عندما طرح عبد الرحيم حمدي ورقته قبل12 عاما تقريبا ؛؛ثارت جميع القوى السياسية وحدث ضجة اعلامية ما بين منتقد ومثمن ومحلل .. صحيفة التايمز وضعت صورته على الغلاف كالرجل الاقتصادي الاول الذي أخرج النظام المعاقب من المآزق الاقتصادية ودبجت الصحيفة ذلك بمقال مطول عنه وعن انجازاته العظيمة...ويعتبر عبد الرحيم حمدي (بغض النظر عن اتجاهه الاسلامي) ليبراليا حتى النخاع حينما قلب السياسات الاقتصادية التي كانت سائدة منذ الاستقلال عبر توجيه الدولة الى تحرير الاقتصاد تحريرا مستمرا باضطراد وانتظام ، وكان ذلك التحول نقيضا لشعارات ومنهج النظام المعلنة منذ الانقلاب عام 1989م. طرح عبد الرحيم ورقته حول مستقبل الاقتصاد السوداني عقب اتفاقية نيفاشا .. واثارت لغطا كبيرا كما اسلفت ، وربما كانت هذه الفقرة من ورقته هي التي أحدثت كل هذه الربكة؛ يقول فيها: (الأفتراض الثالث : أن الجسم الجيوسياسى فى المنطقة الشمالية المشار إليه أعلاه وسأطلق عليه اختصاراً {محور دنقلا – سنار + كردفان} أكثر تجانساً.. وهو يحمل فكرة السودان العربى / الاسلامى بصورة عملية من الممالك الاسلامية القديمة قبل مئات السنين.. ولهذا يسهل تشكيل تحالف سياسى عربى / أسلامى يستوعبه. وهو "أيضا" الجزء الذى حمل السودان منذ العهد التركى/الاستعمارى/الاستقلال.. وظل يصرف عليه.. حتى فى غير وجود البترول ولهذا فأنه حتى إذا انفصل عنه الآخرون {أن لم يكن سياسياً فاقتصاديا عن طريق سحب موارد كبيرة منه} لديه إمكانية الاستمرار كدولة فاعلة يصدق هذا بصورة مختلفة قليلاً حتى إذا ابتعدت دارفور.. رغم إمكانية خلق علاقات اقتصادية أكثر مع دارفور حتى لو أنفصلت أو أبتعدت سياسياً.) لم تكن أزمة دارفور في ذلك الوقت قد استفحلت وتعمقت جراحاتها كما هو اليوم... لم تكن مشكلة جبال النوبة والنيل الأزرق قد نبتت كالشيطان بعد ، كان الجنوب فقط هو الخازوق المستمر لعقود استهلاكا لمليارات الدولارات في حرب عبثية لا معنى لها. فكيف تسنى لحمدي التنبوء بهذه الخارطة التي تزداد تجسيما اليوم بعد اعلان الحلو لحق تقرير المصير ، وبدء التوترات الخطيرة بين قوى دارفور المختلفة؟؟؟ وازدياد احتماليات وفرص انفصال هذه الاجسام الجغرافية ليبقى مثلث حمدي وحده متماسكا ومتعاضدا بقوة؟؟ لقد استطاع فعل ذلك باستخدامه لنظرية الاحتمالات ثم عملية الترجيح انثروبولوجيا وسياسيا وجيوبولتيكيا وسوسيولوجيا ثم توصل الى نتيجة لا تقبل الشك والرهان عليها فائز بلا شك. وهانحن بعد اكثر من اثنتي عشر عاما نعود جميعنا للتفكير والتأمل في امكانية أن يكون مثلث حمدي هو الحل الناجع لاشكالية هذه الدولة البائسة. كل الوقائع على الارض تميل الى هذه النتيجة.. فالشقة تتسع بين الفرقاء ،،ودعاوى العنصرية ينهض لها المثقفون فيما يسمى بمناطق الهامش ، ودعاوى تقرير المصير تقسم الحركات الحاملة للسلاح ، وصراع المليشيات يتصاعد لصدام محقق مستقبلا ، بل أن الزعم بأن هناك دخلاء يتم توطينهم وأصلاء يتم تشتيتهم صارت بدعة كل خطاب ومقال وجدال . اذا كان بعض المثقفين في دارفور عربا كانوا أو زرقة يرون أنهم تحت وصاية الوسط أو المركز ، واذا كانوا يرون أنهم يتعرضون لعنصرية وتهميش من مجتمعات وقبائل ومنظومات بعينها ، واذا كانت كل محاولات تحويل خطابهم الى خطاب قومي قد باءت بالفشل .. فأعتقد أنه قد حان الوقت لنفكر جدية في فصل النار عن البنزين ، في استخدام المبضع لبتر العضو الفاسد ، وهو بالمناسبة فاسد في نظر كل طرف من الأطراف . مثلث حمدي يعود بقوة ليطرح حقيقة مؤلمة ، أن كل موارد الدولة من مليارات الدولارات من الناتج القومي تذهب الى الحرب وشراء ذمم المثقفين والزعماء ، وبناء الاقاليم التي تزعم التهميش في حين ءن تلك التي تكظم الامها وتضح الصخور على بطنها لا وجيه لها ، اذا كانت كل هذه المليارات قد افقرت باقي اقاليم السودان دون جدوى (كما حذر عبد الرحيم حمدي من ذلك في ورقته السحرية تلك ) اذن فلا مناص من أن تقرر الاقاليم مصيرها حتما وحقا. ليس بالضرورة أن تقرره الاقاليم التي تدعي التهميش بل ان يقرر الوسط والشمال (أي مثلث حمدي) مصيره هو دون انتظار او اجل. إن مثلث حمدي عليه حقا أن يستقل بموارده عن دارفور والنيل الازرق ، لأن الشعور بالعنصرية سواء كان حقيقة أم توهما لا يمكن محوه وازالته ، كما ان قبائل وشعوب الاقاليم المستعرة بالقتال الأهلي وسفك الدماء لا خير فيها بل هي جرثومة لا تجد بيئتها المثلى الا بولغ الدماء المتخثرة . أليس عجيبا أن يتهمك الآخر بالبغض والكره والعنصرية والتآمر ويطلب منك في نفس الوقت الاحتفاظ بجواره ؟؟ أليس هذا تناقضا غير مفهوم أو كما يقول المثل:(لا بريدك ولا بحمل براك) ؟؟؟ مثلث حمدي يا سادة هو الحل كما صار انفصال الجنوب هو الحل ؟ نعم ان الحدود ليست مقدسة ؟ ولا هي نتاج مقاومة ونضال ، بل هي منحة من قوى أجنبية عظمى ، جمعت الشتات من الاعراق والقيم بدون أي رابط ثقافي واضح.. فلماذا سنقدس هذه الحدود الآن.. كان على النظام منذ 2005 أن يتبع بروتوكولات حمدي هذه خطوة بخطوة ويطبقها كما يؤدي الزاهد صلاته بدلا عن اقحامنا جميعا في مأساة زرع المليشيات وانفاق المليارات على حساب الأقاليم الأخرى ، ولكن... وكما قال دريد ابن الصمة في رثاء أخيه عبد الله (فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد).. أزمة دارفور هذه لن تنتهي أبدا ، فمثقفوا دارفور يذكون سعيرها ما بين تبرير وتجريح وتخوين وعنصرية ، وصراعات قبائل دارفور ليست وليدة اليوم او الامس بل هي صراعات تاريخية وحروب يقتل فيها الانسان وكأنه لا يساوي ذبابة ، بل أن الصالحين يستنكفون حتى قتل الذباب تعظيما لروح مخلوقة... نعم مثلث حمدي هو الحل ولا حل غيره ..شئتم هذا ام ابيتم فإن صيرورة الحقائق والوقائع تؤكد حتمية حدوث ذلك إن عاجلا (أفلحنا به) أو آجلا (أضعنا به المزيد من الأموال والأرواح).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة