هل خسرت الكثير من المقربين بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؟ اذا كنت كذلك فهذا ليس شيئا استثنائيا ، فكل يوم تنفض علاقات اسرية وصداقات بل وعلاقات زواج بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ، وانا شخصيا فقدت الكثيرين بسبب مقالاتي في وسائل التواصل الاجتماعي فضلا عن مواقفي التي اعلنها بشأن الدين والسياسة والايدولوجيا بشكل عام. القليلون الذين لم ينالهم هذا الأمر اغلبهم اشخاص يمسكون العصا من المنتصف وغالبا ما يكونون بلا ظل اي بلا فلسفة تقود حياتهم وربما يعيشون داخل هذا العالم الافتراضي كما يعيشون في العالم الواقعي بلا مبادئ معلنة. وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ما هي وسائل للتواصل بقدر ما هي وسائل للازاحات والتكتلات المفاهيمية ، فداخلها تكون الايدولوجيا التي يتبناها الفرد أكثر بروزا ، هذا خلق خاصيتين عكسيتين ، فالخاصية الاولى ان كل ما تنافر انفض واستقل بذاته ، وكل ما تجانس تكتل وتحيز . لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق تكتلات مفاهبمية كثيرة وبقدر ما احدثت حالات طلاق بين الناس بقدر ما خلقت علاقات شديدة القوة بينهم ايضا ، لقد ظهرت التكتلات ذات الطابع الديني والالحادي والسياسي والادبي والفني والرياضي ، اجتمع الليبراليون مع بعضهم وانفصلوا عن غيرهم واجتمع المتطرفون اليمينيون واليساريون وانفصلوا عن غيرهم ، واجتمع الصوفيون واللا دينيون وخلافهم ... فداخل وسائل التواصل الاجتماعي تستشف مرتكزات الفرد الفلسفية وقد تستشف النوايا والمقاصد ، وهنا تظهر العداءات كما تتضح المناصرات والتحالفات. ربما خسر الكثيرون علاقات مع اقربائهم لكنهم في نفس الوقت كونوا صداقات راسخة جدا مع اشباههم ، شخصيا تكونت لدي مجموعة كبيرة من الصداقات القوية التي كانت بعض المفاهيم والفلسفات والايدولوجيات قاسمها المشترك الأكبر . وانا شخصيا لا استطيع اخفاء ايدولوجياتي ولا اتجاهاتي واعلنها على الملأ وبالتالي لابد ان يثير ذلك حفيظة المختلفين واعجاب المتشابهين وهكذا تسقط صداقات وتبنى اخرى اكثر قوة وتجانسا. ومن ضمن العلاقات التي تنتهي علاقات اسرية ، وربما حتى علاقات زوجية ، كل ذلك بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تبدو لنا افتراضية ولا تستحق ، ولكن هذا غير صحيح ، فوسائل التواصل الاجتماعي تعري الفرد تماما من اي اقنعة يضعها على ارض الواقع ومن اهم تلك الاقنعة قواعد المجاملات ، فتقل حالات المجاملات كثيرا ، وربما كان السبب في ذلك ان الواقع يحتاج لمواجهة لا تستدعيها ملابسات التفاعل الاجتماعي الواقعي كثيرا ، خلافا لملابسات التفاعل الاجتماعي الافتراضية. كما ان وسائل التواصل تحقق درجة كبيرة من الامان لدى الفرد بحيث يتمكن من التعبير عن مفاهيمه بسهولة ، فهي تؤدي الى التحرر وبالتالي ظهور البواعث الشريرة والخيرة في نفس الوقت ، وتضيء شخصية الفرد امام الآخرين. خسارتك لعلاقات على ارض الواقع بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ليست في الواقع خسارة ، بل هي شيء طبيعي واراه حميدا جدا ، فلا اسوأ من ورم علاقاتي خبيث على ارض الواقع ، بعلاقات زائفة جدا بسبب التجمل والمجاملة ومراعاة الموانع الادبية التي تكبح جماح التحرر والاعلان عن الذات. ان من يرفض مفاهيمك واسلوب حياتك وفلسفتك شخص غير ديموقراطي ، ومن يخسرك على ارض التواصل الاجتماعي هو شخص لا يدعمك في جميع حالاتك ، والعكس هو الصحيح ، لقد نشأت بيني وبين آخرين علاقات قوية جدا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي حين تشابهت قلوبنا... واعتقد ان الانضمام الى قطيع من نفس نوعك افضل من ان تتلبس بجلد قطيع مختلف .. او هكذا أرى....دمتم بخير
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست