بعد كم من الأعوام لا أدري ، وإلى أن يسري الوعي الثقافي والأخلاقي لحقوق وواجبات المحكوم على الحاكم في أدبياتنا السياسية والمُتعلِّقة بفكرة ومبدأ أن الحاكم والوزير والمدير والمسئول هو في الحقيقية (خادم) الشعب نظير بما يدفعهُ هذا الأخير من ضرائب وجبايات رسمية تصبح في نهاية الأمر أجراً ومخصصات ونثريات يتقاضاها المسئول ، إلى ان يكون هذا وجب علينا الصبر على آلة الفشل الحكومي التي ضربت بأطنابها في كل إتجاه ، فحكامنا ووزراءنا وكبار الجالسين غصباً وجوراً في أعلى المناصب أغلبهم يعتقدون أن الجلوس على كرسي السلطة مجرد (بهرجة) شكلية ليس لها أيي علاقة بجهدٍ أو طاقة يُطلب إنجازها لصالح المنفعة الجماعية ، وأغلبهم ليسوا على قناعة بأن من واجبهم أن يقدموا برنامجاً يُعبِّر عن مُخططاتهم المتعلِّقة بإيجاد الحلول للمشكلات الماثلة أو مقترحات للتغيير والتطوير يسعون لتنفيذها وتقييم أداءهم فيها بما يُرضي الله والضمير الوطني ، ولكن لماذا يفعلون ذلك ؟ وهم على يقين أن مبدأ الحساب منعدم وأن الإفلات من عقوبة التجاوز وعدم إنجاز ما تم التخطيط له ، بل حتى التغوُّل والإستحواز على المال العام وحقوق الغلابة يمكن الإفلات منه بمجرد الإذعان والقبول بالأمر الواقع حين الخروج والتنازل عن المنصب ، وعبر إبداعٍ جديد لزمرة منسوبي المؤتمر الوطني أنتجت أدبيات التحايل المُستحدث على تجاوزات المسئولين وإنهماكهم المحموم في إختلاس مال الدولة وأكل مال المعوزين من أبناء هذا الشعب (أفكاراً شيطانية) نافست قواعد الدستور والقانون والعرف مثل مهزلة ماعُرف أخيراً (بالتحلَّل) من ما إقترفته أيدي الخونة في حق المال العام ، وما خفي كان أعظم ، لذلك من الطبيعي أن تضمحل إشارات الأمل في مستقبل معقول لهذه البلاد في ظل وجود مثل هؤلاء على سُدة الحكم والإدارة وهم يُنتجون مفاسد بائنة باتت في أدبياتهم وتوجهاتهم وسياساتهم نوعاً من (الشطارة) والفهلوة ، فإختلاط مفهوم التحايل السياسي والتنافس الفكري من منظوره الإيجابي بمجموعة من الصفات والأخلاقيات التي تأتي في مقدمتها الخيانة ويتوسطها الإستبداد والقهر للإتجاهات المُغايرة وفي خاتمتها السرقة والفساد ووضع الملك العام في مقام الملك الخاص ، يؤكد على ضرورة الإيمان بمبدأ التغيير الذي لا يتعلَّق بتبديل الأشخاص ولا الأفكار ولا حتى الأحزاب ، أن التغيير الذي يمكن أن يقودنا إلى الأمام وفي الإتجاهات التي تتوافق مع المصلحة الوطنية الجامعة هو ذلك التغيير الذي يخص ثقافتنا العامة حول ماهية واجبات وحقوق المناصب والمسئوليات المترتبة عليها ، بدءاً بأعلى منصب في البلاد والمُسمى رئاسة الجمهورية ونهايةً بأصغر موظف أو عامل يؤدي واجبه تجاه ذاته والوطن ، هل سنرى يوماً في سوداننا المنكوب بأوزار حكومته وما حولها من نفعيين ومُطبلين يبتغون منافعهم الشخصية التي لا نهاية لها ، وزيراً يستقيل من منصبه إعترافاً بتقصير أو بمسئوليته تجاه خطأ جسيم تجاه الشعب والوطن ، هل سنرى في بلادنا يوماً رئيس الجمهورية يٌقيل وزيراً لسوء الأداء أو عدم قيامه بتنفيذ خطته المُدرجه للفترة الزمنية المُعيّنه ، هل سنرى يوماً ما مسئولاً يُحاكم ويُحاسب في ما تجاوزت ذمته من المال العام ، وبعدين يا أهل الله ألا يبدو أن المشوار لا يزال طويلاً ووعراً .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة