عاد الشاب مجدي إلى بيته بعد أن أدى تمريناً رياضياً في أحد الأندية الأرستقراطية.. قبل أن يتمدد على الفراش الوثير، سمع طرقاً عنيفاً على الباب.. دخلت القوة المسلحة التي كانت تبحث عن الدولار.. بعد بحث عنيف وجدوا خزينة أموالاً مخفية في مكان آمن.. أخبرهم المتهم أنها تعود إلى والده المتوفي قبل أشهر وأنه لا يعلم بمحتوياتها.. بعد نحو ستة أسابيع تم عقد محكمة عسكرية للمتهم مجدي لم يسمح له بالاستعانة بمحامي يترافع عنه.. بعد جلسة واحدة تم الحكم عليه بالإعدام.. رفض الاستئناف بذات الوتيرة المتسارعة.. لحظة تنفيذ حكم الإعدام بكى مدير سجن كوبر وهو يوقع على أوراق الإعدام. لم يكن مجدي وحده الذي وصل إلى المقصلة في تلك الأيام.. الإعدام شمل جرجس بطرس مساعد طيار بالخطوط الجوية السودانية.. وشاب جنوبي اسمه اركانجلو الذي لقي ذات المصير.. الغريب أن كل الذين حامت حولهم شبهات تنفيذ أو دعم تلك السياسات القاسية أنكروا لعب أي دور في تلك المسرحية الدامية.. لم تنته تجارة العملة عبر القبضة الأمنية.. ولم يصمد الجنيه إلا حينما تحرك الاقتصاد في سنوات البترول.. وفي ذلك عبرة لمن أراد الاعتبار. أمس اجتمع رئيس الجمهورية مع فريقه الاقتصادي الذي شمل أربعة جنرلات وقليل من خبراء الاقتصاد الكلي.. جاء الاجتماع لوضع خارطة طريق لوقف انهيار العملة الوطنية.. في البداية جاء الاجتماع متأخراً كثيراً.. بل بدأت الحكومة مشغولة باحتفالات جماهيرية في كسلا ومدني، والجنيه في غرفة الإنعاش.. لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا يأتي أبداً.. إلا أن مخرجات الاجتماع الكبير أثبت أن الحكومة انطبق عليها المثل الشعبي (راسو موجعو ربطو ليهو كراعو).. عادت الحكومة إلى السياسات الأمنية للتعامل مع ظاهرة اقتصادية بحتة.. تم تشديد العقوبات مع المتعاملين في العملة واعتبار ذلك جريمة تستحق العقاب الرادع جداً. هل ستجدي سياسة العصا الغليظة في إنقاذ الجنيه السوداني؟.. أغلب الظن أن هذه السياسة ربما تحقق النتيجة الخطأ.. ستتحول تجارة العملات الأجنبية إلى تحت الأرض وإلى خارج الوطن.. هنا سيقل العرض ويزيد الطلب المُلح على الدولار.. في مثل هذا الوضع سيزداد انخفاض الجنيه.. الحقيقة المُرة أن بلدنا يعاني من عجز في الميزان التجاري.. باتت وارداتنا أكثر من صادراتنا.. وفق توقعات النصف الأول، سيظل العجز في حدود المليار ونصف المليار دولار في العام ٢٠١٧.. لهذا سيظل الطلب على الدولار أكبر مما يؤدي إلى ترنح الجنيه السوداني. في تقديري.. أن حزمة السياسات الجديدة التي خرج بها اجتماع الكبار لن تتمكن من السيطرة على سعر الدولار إلا لفترة وجيزة.. بعدها سيتكيف تجار العملة مع الأوضاع الجديدة ويشرعوا في استخدام وسائل جديدة.. الحل الأسرع أن تتم الاستعانة بالأصدقاء والأشقاء في موسم النكبة.. تم إنقاذ الاقتصاد المصري عقب وصول السيسي إلى الحكم عبر حزم من الدعم السريع.. نحن الآن نحارب مع الخليج في الصفوف الأمامية فيما اقتصادنا يتهاوى.. عند هذا المنعطف يحب أن نجد الأشقاء.. الحزمة الثانية يجب اتخاذ إجراءات سريعة لجذب الاستثمار الأجنبي.. للأسف سياسة التعامل الخشن مع العملات الصعبة ستكون مؤشراً يجعل المستثمرين يبحثون عن أبواب الخروج.. بالطبع الحل الأمثل يكون في زيادة الصادرات ولكن هذه تحتاج إلى رؤية ثاقبة وتخطيط محكم. بصراحة.. أخشى أن تحدث ردة عن سياسة التحرير التي نجحت في إنقاذ الاقتصاد السوداني في وقت سابق.. أشعر أن فريق الإنقاذ ما زال يفكر داخل الصندوق وبذات الأدوات القديمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست