هل يفوت على الذين يردِّدون كلما سنحت لهم فرصةٌ في منبر (أن التبايُّن العرقي والثقافي في السودان مصدر قوة وإضافة) أن تحقيق ذلك يحتاج منا إلى العودة (قسراً) للحكم على الأشياء من حولنا تحت طائلة العدالة المحضة ، هذا التباين والإختلاف في واقعنا الحالي في حقيقة الأمر ليس إلا مصدر ضعف وتخريب ، ولنسأل لماذا ؟ ، من وجهة نظري يُعتبر عدم تجسيد هذا التبايُّن في ممارساتنا السياسية والإدارية والإعلامية والثقافية سببباً رئيسياً في شعور كثير من المنتمين إلى ثقافات وأعراق مختلفة في بلادنا بالضيم والتهميش ، وحتى نكون واقعيين ولا ندفن رؤوسنا في الرمال ، علينا الإعتراف بأن مُجمل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد لم تهتدي إلى السبيل الأمثل لتنزيل أمر التعايش العرقي والثقافي للواقع الفعلي عبر إستعمال أدوات الدولة وفرضها آليات وقوانين تُظهر بوضوح هذا التمايز والإختلاف على كافة مستويات الهيكل السياسي للمناصب الدستورية وكذلك في الهيكل الإداري العام للخدمة المدنية ، فضلاً عن التعبير عن ذلك بشفافية ووضوح في أجهزتنا الإعلامية ومنابرنا الثقافية ، وقد إرتفعت حِدة الصراعات القبلية والنعرات العرقية والثقافية ، بعد إستلام نظام الإنقاذ للحكم بعد أن أضافت إلى معايير الإختلاف والتبايُّن بُعداً دينياً ، طالما قام بتشويه واقع العلاقة الشعبية بين الإسلام والمسيحية ، وأدى أيضاً إلى لفت أنظار الدول الغربية والمنظمات المسيحية إلى إعتبار حرب الجنوب حرباً دينية بحته ولا وجود لمسبِّبات أخرى في إندلاعها سوى الإختلاف الديني ، وبذلك صُنِّف جنوب السودان قبل الإنفصال منطقة أقلية دينية ، رغم أن ذلك غير صحيح إذا ما درسنا بدقة حالة الإنتماءات الدينية في الجنوب ، ومن أهم الأسباب التي يجب أن نعترف بمثولها في واقعنا المُتعلِّق بموضوع الإستفادة من التنوع العرقي والثقافي في السودان هو إزدواجية مفهوم العروبة مع الإسلام في ذهنية الدولة والمجتمع ، والإندفاع بلا كابح نحو المحور السياسي والثقافي العربي دون موازنة بين ذلك وبين ما يربطنا مع إفريقيا من علاقات عرقية وثقافية وتاريخية ، بالقدر الذي يجعل القبائل والعرقيات غير المختلطة بالدماء العربية تشعر بنوع من الإنتماء والإرتياح المعنوي تجاه ما تتبناه الدولة من توجهات ، حكومة المؤتمر وبما حازت عليه من يدٍ طولى في تعميق هوة الصراع العرقي والقبلي في السودان نتاجاً لسياسات (نرجسية) إستهدفت المصلحة التنظيمية والسلطوية دون الوطن والمصلحة القومية ، مطالبة أمام الله والبلاد والعباد ، أن تُبعد حركة التنمية والإستنارة خارج إطار المركزية ، ومن فوائد ذلك توفير فُرص للأقاليم التي تحوي قوميات وقبائل مُتظلِّمه لإنتاج كوادر بشرية قادرة على تولي المسئولية السياسية ودعم هيكل الخدمة المدنية والسماهمة كماً وكيفاً في حركة الإقتصاد الوطني التي ينتجها القطاع الخاص ، كما أن الحكومة مطالبة أيضاً بوضع إستراتيجية إعلامية رسمية ومُلزمة لكافة الأجهزة الإعلامية والواجهات والمنابر العامة تًعبِّر تعبيراً واقعياً عن حالة التبايُّن العرقي والثقافي في السودان ، هذا فضلاً عن تعديل خطة الدولة الرسمية المُتعلِّقة بموازنة توجهاتنا الدولية على المستوى الإقليمي لصالح الإتحاد الإفريقي ومنظماته وآلياته ، وكذلك علاقاتنا مع دول الجوار الإفريقي ، ما نقوم به من جهود في هذا المضمار على مدى عقود مضت يُحاكي المثل القائل (عينك للفيل و تطعن في ضلو).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة