوجه الإشتراكي بإعتباره توجه إجتماعي، قاد لتدخل واسع للدولة في العلاقات الإجتماعية الإقتصادية بغرض تنظيمها إستناداً لفكرة النظام العام ، و سن استناداً إلى ذلك قوانين عرفت بالقوانين التدخلية. و ـاثر قانون العقود بوصفه حاكماً لعلاقات التبادل السلعي و تبادل الخدمات بهذه القوانين التدخلية. حيث حاولت الدولة دائماً معالجة قاعدة حرية التعاقد و مبدأ سلطان الإرادة القائم على طراف التعاقد، بالتدخل لخلق تكافؤ فعلي عبر رفع القدرة التفاوضية للطرف الأضعف. و نتج عن ذلك قوانين متعددة حمائية كقانون العمل و قانون الإيجار و قانون حماية المستهلك. هذا التصور أثبت صحته و ضرورته وواقعيته، و تبنته العديد من البلدان غير الإشتراكية.
    9- العمل على حماية المجتمع الإشتراكي من المخاطر، قاد إلى رفض مبدأ الشرعية الجنائية الشكلي بإعتباره أحد لوازم الفصل بين السلطات، و تبني نظرية الخطر الإجتماعي الحمائية التي سمحت بالتجريم على أساس القياس ، بإعتبار أن القاضي لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي في حال عدم وجود نص تجريمي و هو يرى المجتمع يتعرض للخطر . و لسنا في حاجة للقول بأن حصيلة هذه الرؤية الخاطئة كانت عدم إستقرار القانون ولا عدالته، حيث لا يمكن أن يتنبأ المواطن بنطاق التجريم ومعرفة الجريمة مسبقاً حتى لا يقع فيها و يعرض نفسه للعقوبة. ويلاحظ أن هذا المواطن من الممكن أن يكون البروليتاري نفسه الذي تعتبر الدولة دولته.
    في إيجاز نرجو ألا يكون مخلاً، نقول بأن مفهوم الدولة و القانون لدى فقهاء القانون الماركسيين و الدول الإشتراكية السابقة، عانى من قصور كبير انبنى على تنظير ناقص فيما يخصهما. و ترتب على ذلك نتائج خطيرة كرّست دولة و قانون تلك الدول كأداة للظلم بدلاً من أن يكونا أداةً لتحقيق العدالة القانونية ، في مفارقة بينة تجعل من الظلم وسيلة لتحقيق العدالة.

    • الهوامش:
    1- A. Denisov, A. Kenenov, O. Leist, K. Lubchenko, M. Marchenko, Ya. Mikhalyat, A, Mitskevich, V. Popkov, I. Samoshchenko- Theory of State and Law- P. 166, 167.
    2- د. وائل حسن عبدالشافي- مشكلة النقص في القانون بين المذاهب الفلسفية و الشرائع القانونية- ص 192.
    3- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 642.
    4- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 96.
    5- ميشال مياي- دولة القانون ( مقدمة في نقد القانون الدستوري)- ص 143.
    6- مارسيل ليبمان- اللينينية في ظل لينين- الجزء الثاني- إمتحان السلطة- ص 158.
    7- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 645.
    8- A. Denisov, A. Kenenov, O. Leist, K. Lubchenko, M. Marchenko, Ya. Mikhalyat, A, Mitskevich, V. Popkov, I. Samoshchenko- Theory of State and Law- P.55..
    9- د. أحمد عثمان عمر – مساهمة في سفر الخروج من الأزمة- ص 21.
    10- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 645و 646 على التوالي.
    11- موريس دوفرجيه- المؤسسات السياسية و القانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى- ص 444.
    12- د. عبدالعزيز محمد سالمان – نظم الرقابة على دستورية القوانين- ص 28.
    13- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 644.
    14- د. عبدالعزيز محمد سالمان – نظم الرقابة على دستورية القوانين- ص 29.
    15- John Quigley- The Soviet Union as State Under the Rule of Law- An Overview- P.2.
    16- أنطوان أرتو- ليون كريميو- هنري مالر- فرانسوا سابادو- كاترين ساماري – الماركسية و الديمقراطية- ص 41 و 43.
    17- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 604.
    18- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 606 و 607 على التوالي.
    19- د. أحمد إبراهيم حسن- غاية القانون (دراسة في فلسفة القانون)- ص 97و98 على التوالي.
    20- د. وائل حسن عبدالشافي- مشكلة النقص في القانون بين المذاهب الفلسفية و الشرائع القانونية- ص 193.
    21- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 607.
    22- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 607 و 608 على التوالي.
    23- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 642.
    24- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 642.
    25- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 642.
    26- A. Denisov, A. Kenenov, O. Leist, K. Lubchenko, M. Marchenko, Ya. Mikhalyat, A, Mitskevich, V. Popkov, I. Samoshchenko- Theory of State and Law- P.198.
    27- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 643.
    28- د. أحمد إبراهيم حسن- غاية القانون (دراسة في فلسفة القانون)- ص 99 و 100 على التوالي.
    29- د. أبوجعفر عمر المنصوري- فكرة النظام العام و الآداب العامة في القانون و الفقه مع التطبيقات القضائية- ص 154.
    30- د. يس محمد مجمد الطباخ – الإستقرار كغاية من غايات القانون (دراسة مقارنة)- ص 107 و 108 على التوالي.
    31- د. نعيم عطية – القانون و القيم الإجتماعية (دراسة في الفلسفة القانونية)- ص 89.
    32- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- ص 331.
    33- د. أحمد عثمان عمر- أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني (دراسة تحليلية) – ص 116 و 117 على التوالي.
    34- د. أحمد عثمان عمر- أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني (دراسة تحليلية) – ص 120.
    35- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- ص 650.
    36- A. Denisov, A. Kenenov, O. Leist, K. Lubchenko, M. Marchenko, Ya. Mikhalyat, A, Mitskevich, V. Popkov, I. Samoshchenko- Theory of State and Law- P.252.
    37- جاك تكسيه- الثورة و الديمقراطية في الفكر السياسي لماركس و انجلس – مجلة النهج – العدد 46 – ص 90.
    38- فلاديمير كروتشكوف – العمل السري في المخابرات السوفيتية (ك . ج . ب )- ص 57 و 58 على التوالي.




















    • المراجع:
    (1) المراجع العربية:
    1- د. أبوجعفر عمر المنصوري- فكرة النظام العام و الآداب العامة في القانون و الفقه مع التطبيقات القضائية- دار الجامعة الجديدة- 2010.
    2- د. أحمد إبراهيم حسن- غاية القانون (دراسة في فلسفة القانون)- دار المطبوعات الجامعية- الإسكندرية-2000.
    3- د. أحمد عثمان عمر- أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني (دراسة تحليلية) – الشركة العالمية للطباعة و النشر- 2006.
    4- د. أحمد عثمان عمر – مساهمة في سفر الخروج من الأزمة- نور نشر- 2017.
    5- أنطوان أرتو- ليون كريميو- هنري مالر- فرانسوا سابادو- كاترين ساماري – الماركسية و الديمقراطية- دار السوسن للنشر و التوزيع – دمشق- الطبعة الأولى- 2006.
    6- جواد ناصر الأربش – دساتير العالم العربي مع ملحق لدساتير بعض الدول الأجنبية – 1972.
    7- جيرار بن سوسان و جورج لابيكا- معجم الماركسية النقدي- دار محمد علي للنشر و دار الفارابي- الطبعة الأولى – 2003.
    8- د. وائل حسن عبدالشافي- مشكلة النقص في القانون بين المذاهب الفلسفية و الشرائع القانونية- المكتب الجامعي الحديث – 2009.
    9- د. يس محمد مجمد الطباخ – الإستقرار كغاية من غايات القانون (دراسة مقارنة)- المكتب الجامعي الحديث – 2012.
    10- د. نعيم عطية – القانون و القيم الإجتماعية (دراسة في الفلسفة القانونية)- الهيئة المصرية العامة للتأليف و النشر- 1971.
    11- د. ناثان ج. براون- القانون في خدمة من؟- الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2008.
    12- فلاديمير كروتشكوف – العمل السري في المخابرات السوفيتية (ك . ج . ب )- دار الطليعة الجديدة – الطبعة الأولى – 1998.
    13- د. عبدالعزيز محمد سالمان – نظم الرقابة على دستورية القوانين- سعد سمك للمطبوعات القانونية و الإقتصادية- 2000.
    14- المستشار محمد وجدي عبدالصمد- الإعتذار بالجهل بالقانون- الطبعة الثالثة – 1988.
    15- موريس دوفرجيه- المؤسسات السياسية و القانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى- المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع- الطبعة الأولى- 1992.
    16- مارسيل ليبمان- اللينينية في ظل لينين- الجزء الثاني- إمتحان السلطة- دار الحصاد- دمشق -1989.
    17- ميشال مياي- دولة القانون ( مقدمة في نقد القانون الدستوري)- المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع- الطبعة الثانية- 1982.
    18- مجلة النهج – العدد 46- السنة 13 – 1997.
    • المراجع الإنجليزية:
    1- A. Denisov, A. Kenenov, O. Leist, K. Lubchenko, M. Marchenko, Ya. Mikhalyat, A, Mitskevich, V. Popkov, I. Samoshchenko- Theory of State and Law- Progress Publishers- 1987.
    2- ######## Thornburgh- The Rule of Law in the Soviet Union- 1990.
    3- El Siddig Abdelbagi Hussein- The Regulation of Labour and State in The Sudan- 1986- http://webcat.warwick.ac.uk/record=b1448862~S1http://webcat.warwick.ac.uk/record=b1448862~S1

    4- Evgeny B. Pashukanis- General Theory of Law and Marxism –Transaction Publishers- 2003.
    5- John Quigley- The Soviet Union as State Under the Rule of Law- An Overview- http://scholarship.law.cornell.edu/cilj
    6- John N. Hazard- Unity and Diversity in Socialist Law- http://scholarship.law.duke.edu/lcp/vol30/iss2/4































                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de