(واستثنى المنشور الودائع الاستثمارية وحساب جاري الرئاسة والفروع وحساب الأرباح والخسائر من جملة الخصوم الخاضعة للاحتياطي النقدي القانوني.. وعزا المنشور الأمر بالتمشي مع متطلبات المرحلة بتوجيه المزيد من الموارد للقطاعات الإنتاجية.. وتمكين المصارف من تعزيز قدرتها الاستثمارية).. أدهشني صديق مصرفي وهو يقول بالأمس إن هذا الاستثناء.. بين القوسين.. والذي أوردته أمس في تحليلك كإجراء إيجابي من بنك السودان.. هو في حقيقة الأمر يلغي قرارا كان قد اتخذه بنك السودان المركزي قبل أقل من ثلاثة أسابيع فقط..!! أذهلني حديثه.. فيما مضي هو يحاول أن يبين لي جوانب الأمر.. ومدى خطورته..! فالاحتياطي الإلزامي أو القانوني هو إحدى أدوات السياسة النقدية التي يستخدمها البنك المركزي في التأثير على عدد من المتغيرات الاقتصادية المهمة مثل نسبة السيولة بالبنوك ومعدل التضخم ومعدلات منح الائتمان وغيرها.. ومن خلال هذه الآلية تقوم البنوك بالتنازل عن 18 % من ودائعها بالجنيه.. باستثناء أرصدة الودائع الاستثمارية والادخارية.. لصالح البنك المركزي بدون عائد.. لهذا السبب فإن رفع هذه النسبه يمثل زيادة في تكلفة البنوك نتيجة الفرصة الضائعة من عدم استخدام رصيد تلك النسبة ضمن السيولة المستثمرة.. هل يعقل أن يتسق هذا مع الدعوة لرفع الإنتاج.. ودعم الصادر..؟ رأى المصرفيون في قرار البنك المركزي الأخير.. مفاجأة كبيرة.. أصدر فيها بنك السودان تعميما وبموجبه ألغى التعاميم التي تتعلق بحساب نسبة الاحتياطي الإلزامي الذي تحتفظ به البنوك ببنك السودان حيث قرر تعديل منهجية حساب نسبة الاحتياطي الإلزامي في مقام النسبة لتشمل كل مكونات جانب الالتزامات في ميزانية البنوك مثل (الودائع الجارية والادخارية والاستثمارية، هوامش الاعتمادات.. الحسابات المكتبية (الدائنة المعلقة).. حساب جاري الرئاسة والفروع.. ما عدا حقوق الملكية والمخصصات على أن يبدأ تطبيق القرار اعتبارا من 4 فبراير 2018.. وفِي بادرة جديدة طلب بنك السودان حساب نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع بالنقد الأجنبي والتي كانت تحسب باليورو أو الدولار لتحسب بالجنيه السوداني (علما بأن أرصدة حسابات النقد الأجنبي محفوظة طرف بنك السودان بما يسمى بالدولار الحسابي أو الدولار الميت).. وأن تطبيق هذا المنشور بهذه المنهجية الجديدة يعني تجفيف سيولة البنوك وشل قدرتها على الاستثمار والتمويل وهذا يتعارض مع سياسات بنك السودان (نفسه) الجديدة الداعية للتوسع في تمويل القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية وقطاع الصادر والتمويل الأصغر، ويتناقض مع المعايير الإسلامية المتعلقة بحسابات الودائع الاستثمارية التي تستثنى من نسبة الاحتياطي الإلزامي باعتبارها أموال مضاربين.. احتجت إدارات البنوك واتحاد أصحاب العمل على هذا التعميم.. لذلك قام بنك السودان بإلغاء هذا التعميم وأصدر تعميما بديلا عنه في أقل من ثلاثة أسابيع.. كما أسلفنا أعلاه..! لقد ملت الصحافة من الكتابة عن تخبط القرارات المالية والنقدية.. وسياسة التجريب التي ظل يمارسها البنك المركزي.. بما يعكس قدرا هائلا من غياب الخبرة والمنهج الصحيح.. وضعف مرحلة صناعة القرار.. وهي المرحلة التي يقتل فيها مشروع القرار بحثا وتمحيصا.. قبل إصداره.. عوضا عن إصدار القرار بشكل متسرع.. ثم الاضطرار للتراجع عنه.. بعد أن يكون قد أحدث أضرارا هائلة بالفعل.. إن مرحلة صناعة القرار بكل ما يصاحبه من دراسات وأبحاث وتقصٍ.. وتقييم وتقويم ودراسة آثاره استباقا.. تعتبر هي الفريضة الغائبة في الاقتصاد السوداني..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة