في إطار كوميدية المآسي التي أصبحت سمة من سمات زماننا هذا في بلادنا هذي ، أن يتأفف المحتال من الأمين و الكاذب من الصادق ، و المُزيَّف من الأصيل ، و ال#################### من العالم ، حتى بتنا في حيرةِ من أمرنا نحن الذين ندعي أننا تجاوزنا بحكم الخبرة المستقاة من ( إمتداد ) أعمارنا أننا قد خبرنا الحياة و علمنا ما فيها و ماعليها ، و الآن يخطر على ذهني المعنى العميق الذي أبدعه أديبنا و رمز فخرنا الطيب صالح في جملته الشهيرة ( من أين أتى هؤلاء ؟؟ ) .. سؤال يقودك مباشرة بلا عثرات و لا تطويلات إلى ما شاب هذا العصر من إنقلاب في الموازين و الرؤى ، حتى ظننا و أرجو أن يخيب ظننا أنه لم يُعُد هناك أمر من الأمور مهما علا شأنه و تقدست معانيه و مآلاته يقع في خانة ( المُتفق عليه ) .. فالفساد الإداري و السياسي أصبح يُغلف بكل بساطة بألمع و أفخر المصطلحات من باب التدليس بالحقائق و إغفال النفوس عن التوبة و الرجوع عن الباطل فبات لا يستفيد من فضيلة العودة إلى الحق كلا الطرفين ( الجاني و المجني عليه ) ، و بات أمر الفساد و الإختلاس من المال العام ، بل و طلب الرشوة بالإجهار و المباشرة من الأمور العادية التي يمكن أن تتقبلها العقول و الإفئدة بلا إعمالٍ لحاسة الإستغراب و الإندهاش أو حتى مجرد الإهتمام ، أما على مستوى المجتمع في حدود ما يتم تداوله من تفاعل بين أبناء الشعب العاديين و الذين هم خارج دائرة السلطة و النفوذ ، فيقع عليهم حكم ( من عاشر قوماً أربعون يوما .. ألخ ) .. ذلك لأن ما أصاب الحصول على ضروريات الحياة من صعوبات و تعثرات ناتجة عن الغلاء الفاجر و العجز المخزي للهيئات و المؤسسات الحكومية عن تقديم أبسط الخدمات و التسهيلات التي تضع المواطن الكادح على أول الطريق المؤدي إلى ( إستلقاط ) لقمة عيشه ، كأن يكون بائعاً متجولاً يفترش الأسواق فلا تلاحقه ( كشات ) المحلية ، أو أن يكون مسترزقاً على مركبة للمواصلات ولا يُفاجأ بخلو المحطات من الوقود ، أو أن يكون عاملاً في ورشة حرفية فلا يمنعه إنقطاع التيار الكهربائي عن كسب أكل عيشه ، أو أن يكون ظمئاً فلا يجد ما يسد رمقه لإنقطاع الإمداد المائي ، هكذا في مثل هذه الظروف القاتمة تتفشى أيضاً داخل المجتمع مظاهر الجشع و الهلع و الخوف الهستيري من المستقبل ، كلٌ لا يجد حرجاً في الحصول على مصلحته الشخصية و لو على أجداث من حوله من بشر ، و المحاكم تعج بالقضايا المتعلقة بالمال و التجارة و النصب و الإحتيال ، و المحال و الأسواق تعج بالمخالفات و التلاعب بصحة الجمهور و حياتهم ، و معاملات الناس و مصالحهم الحيوية تعاني فشل الأنظمة الإلكترونية لأورنيك 15 ، و جرائم جنائية لم نسمع بها و لم نتخيّل حدوثها يوماً ما في سودان الأصالة و القيِّم النبيلة .... حتى تشابه علينا البقر و صرنا لا نعرف الصالح من الطالح .. و إختلط الحق بالباطل .. لو قُدر للطيب صالح أن يكون حياً ليرى ما آل إليه أمرنا لعدّل المقوله و قال ( من أين أتينا نحن ؟ ) . [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة