زرت البارحة مطار الخرطوم في مهمة إعلامية.. شدت انتباهي وجود عربة نجدة بها جنود في حالة تأهب.. لم يكن المنظر معتاداً حيث يتم تأمين المطار بصورة أكثر ذكاء.. المهم عرفت أن الاستعدادات الاستثنائية سببها ضيف أمريكي زائر.. قلت لنفسي لقد وقعنا في الفخ.. كانت تلك استجابة وزارة الداخلية للتحذيرات الأمريكية بضرورة اتخاذ أسباب الحيطة والحذر للأمريكان عند زيارتهم السودان.. وتشمل التحذيرات تجنب السفر لمناطق النزاعات في دارفور وجنوب النيل الأزرق. تذكرت قبل أقل من ثلاثة أشهر كان يزور بلدنا ضيف أمريكي آخر.. السيد بيتر واتسون كان من كبار مسؤولي البيت الأبيض في إدارة جورج بوش الصغير.. حينما وصل واتسون السودان في زيارته الأولى طالب بحراسة شخصية.. لكنه بعد أن عرف بلدنا جيداً كان يتجول وحيداً في شارع النيل في عتمة الليل.. بل إنه جالس أهل الريف في مزارعهم في نواح جبل أولياء.. منذ ذلك الوقت تغير انطباع الرجل السالب، وبات من كبار المناصرين لقضايا السودان الذي عرفه عن كثب. مصر تعيش هذه الأيام ظروفاً استثنائية بسبب تصاعد عمليات العنف.. آخر عملية إرهابية كان ضحاياها أكثر من خمسين شخصاً ما بين قتيل وجريح.. رغم ذلك تعيش مصر في ظروفها الاعتيادية.. لا تجد أي مظاهر استثنائية.. كل ذلك الهدوء حتى لا ينطبع نمط عدم الاستقرار في أذهان صناع السياحة في العالم فيجف الضرع. بالطبع من حق أمريكا أو غيرها أن تنصح رعاياها باتخاذ أقصى درجات الحذر.. التحذير الأمريكي بنى على حادثة اختطاف موظفة إغاثة أوروبية في دارفور.. في أغلب الظن أن الحادث المعزول جاء في إطار ممارسة الابتزاز من خلال عمليات طلب الفدية.. لكن استلامنا لهذا التصنيف واتخاذ مظاهر تأمين مبالغ فيها للضيوف يرسل رسالة سالبة جداً في هذا التوقيت. في تقديري.. من المهم جداً تغيير كل مظاهر الاستعداد العسكري في الخرطوم والمدن الأخرى في مرحلة الانفتاح حول العالم.. ليس من المعقول أن نحضر قافلة عسكرية ترافق كل مستثمر في طوافه على السودان.. الاحساس بالأمن والحرية هما الاساس الذي يبني عليه كل مستثمر قرار انفاق أمواله بغرض الربح.. المظاهر العسكرية المبالغ فيها أول رسالة سالبة تطبع في ذهن القادم للسودان.. لهذا ينبغي تجاوز الافكار التقليدية في التأمين.. حتى الجنود المدججون بالسلاح امام الفنادق يجب سحبهم في الحال واستبدالهم بآخرين في ملابس مدنية أنيقة بالاضافة لكاميرات ترصد كل شاردة وواردة. بصراحة.. الحفاوة الأمنية الزائدة بالأجانب ستجعلهم يهربون في وقت فيه بلادنا في أشد الحاجة لهذه الزيارات التي تخلف انطباعات إيجابية.. سيدي وزير الداخلية هل تعلم أن الإذاعة التي لا يسمعها أحد محروسة بدبابة منذ العام ١٩٨٩.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة