في نفس اليوم الذي نشرت فيه المقال الذي عنونته بعبارة : (شر البلية ما يضحك) مبدياً اندهاشي من تصريح وزيرة التربية والتعليم الذي أعلنت فيه اعتزامها إصدار قرار بل قانون بإلزامية تعليم الأساس ومعاقبة من لا يُلحق أطفاله بالمدارس، قرأت خبرين فقعا مرارتي أو كادا وأكدا على أن الوزيرة - أستاذة آسيا - تتحدث عن بلد آخر غير سوداننا هذا المأزوم. فقد كشف عثمان إبراهيم وزير التربية والتعليم بولاية شرق دارفور أن (70)% من أطفال الولاية خارج المدرسة مضيفاً أن نسبة التعليم العام ارتفعت هذا العام إلى (29)% بعد أن كانت (26)% في عام 2016، عازياً ذلك التدني إلى ظروف الحرب وعدم الاستقرار، وقال إنه من (المستحيل) أن يكون التعليم في وضعه الصحيح في ظل الاضطرابات الحالية. بالرغم من ذلك تتحدث الوزيرة عن إلزامية التعليم بل وتتوعد بإصدار قانون يعاقب من لا يلحقون أطفالهم بالمدارس. وكنت قد تساءلت في ذلك المقال : من يعاقب من؟! أود أن أسال : كم يا ترى هي الولايات الدارفورية التي تعاني من ظروف مشابهة لشرق دارفور التي تحدث وزيرها عن حالها، وماذا عن ولاية جنوب كردفان التي تئن تحت وطأة أوضاع أسوأ جراء أفاعيل لوردات الحرب الذين لا يقتاتون إلا على الدماء والأشلاء، وماذا عن غرب كردفان وماذا عن غيرها؟! في ولاية سنار الآمنة المطمئنة نسبياً والتي أرى فيها اهتماماً بالخدمات خاصة التعليمية والصحية، كشف وزير التربية والتعليم هاشم عبدالجليل أن جملة النقص في الإجلاس بلغت (13) ألف وحدة، لكن ذلك الوزير الذي أرقب بإعجاب ما يقوم به من مبادرات بتشجيع من واليه (الضو الماحي) وطّن الإجلاس في ولايته بدلاً من ترحيله من الخرطوم ووفر مبالغ طائلة من الكُلفة (50)% جراء ذلك وبجودة أفضل وسيستلم سبعة آلاف وحدة إجلاس خلال أسبوع، ودرّب كل مديري الأساس والثانوي بالولاية وآلاف المعلمين في مختلف التخصصات بل دخل (في الغريق) بالاستدراك على المقررات الدراسية مثل ضعف مستوى التلاميذ في اللغة العربية التي شرع في معالجتها، كما استرجع بعض ما قُبر من أنشطة سادت أيام جودة التعليم ثم بادت ، مثل طابور النظافة والمكتبة المدرسية. ما ذكرت ذلك إلا لأشير إلى أمرين : أولهما : أن القفز فوق المراحل لا يجوز فحال التعليم لا يسر ولا يجوز تعميم إلزامية التعليم قبل توفير المطلوبات الأساسية ويمكن التدرج بحيث يفرض على الولايات التي ستبلغ أهدافها في بضع سنين بهمة وأمكانات حكوماتها. ثانيهما أن الحكومة المركزية وهي تعمل على إجازة الموازنة العامة ينبغي أن تزيد موازنة التعليم وتوجه الولايات بأن تحذو حذوها وأهم من ذلك ينبغي أن لا يترك تعليم الأساس للمحليات إنما يخضع كل التعليم الثانوي والأساس لوزارات التربية الولائية بدلاً من التنافر الحالي في السياسات ودرجة الاهتمام وترتيب التعليم في سلم الأولويات بين الوزارات والمحليات. يعلم الله أنني أشعر بالأسف والحزن عندما أطلع على المناهج التي يدرسها أطفالي في مرحلة الأساس خاصة اللغة العربية التي يستحق منهج الأساس في الصفين السابع والثامن أن ينقل إلى الجامعة أما مواد (الحشو الفارغ) مثل (ملبسنا) و(الأنسان والكون) التي حلت ، في غفلة من الزمان ، محل الجغرافيا والتاريخ فلا أملك إلا أن أدعو الله تعالى لأن يغفر (للعباقرة) الذين ورطونا فيها. صحيح أن قرار أحداث تغيير في مهمة صندوق رعاية التعليم بحيث يضطلع بدور جديد في دعم التعليم العام بدلاً من الاكتفاء بدعم التعليم الجامعي الذي أبلى فيه بلاء حسنا يعتبر خطوة جبارة ولكني أخشى من تقليل موازنة التعليم اتكالا على صندوق دعم الطلاب وأرجو ألا يحدث ذلك فيكفي الانقاذ ما جنته على التعليم العام الذي كان المتضرر الأكبر فيه هو المعلم والمواطن الذي تحمل معظم كلفته بعد أن كان مجانيا بالكامل في العهود السابقة. أرجع لاقول للسيدة وزيرة التربية والتعليم هوني عليك سيدتي فلا يزال الطريق إلى طموحاتك طويلاً ومليئاً بالأشواك ولا أقول العقارب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة