قانون الاجراءات الجنائية في السودان هو من أسوأ قوانين الاجراءات الجنائية على مستوى الأنظمة القانونية ، فهو لم يهتم أبدا بتحقيق ضمانات للأفراد في مواجهة تعسف السلطة العامة ، ولم يراع المبادئ التي ارستها العدالة الجنائية فيما يتعلق بهذه الضمانات ، بل ولم يلتفت حتى الى تلك الضمانات التي قررها المجتمع الدولي كمنظمة العفو الدولية والعهد الدولي وخلافه فيما يتعلق بحصانات الأفراد اللازمة قبل اتخاذ اي اجر اجراء يمس حرية الشخص او خصوصيته في جسده وسكنه. بل أنه حتى لم يضع اي ضابط لعملية التفتيش التي تتم في جسد الفرد او منقولاته ، قرأت لبعض القانونيين محاولات مستميتة لجلب المبادئ التي ارساها القضاء البريطاني والأمريكي ، لكن هنا على وجه الخصوص لا تصلح تلك السوابق للتطبيق في السودان اذا خلا قانون الاجراءات منها ، ليس لأن قواعد هذا القانون آمرة فحسب بل لأنها تتعلق بالنظام العام ، وتعلقها بالنظام العام يمنع استخدام سابقة قضائية أجنبية لتقييد نصوص القانون الوطني ومن ثم تقييد عمل الشرطة والنيابة بما لم يحصلوا فيه على علم مسبق ولم يقيده قانونهم الوطني، لا يمكننا مثلا أن نستند الى التعديل الدستوري الأول الذي يحمي الحريات في أمريكا ولا التعديلات الدستورية التي تستند اليها المحاكم العليا في أمريكا لنطبقها على السودان ، يمكننا أن نستخدم السابقة في منطقة الفراغ الموضوعي النسبي أي عند تفسير نص وليس انشاء نص لأن هذا يتعارض ومبدأ الشرعية . ولا يوجد حتى الآن قانون يحدد القيمة القانونية للسابقة الأجنبية فيما يتعلق بالفراغ الموضوعي الكامل أي حين انعدام النص ، ولا قيمة السابقة الأجنبية البريطانية أو الأمريكية لدى القضاء السوداني . احكام القضاء تستأنس ببعض الأحكام الأجنبية لتعميق فهم وتفسير النص القائم ، أو تشير الى ارتباط بين مبدأ قضائي وطني بمبدأ قضائي أجنبي ، ولكن ماهي قيمة المبدأ الأجنبي ، هذا ما لم يشر اليه أي قانون . فالمادة 89 من قانون الاجراءات الجنائية مثلا تجيز للشرطي الذي قبض على الشخص أن يقوم بتفتيشه وأن يضبط جميع الأشياء الموجودة معه. ويلاحظ أن المادة 2/68 قد فتحت الباب على مصراعية أمام الشرطي ليقوم بالقبض -ومن ثم تفتيش- الأفراد بما يشمل ضبط الهاتف المحمول وتفتيشه والعبث به خاصة مع قدرة الشرطي على الاستناد الى الفقرة 2/ج من المادة المذكورة. وهكذا فإن أي شرطي يسير في الشارع يستطيع أن يستوقف أي مواطن ويطلب منه هاتفه المحمول ليعبث به ويفتش محتوياته تمهيدا لاكتشاف جريمة ؛ كاحتواء الهاتف على مواد مخلة بالاداب او متضمنة لمنشورات معادية للسلطة او خلافه... ووفقا للمادة 73 من هذا القانون لا يجوز لأي مواطن يتعرض لهذا الانتهاك لخصوصيته أن يمتنع عن طاعة الشرطي والا جاز للشرطي استخدام القوة ضده .
إذا فخصوصية الفرد منتهكة تماما وفقا لقانون الاجراءات الجنائية . اننا جميعا ندرك أهمية احترام خصوصية الفرد وخاصة هاتفه المحمول الذي تكاد تكون كل بصمات حياته مضمنة فيه ، من ارقام حسابات الفرد البنكية لتعاملاته التجارية او رسائله الشخصية أو بريده الالكتروني أو صوره الشخصية ...الخ ان الموبايل اليوم هو منزل الانسان الذي يسكن اليه وهو مكتبه الذي يدير منه أعماله وهو وسيلة صلة الارحام بالنسبة له وهو مكتبته التي تمنحه جرعاته الثقافية وهو فوق هذا فلسفته الحياتية التي تخيرها لنفسه ، ومع ذلك لا يصدر أي قانون يحقق للفرد ضمانات كافية لهاتفه المحمول. عندما قام جهاز الأمن بالقبض على احدى المتظاهرات واعتقد أنها سارة فاروق كدودة ، استولى على هاتفها المحمول ثم ادعى بأن الهاتف به مواد اباحية ، وفي المحكمة فشل الأمن في فتح الهاتف المحمول المضبوط وتم شطب التهمة . والسؤال هل يجوز لفرد من افراد الأمن يرتدي زيا مدنيا أن يقوم بتفتيش هاتف اي مواطن ؟ من الذي يضمن ألا يقوم هذا الفرد بانزال مواد تعتبر حيازتها جريمة أو دليل إدانة ضد المواطن المغلوب على أمره؟؟؟ كيف يضمن المواطن أن لا تتلاعب الشرطة أو الأمن بمحتويات هاتفه وتعبث بها وتورطه في جريمة خاصة مع وجود حالات الانتقام السياسي المتفشية والتي رأيناها في دعاوى كيدية من بعض الأجهزة التي تقدم أدلة باطلة رغم أن تقديم الدليل الباطل في حد ذاته جريمة وفقا للقانون الجنائي. من يحمي المواطن من تعسف وغلو وعدوان السلطة العامة ، إذا كان القانون يجعل خصوصية الفرد مستباحة بالكامل من قبل أصغر شرطي أو فرد أمن. إن سن تشريع يحمي خصوصية المواطن (وهي خصوصية كفلها الدستور) أصبح واجبا على السلطة التشريعية ، بل أصبح من الواجب حماية خصوصية الافراد في نطاق الاتصالات وأجهزة الاتصالات التي يملكونها...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة