روى زميلنا الطاهر ساتي طرفة تستحق إعادة السرد.. وصل إلى إحدى المصحات النفسية رجل مسن.. تبرع أحد النزلاء بالعناية بالشيخ الكبير وسط استغراب من جمعتهم النوازل.. كان الشاب يقوم بإطعام الرجل وغسل ثيابه وما تحت الثياب.. ذات صباح فوجئت أسرة المصحة أن الشاب قتل الشيخ ورغم فداحة الجرم كان الشاب هادئاً ومبتسماً.. حينما سألوه لماذا فعلت ذلك كان رده (عم الحاج دا حقي).
لكن الواقع كان يتكرر في مسرحيْن.. حسب صحف الأمس أن الشرطة أنقذت طالباً جامعياً من فك حراس بنك مشهور.. التفاصيل أن الشاب أوقف عربته في موقف البنك ولم يكترث لتحذيرات الحراس.. بعد نقاش لم يدُم طويلاً تم اقتياد الطالب إلى داخل مباني البنك حيث تم تعذيبه حتى أوشك على الهلاك لو لا وصول الشرطة في الوقت المناسب.. بالإمكان أن نجد العذر لهؤلاء باعتبارهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلاً.. أو أن الطالب استفز عقولهم المحدودة فكانت الحادثة.
في المسرح الآخر كان مدير جامعة متخصصة في تعليم البنات يتحول إلى نمر مفترس.. البروفيسور كان مثل الثور في مستودع الخزف .. يكفّت طالبة ويطيح بأخرى ويفتش بنطال ثالثة.. كل ذلك على الهواء مباشرة.. لم يعترض على الفعل حتى الذين كانوا في المسرح المتلفز.. بعد يوم كامل من الاسترخاء يصرح المدير أنه غير نادم وسيكرر ذات الفعل في ذات الظروف.. بل يلجأ إلى الدين لتبرير الفعل غير المقبول.
في صباح اليوم التالي خرجت طالبات ذات الجامعة في مظاهرة عارمة.. على غير المتوقع كانت المظاهرة تسأل المدير هل من مزيد من العنف.. الشعارات المرفوعة من الضحايا كانت تطلب الاعتذار للجلاد.. وتوبخ الذين انتقدوه.. دخل إلى المولد الأستاذ ياسر عرمان رافعاً شعار التغيير والتنوير في انتخابات ٢٠١٠.. عرمان أثنى على الرجل باعتباره من أهل بيت التغيير ثم اتهم الحكومة بأنها تصطاد في الماء العكر.
في تقديري هنا تكمن الأزمة.. مثل هذه المشاهد المتفرقة تثبت بأننا أمة قابلة للتعايش مع الاستبداد.. نحن من نصنع الطغاة ثم ننحني تحت أقدامهم نطلب الرأفة .. بل نحسب أن زوال الاستبداد يعني خراب البيت .. وأن العصا لازمة في تربية الشعب.. انتهت حادثة البنك والجلد الجماعي للطالبات إلى مجرد ونسة مجالس.. سيعود المدير إلى مكتبه مرفوع الرأس يحمل بين يديه (سوطاً).. ستنتهي حادثة البنك إلى بلاغ يحمل رقماً في أضابير المحاكم.
بصراحة.. نحتاج أن نمارس قدراً من نقد الذات.. لماذا استشرى العنف في بلادنا.. كيف بات التغيير حلماً صعب المنال في وطننا.. لماذا نعيش أرقاء في بلد فسيح.. نحن نحتاج إلى تغيير ذواتنا.. نرفض الظلم داخل البيت.. نقاوم الاستبداد في المدرسة ومكان العمل.. نطالب بحقنا في التعبير والتغيير .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست