10:02 AM February, 27 2018 سودانيز اون لاين عبدالله الشقليني- مكتبتى رابط مختصر في وداع " مجوك نقديمو" مغادراً الإمارات وَمن صَحِبَ الدّنيا طَوِيلاً تَقَلّبَتْ .. على عَيْنِهِ حتى يَرَى صِدْقَها كِذبَا كيفَ التذاذي بالأصائِلِ وَالضّحَى .. إذا لم يَعُدْ ذاكَ النّسيمُ الذي هَبّا
*المتنبي
(1)
لم تكُن أحزاننا مُجلجلّة لو كُنا في وطننا الواحد ، ولكنه صار الأمر بعيداً عما نتحسّب ونعتقد . إن أردنا أن نصله ففيزاء الدخول لوطنٍ، كان لوقتٍ قريب سهل المنال ، ولكنه أصبح عسيراً على أهل الجنوب أكثر من أهل الشمال! .كان الراحل البروفيسور " عبدالمنعم بلّه " يُشيد بمداخلات " ماجوك " في " منتدى السودان الفكري " بأبوظبي ، ويراه صاحب رؤيا ، ترى الأوطان ، ليس في موقع الأقدام ، بل بمنظور الجغرافيا السياسية وسعة الأفق وبُعد الخيال الواقعي . حُزننا بسفره الحتمي إلى الوطن الشقيق في جنوب السودان ، ليس محض فُراق صديق جمعتنا به المنافي ، ولكن ما يجمعنا أكثر من تلوّن الجواهر مع الضوء ، فنحن نتخضّب من أثر جينة طيّعة ، قابعة في سويداء وجداننا ، عصية تُنادينا أن نصبُر على مظالم الدُنيا . تربطنا بوطننا في الجنوب وإن عزّ علينا أن نفترق عندما يظلم بدر السياسة ، وتذهب الرؤى إلى الاصطدام بالحوائط المنيعة ، وينسدّ الأفق . * درس " مجوك " الأدب الإنكليزي في جمهورية مصر العربية ، ونال درجة الماجستير في آداب اللغة الإنكليزية في جامعة الخرطوم . عمل في صحافة أبوظبي الإنكليزية ردحاً من الزمان . وذاق مرارة إنتظار كيف ينتهي صراع الحرب و السلام في " نيفاشا". ودّ هو أن يكون هنالك حلاً كونفيدرالياً بين دولتين . ولكن ضيق أفق المتأسلمين ، أكبر من القرارات التاريخية ، حالت كلها دون ذلك .من الشمال اغتيل " محمود محمد طه "، ومن الجنوب اغتيل " جون قرنق دي مابيور "، عندما كان السودان واحداً ، فكيف ترسي بنا سفينة السلام إن انفصلنا؟
(2)
قدم لنا" مجوك" مُحاضرات ثرية بالرؤى ومكنوزة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية ومُضيئة بسعة الأفق . تجارب حياة تذوب في كأس قهوة المساء ، فنضرب أخماساً في أسداس ، لأنه لا حظ لنا من هذه الدُنيا إلا قسمة المواجع !. زرنا جنوب السودان من قبل في عهد الطلب أواخر 1972، وكان الغاية " دراسة المنزل في جنوب السودان " ، دراسة في الأغراض ، والوسائل ، ومواد البناء والتنفيذ وفق الطرق الشعبية المُتوارثة ، ورأينا فيها ، وإن كان هناك مكاناً للتطوير ، فكيف يكون؟
صحبنا المصور الإعلامي اللامع " غالب بُر " وصوّر لنا جوبا عاصمة الجنوب من بعد اتفاقية " أديس أبابا " وكل أحياءها والسوق . وصوّر لنا القرى على الطريق شرق الاستوائية التي تنحدر على سفوح الجبال : قرى صغيرة لا نتذكر أسماءها ، حتى وصلنا " توريت " ، بل وانطلقنا إلى الهضاب العالية في " كتري " بعد أيام .كانت "توريت " في ذلك الزمان في هدوء وسلام " مدينة أبوظبي " الآن . قضينا في ربوعها عشرة أيام . مساء الخميس نتسلل خلال العشوائيات النباتية الباسقة ،و ينتهي بنا المسير إلى " حفل النُقارة " . نشاهد ونرقص .وفي أعياد الميلاد صباح 25 ديسمبر 1972 ، نقترب من الكنيسة على الضفة الأخرى من الطريق . نرقب الثعبان البشري الذي يأتي من القرى المجاورة يتغنون بالأناشيد الدينية . ألوان زاهية لملابس الحضور ، وطبول محمولة عند الكتوف ، تحتفل بعيد ميلاد يسوع المسيح . في زمان نستغرب فيه الآن أدبيات الإنقاذ عن " الميل أربعين " !!.*زرنا رجلاً أصوله من شمال السودان في منزله في جوبا . له عدد من الزوجات من أهل الجنوب هُنَّ يعملنَّ في السوق وهو عاطل عن العمل . سألناه من أين أصوله ، يفرّ من السؤال ويراوغ ، لا يريد أن يتعرف إليه أحد . أحبَ " جوبا" وأحب زوجاته وأبناءه والبنات . أحب المجتمع وأحياءه الريفية والطرقات الملتوية ، و " القطاطي " بلا أسوار . الشابات عاريات الصدور الناهدة .ولا أعرف مصيره في هذا الزمان.
(3)
اشترك معنا " مجوك " في دراسة قبل تقرير المصير ، تبحث عن الأسباب الموضوعية لمشكلة الجنوب منذ إرهاصات الاستقلال ، مروراً بإتفاقية نيفاشا . وكيف أن الفيدرالية كانت قريبة المنال عند الاستقلال، لولا ضيق أفق السياسيين في ذلك الزمان . لم يظهر تصحيحاً جزئياً إلا عند اتفاقية أديس 3 مارس 1972 ، وليت " 25 مايو" صبرت على الريح عندما هبّت ، واختنق المناخ السياسي عام 1983 ، وعادت الحرب أكثر بشاعة من سابقتها .كفكفنا دموع الحُزن الكتابي ، عندما تلبدت الغيوم وضاقت الآفاق على رحابتها. استعجل الجميع تكوين الدولة الجديدة . سافر نائب الرئيس السوداني قبل ذلك ، لمقايضة " سحب مُرشحي الحركة الشعبية من انتخابات الشمال " في مُقابل الإسراع في إجراءات " تقرير المصير" ، حتى ولو بقيت " ابيي " و الحُدود مُعلّقة !.كثير من أهل الجنوب في الشمال وأهل الشمال في الجنوب صاروا بدون جنسيات . لا ذنب لهم إلا أن الجّهالة صاحبتها العجلة ، وأصابت الجميع في مقتل . لم يكُن بين أيدينا إلا أن نُشاهد الطّحن بين الفريقين ، في الشمال وفي الجنوب، ونحن " نشاهد اللعبة الحلوة " ، إن كان في الملعب السياسي من مشاهد حلوة ، وليس آخر الأمر من بُدّ إلا أن ندخل الملف المُحترق ( أشرار آت سودان دوت كوم ) !.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة