قبل أيام كنت مع أخ عزيز في مطار الخرطوم لاستقبال مواطنة أمريكية جاءت لتشارك في منشط أكاديمي.. ترددت جداً في مصافحة الضيفة التي كانت تغطي شعر رأسها بإحكام .. كان بصرها يتجول في أنحاء صالة كبار الزوار كمن يتوقع مفاجاءات غير سعيدة.. بذلت وصديقي جهوداً مكثفة لإقناعها أنها ضيفة عزيزة في بلد يحترم كافة حقوقها.. بعد أسبوع من الإقامة في السودان تغيَّرت سلينيا كثيراً.. باتت جزلة طربة ترتسم على محياها علامات الرضا والارتياح، وهي تتعرَّف على بلدنا عن كثب. نهار أمس أجريت حواراً صحفياً خاطفاً مع وفد أمريكي يزور الخرطوم.. الوفد متخصص في تطوير صناعة النفط.. ولهم تجارب ناجحة في تقديم الخدمات والاستشارات لبلاد عديدة من بينها كينيا وتنزانيا وأنجولا.. الأمريكان يتطلعون لتعاون مثمر مع بلدنا في عدد من المجالات بعد انقشاع العقوبات الأمريكية.. هذا الاهتمام الأمريكي حدث في بلاد حدث فيها الانفراج بعد سنوات من العزلة.. توافد الأمريكان أفراداً وجماعات يستكشفون الفرص الضائعة في روسيا بعد سقوط حكم البلاشفة وفي العراق بعد انهيار حكم الرئيس صدام حسين.. مؤخراً نالت إيران ذات الاهتمام بعد الاتفاق النووي والافراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الخزائن الأمريكية. لكن الاهتمام وحده ليس كافياً.. الوفود الزائرة ربما تعود بانطباع يمنع غيرها من الطرق على الأبواب السودانية.. ما يطلبه الأمريكان في مجال (البزنس) لديه ارتباط كبير بدوائر السياسة المرتكزة على مشاعر الرأي العام وقوة ضغط مراكز القوة.. بمعنى لن تستطيع شركات كبيرة ذات اسم.. العمل في بيئة لا تحترم قواعد الشفافية، ولا يسود فيها حكم القانون أو مراعاة حقوق الإنسان.. هذه الاشتراطات الأخلاقية لن تزول حتى لو رفع اسم السودان من كل القواىم التي تشير لسوء السمعة.. بالطبع ليس ذلك لسمو هذه الشركات من الناحية الأخلاقية فحسب، بل لأن لها أسهماً في السوق تتقيد قيمتها بمراعاة هذه العوامل. لا أجد منطقاً يجعل وزيراً معيناً مشرفاً وحارساً لاستثمارات بلد معين.. من الطبيعي أن يكون وزير الدولة بالاستثمار مهتماً بكل الاستثمارات الأجنبية غض الطرف عن دولة المنشأ.. بهذا المنطق ستطلب دول أخرى ترفيع مهمة الحراسة لما فوق مستوى الوزير.. مثل هذه الممارسات لها أثر سالب كبير في رفع مستوى الإحساس بالتفرقة بين المستثمرين على أساس عرقي أو جهوي.. المطلوب في هذه المرحلة ثابت السياسات ووضوح القوانين وتوفر المعلومات.. ليس مطلوباً من كل مستثمر تكبد مشاق السفر ليعرف الخارطة الاستثمارية ومعدلات العائد على كل دولار ينفق في مجال الاستثمار. في تقديري.. علينا أن نتساءل عن مستوى جاهزية الاقتصاد السوداني ومواكبته للمرحلة الجديدة.. أخشى ألا تكون لدينا استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع مرحلة ما بعد رفع العقوبات.. الإفراط الزائد في التفاؤل يشير لعدم وضوح الروية.. ماتزال هنالك كثير من الشكوك حول قدرة القطاع الخاص السوداني على التناغم مع هذه المرحلة.. معظم قطاع رجال الأعمال موغل في المحلية، وبما بسبب سنوات الحصار.. حتى القطاع المصرفي يبدو عاجزاً عن التواصل مع العالم الخارجي.. مطلوب من الفريق الاقتصادي أن يفكر خارج الصندوق أو يتنحى ويفسح الطريق لرجال المرحلة من أهل الخبرة والكفاءة. بصراحة.. المطلوب العمل الجاد والسريع لاغتنام السانحة.. إذا ما ضاع زخم الاهتمام بالسوق السوداني فلن تواتينا الفرصة قريباً جداً.. سيدي وزير الاستثمار سجل بعناية ملاحظات الوفد الأمريكي واجتهد في تبييض الصورة النمطية عن بلادنا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة