استمتعت قبل فترة بالاستماع لخطبة الوداع التي ألقاها الرئيس أوباما في يوليو ٢٠١٥.. أوباما أكد أنه واثق أن بإمكانه الفوز في دورة ثالثة.. لم نكن في حاجة لتذكير الرئيس أن الدستور لا يسمح.. الرئيس نفسه تولى تذكيرنا بهذه باعتبارها حقيقة في باب الثوابت الأمريكية.. أبدى أوباما استغرابه من القادة الذين يتشبثون بالسلطة حتى الرمق الأخير.. بل تحدث أوباما عن ميزات أن تكون رئيساً سابقاً تتفرغ لفعل الخيرات.
بالأمس كتب الأستاذ الكبير محجوب عروة في أخيرة التيار معقباً على حديث ابتدره الأستاذ نفسه.. كان عروة قد اقترح فكرة انقلاب ناعم مصحوب بتدابير الطوارئ يتم فيه حل الحزب الحاكم ويتحول الرئيس البشير إلى رئيس قومي يحكم لفترة انتقالية جديدة.. صحيح أن عروة كان يناقش الأمر باعتباره واحداً من السيناريوهات المتوقعة.. عاد عروة لتبرير السيناريو باعتباره مخرجاً من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
في البداية أختلف مع الأستاذ عروة في اعتبار الأزمة الراهنة اقتصادية.. بل هى في تقديري سياسية تستدعي استقالة كل الحكومة والعودة إلى الجمعية العمومية عبر إجراء انتخابات جديدة.. لكن لنفترض أن الحكومة الحالية حققت إنجازاً يجعلنا في مصاف سنغافورة التي تملك أكبر مصفاة نفط دون أن تمتلك نفطاً.. أو ماليزيا التي باتت علامة تجارية للنجاح.. هل يستدعي هذا التنصل عن روح الدستور التي حددت الدورات الرئاسية في دورتين..؟ عبر هذا المنطق من المفترض أن يستبقي مهاتير محمد وباراك أوباما رؤساء مدى الحياة.. لم تنشق أمريكا إلى ولايات متفرغة ولم يسابق التضخم الريح في ماليزيا.. رغم ذلك مضى هؤلاء إلى كرسي المعاش بعد سنوات حافلة من العطاء والبذل.
أختلف مع كثير من الناس الذين ينظرون إلى مسألة تعديل الدستور باعتبارها أمراً متعلقاً بمستقبل السيد رئيس الجمهورية.. الدستور واحترامه مقياس على ضوئه يقاس تطور الأمم.. الآن الديمقراطية في تنزانيا قصة نجاح لأن الرئيس علي حسن مويني رفض فكرة تعديل الرئيس في نهاية دورته الثانية رغم أنه حقق إنجازات كبيرة في مجال الاقتصاد وتمتين الوحدة الوطنية..
في تقديري أن النجاح يكمن دائماً في إرساء مؤسسية.. السؤال عن أزمة البديل مؤشر فشل لا دليل نجاح.. ماذا إذا رفض الرئيس دعوات الخروج على الدستور..؟ ماذا إذا جاء أمر الله والذي لم يستثن صاحب الرسالة الخالدة..؟ لهذا حينما تأتي دعوات ضرب عنق الدستور من رجل مستنير في مقام الأستاذ محجوب عروة فهذا يثير الأسى والحزن.. عروة أكثر من غيره يدرك سلبيات الشمولية.
بصراحة.. أي محاولة لتجاوز الدستور عبر التعديل أو إعادة التفسير تعتبر انقلاباً مكتمل الأركان.. بل سيكون أسوأ من الانقلاب الذي يأتي عبر بيان أول مصحوب بمارشات عسكرية.. إنه انقلاب يرتدي الحيلة والمكر ويفتقر الشجاعة يا سيد عروة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة